كابوس التاجر والمستهلك.. متى تنتهي أزمة سلاسل التوريد العالمية؟
لعل أسوأ الكوابيس التي يمكن أن يراها المستهلك والتاجر والدول هو الأرفف الخالية في المتاجر، إذ يشير هذا المنظر بحسرة إلى فرص نمو ضائعة.
لطالما كان الاستهلاك عنصرا رئيسيا للنمو في اقتصادات العالم، فهو المحرك الهام للتصنيع والتشغيل والازدهار الاقتصادي لاحقا، ولأجل هذا تتجه الحكومات فورا إلى ضخ الأموال في فترات الركود لتحفيز الاستهلاك بين مواطنيها ومساعدة المصنعين على الإنتاج وتشغيل الطاقة القصوى من الاقتصاد.
- اختناقات "سلاسل التوريد" العالمية.. من يدفع ثمن الأزمة؟
- تحذير: اضطراب سلاسل التوريد يهدد النمو العالمي
لكن، في حالات نادرة يواجه العالم مشكلة هي "الأسخف" في الاقتصاد، إذ يمتلك المستهلك القدرة على الشراء لكنه لا يجد منتجا، ويحظى المنتج بغالبة قدرات الإنتاج لكن مخازن مواده الخام خاوية أو أنه لا يجد سبيلا لنقل منتجاته، وتقف الحكومات عاجزة عن إيجاد حلول سريعة.. نتحدث هنا عن الصداع الراهن في رأس الاقتصاد العالمي: أزمة سلاسل التوريد.
كيف حدثت أزمة سلاسل التوريد؟
ينتج العالم بكثافة ليقابل طلبات الشراء المتنامية وفق دورة شبه مستقرة قد يعكر صفوها قليلا صراعات سياسية تنعكس على العلاقات التجارية بين الدول كحروب الرسوم الجمركية بين أمريكا والصين.
تلك الدورة، قد تقابل في بعض الأحيان أيضا، منغصات كانسداد بعض مسارات التجارة العالمية الهامة كالقنوات المائية والطرق، وقد يعكر صفوها ارتفاعا مفاجئا في أسعار الوقود أو بعض المواد الخام، وقد تعرقلها ندرة بعض مستلزمات الإنتاج الطبيعية، أو ركود عالمي أو تضخم متنام، لكن ماذا لو حدث كل هذا في نفس الوقت.. هنا تحدث "الأزمة".
مع مطلع العام 2020، عرف العالم لأول مرة فيروس كوفيد – 19 أو كورونا الجديد، الذي جاء وبصحبته خريطة جديدة لسلاسل التوريد في العالم.
كانت الضربة الأولى في تلك الخارطة "قاسية"، إذ أعلنت بوضوح أن البلد الذي يصنع 20% من صادرات العالم قد توقف .. وفجأة.
أغلقت الصين أو "مصنع العالم" كما يطلق عليها، أبوابها، للتعامل مع الوافد الفيروسي الجديد، وإثر ذلك فقدت سلاسل التوريد "قلبها النابض".
ومع انتشار الفيروس عالميا، بدأت سلاسل التوريد في التفكك "حلقة" "حلقة"، وأغلقت المصانع وعاد العمال إلى منازلهم في إجازات طويلة وبات العالم ينتظر المجهول.
لماذا ظهر تأثير الأزمة بعد مرور عامين من الجائحة؟
في بداية أزمة سلاسل التوريد، كان الأثر في الأسواق لا يزال تحت السيطرة، إذ أن المخازن كانت ممتلئة بالبضائع، بينما انكمش المستهلكون وتحوطوا في إنفاقهم تحسبا لما قد يأتي.
آنذاك كانت نصائح الخبراء الاستثماريين هي "القبض على المال" تحينا لفرص ثمينة قادمة في المستقبل، حيث سينهار سعر كل شيء.
حدث هذا، على الأقل في بعض السلع التي كانت رائجة قبل أن تجد نفسها "تحت الصفر" كما حدث مع عقود النفط الأمريكي.
وعلى أي حال، ساهمت الطاقة الرخيصة في استمرار سلاسل التوريد ومقاومتها، لأنها وإن كانت تخدم عددا أقل من الناس إلا أن تكاليف تشغيلها منخفضة.
كذلك، كان لتوقف السفر والسياحة وانتعاش التجارة الإلكترونية أثرا في تغير الأنماط الاستهلاكية التي احتاجت وقتا للتكيف الطبيعي معها.
وفي ظل العرض الصغير والطلب المتواضع، ظهرت بعض أزمات التوريد في مناطق عديدة وبقطاعات مختلفة، لكن كان الأمر أيضا قابلا للتعديل في فترة معقولة.
لكن، ولمواجهة الاستهلاك الهادئ الذي تكرهه "الآلة الاقتصادية"، بدأت آثار الحزم التحفيزية القياسية للدول في الظهور، ورافق هذا انفتاحا تدريجيا للاقتصاد وعودة السفر، وعادت الشهية الاستهلاكية مجددا.. ولكن أيضا بشكل متسارع للغاية.
إثر هذا سقط الاقتصاد العالمي في فخ جديد، التضخم وعجز سلاسل الإمداد، فقد أدت أشهر الهدوء إلى تخفيض شركات الشحن لعمالها وقدراتها، بحيث لم تعد مهيئة للعمل بالطاقة القصوى سريعا.
وعلى جانب آخر، أدى الطلب الكبير على الوقود إلى ارتفاع سعره ما انعكس على أسعار السلع.
وأضحى الأمر بمثابة دائرة مفرغة، فأسعار السلع آخذة في الارتفاع نظرا لتكاليف الشحن وتزايد الطلب، بينما المصنعين غير قادرين أصلا على تلبية الطلب.
ومما زاد من صعوبة الأمر، مشكلة الطاقة العالمية الي تضرب بعض الدول الكبرى وعلى رأسها الصين، ودفعتها اضطراريا لقطع الكهرباء عن المصانع.
أدى كل هذا في النهاية إلى منظر الرفوف الفارغة في المتاجر.
سيناريوهات انتهاء أزمة سلاسل التوريد
بطبيعة الحال، كان من المتوقع أن يأخذ السوق العالمي وقته ويعيد تكيفه ويحل أزماته المتعلقة بسلاسل التوريد.
لكن ثمة "فرصة" غير محسوبة قد توفرها سلالة متحور كورونا الجديدة المكتشفة في دول جنوب القارة الأفريقية.
اليوم، أعادت دول أوروبية عدة فرض قيود السفر من وإلى تلك الدول، بينما ترفع حالات الطوارئ لمواجهة الوباء في دولها داخليا.
كذلك، تراجعت أسعار النفط بأكثر من 6% وهو ما يخفف من الضغوط التضخمية التي فاقمت أزمة سلاسل التوريد.
قد يمثل هذا ظروفا مشابهة لبداية وباء كورونا، لكن مع فارق أننا أصبحنا نعرف حدود الوباء وكيف سيتشكل العالم بعد ذلك.
بإمكان سلاسل التوريد حاليا أن تستفيد من تراجع الضغط عليها وإعادة التشكل والتوسع مجددا لمواجهة الطلب، وبالمثل التعلم من الدرس الكبير في هذه الأزمة وهو تنويع مصادر الإنتاج وعدم تركيزها في مكان معين.. كالصين.