نهاد أبوالقمصان لـ"العين الإخبارية": "مفيش حاجة اسمها أجر رضاعة" (حوار)
شغلت قضايا الأسرة في مصر اهتمام كثيرين مؤخرا، فما بين أداء الزوجة لواجباتها وحصولها على أجر مقابل إرضاع طفلها اشتد الخلاف.
حالة الجدل، التي ظهرت جلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفرضت نفسها على وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمرئية، ارتبطت أغلبها بالمحامية المصرية نهاد أبوالقمصان، التي كان لها نصيب الأسد من الهجوم اللاذع الذي شنه عدد من مستخدمي "السوشيال ميديا" من جهة، ومن بعض الشخصيات المشهورة من ناحية أخرى.
فعلى مدار الأيام الماضية، نسبت بعض وسائل الإعلام المحلية تصريحاً إلى المحامية نهاد أبوالقمصان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، قيل فيه على لسانها إنها "تطالب بأن تحصل المرأة على أجر مقابل إرضاع أطفالها"، وهو ما كان كفيلا بأن تواجه موجة عالية من الانتقادات حتى كتابة هذه السطور.
الاهتمام الواسع الذي حظيت به قضية "أجر الرضاعة"، وردود الفعل التي ما زالت أصداؤها تتردد في الأفق، دفع "العين الإخبارية" إلى التواصل مع المحامية نهاد أبوالقمصان، التي بدورها دافعت عن نفسها تجاه الهجوم الذي تعرضت له، كما عمدت إلى توضيح عدد من الأمور فيما نُسب إليها من تصريحات، وهو ما استعرضته بالتفصيل خلال الحوار التالي:
ما هو سر حديثك عن أجر الرضاعة دون غيره من قضايا الأسرة؟
المفاجأة هي أنني لم أتحدث عن الرضاعة من الأساس في هذا التوقيت، ولا عن غيره من القضايا. القصة ببساطة شديدة أنني كتبت مقالا في عام 2017 أثناء حملة لمناقشة الأحوال الشخصية في مصر، وقلت بين سطوره أننا في حاجة إلى قانون يناسب العصر. حينها تحدث الناس أو كانت المناقشة دائرة حول أن القانون المطروح مناسب، خاصةً وأن مرجعيته هي مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
وقتها قلت إن المرجعية لمذهب الإمام أبي حنيفة النعمان مأخوذ جزء منها ومتروك منها البقية، فالمذهب ينص على تعدد الزوجات من جهة، كما أنه أيضا يشدد على أن المهر هو ركن أساسي في الزواج، إلى جانب أجر الرضاعة.
بالتالي، هذا لا يعني أنني أطالب بحصول المرأة على أجر مقابل الرضاعة، أنا أرد فقط على الناس، وأقول إننا في حاجة إلى "قانون مستنير" يحفظ كرامة النساء، فمن غير المعقول أن يتضمن قانوننا حتى اليوم نفقة متعة وأجر للرضاعة، هما أمران مطبقان بناء على العمل بمرجعية الإمام أبي حنيفة النعمان.
حينها، حدث اجتزاء لكلامي في هذا الشأن، وصمّم بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي "بانر" مدوّن عليه تصريح على لساني، أقول فيه بحسب زعمهم "أن المرأة غير ملزمة بالرضاعة"، وهو ما أعادوا نشره خلال الفترة الأخيرة.
لماذا أُعيد نشر مثل هذا التصريح المجتزأ بحسب قولك في هذا التوقيت؟
الله أعلم، يمكن أن يكون هذا بمثابة رد فعل على رأيي في المناقشة التي دارت مؤخرا حول تصريحات نقيبة أطباء القاهرة، التي رجّحت كفة خدمة الطبيبة للمنزل، وأنا قلت إنه لا يوجد تناقض بين العمل وأداء السيدة لمهامها داخل المنزل.
إذًا.. كيف تعاملتِ مع الانتشار الواسع لتصريحك المجتزأ؟
فور إعادة مشاركة التصريح المجتزأ من سياقه من قِبَل "لجان إلكترونية"، خرجت في مقطع فيديو عبر "فيسبوك" مدته دقيقتان ونصف الدقيقة، قلت فيه إن ما طرحته ليس رأيي، بل هو ما تنص عليه مذاهب الأئمة أبي حنيفة النعمان والشافعي وأحمد بن حنبل، طبقا لتفسيرهم لآيتين من القرآن الكريم، الأولى رقم (233) من سورة "البقرة"، ورقم (6) من سورة "الطلاق".
عقب تداول مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه، فوجئت بـ"جيوش إلكترونية" بدأت توجه السباب إلى الأئمة الثلاثة، بعدها وجّهوا الإساءة إلى شخصي، مع أنني لم أطالب بحصول الأم على أجر مقابل الرضاعة.
هل تقصدين بأجر الرضاعة أن تحصل السيدة على مقابل مادي؟
هذا يُسأل عنه الأئمة، هذا ليس رأيي ولم أطالب به، كل ما أنادي به هو الشراكة بين الزوج والزوجة في بناء الأسرة والحصول على نسبة من المتحصلات فيما يتعلق بالمدخرات، وهذا من منطلق أنهما يتوليان الإنفاق على المنزل، هذا هو منهجي ومبدأي.
ما رأيك في رد مركز الفتوى التابع للأزهر على تصريحاتك؟
أرى أن رد مركز الفتوى تضمن ما قلته، فالعلماء أكدوا على استقرار الأسرة، وأن ما جاء في موضوع الرضاعة هو رأي الإمام أبي حنيفة النعمان المتعلق بما يتبع وقوع الطلاق فقط، وهذا ما أكدت عليه خلال الفيديو، كما نوهت بأن رأي الشافعية والحنابلة يؤيد حصول المرأة على أجر مقابل الرضاعة أثناء الزواج وما بعد الطلاق، وشددت على أن هذه آراء العلماء وليس رأيي.
ما ردك على من اتهموكِ بهدم الأسرة المصرية؟
من يروج لهذا الاتهام هم "لجان إلكترونية"، شعرت بالخطر من أن طرفاً آخر يناقشهم بنفس منهجهم، أنا أقول لهم أنتم تأخذون من الدين، فعليكم أخذ كل ما فيه، لكن ما يحدث هو اجتزاء منه، هم لأول مرة يجدون سيدة دارسة للشريعة والقانون وتظهر علانية وتقول "آدي الشرع وآدي القانون وخذوه على بعض"، وهو ما نتج عنه عنف من هذه اللجان التابعة لـ"القوى الظلامية" التي يندرج تحتها السلفيون والإخوان وغيرهما من المتاجرين بالدين.
ما هو ردك على شخصيات مشهورة وجهت إليه انتقادات لاذعة؟
بالنسبة إليّ من لا يقرأ هذه مشكلته، ومن يتجاوز في حقي ويسعى للشهرة على حسابي سأذهب به إلى المحكمة.
هل اتخذت أي إجراء قانوني بحق من هاجموكِ؟
أنا محامية وعملي داخل ساحات القضاء ومتواجدة بداخلها يوميا، وتقدمت ببلاغات ضد بعض المتجاوزين بالفعل، فمثلا هناك صفحة تدّعي كذبا عبر "فيسبوك" أنها تتبع المخابرات المصرية، ونشرت كلاما فارغا بحقي وتقدمت ضدهم ببلاغ، "انت هتخوفني؟ هل هناك مخابرات تفصح عن هويتها عبر (فيسبوك)؟"، كما حررت بلاغات ضد بعض الصفحات الأخرى.
ما هو رأيك الشخصي بعيدا عن رأي الأئمة؟
أنا لا أقبل هذا النوع من التعامل مع النساء، وأقول ربما كانت هذه الآراء مناسبة لعصر آخر، إنما هذا لا يناسب عصرنا الحالي، هؤلاء الأئمة لهم منا احترامنا وتقديرنا لعصرهم.
مفهومنا نحن عن العلاقة الزوجية لا بد أن يكون قائما على المودة والرحمة والشراكة، وبالتالي لو سنأخذ شيئا من الشرع يكون "حق الكد والسعاية"، بما أن الزوجين يسعيان سويا، وبالتالي تكون أي متحصلات يحصلان عليها تُقتسم فيما بينهما، وهو ما يناسب هذا العصر.
أنا أرى أن السيدة عليها العمل وتقف على قديمها وتكون قادرة على اتخاذ كل القرارات في حياتها بحرّية، سواء كان قرار يتعلق بزواج أو إنجاب أو إرضاع، هذا قرارها وهي حرّة فيه، الاستقلال المادي للسيدة هو أساس كرامتها، بما يكفل لها اتخاذ قراراتها دون ضغوط وترفض الإهانة والعيش في بيئة مضطرة أن تكون فيها، بدعوى عدم قدرتها على كفاية نفسها ماديا.
بناء على ما سبق "مفيش حاجة اسمها أجر رضاعة" طالما السيدة هي صاحبة قرار زواجها وإنجابها، فهي بالتالي شريكة في المسؤولية عن أولادها، هي تعمل وتساهم في رفع المستوى المعيشي لأبنائها وتصرف من جيبها، وهذا حال أغلب سيدات مصر.
بعد الهجوم الواسع الذي تعرضتِ له.. ألم تندمي على تصريحك؟
بالعكس لم أندم، هذه الحملات لا أضعها في اعتباري، أنا أول من تحدث عن قضية ختان الإناث في مصر عام 1994، وقتها تعرضت لنفس الحملات على الصحف، واليوم كما نعرف بات ختان الإناث جريمة يعاقب عليها القانون.
كما أنني أول من تحدث عن التحرش الجنسي، وهوجمت بشكل فظيع على المستوى الرسمي، فقيل إنني أدمر سمعة البلاد، أما شعبيا ألقى كثيرون لومهم على الفتيات، وبعد سنوات أصبح القانون يعاقب المتحرش بالسجن والغرامة.
في النهاية، أنا لن أتوقف عن الدفاع عن حقوق المظلومين سواء كانوا رجالا أو سيدات أو أطفالا.
يبدو أنكِ خرجت بأشياء إيجابية من طرحك أجر الرضاعة
بالفعل، لقد انتصرت في أمرين، الأول هو أن الناس عليها مراجعة كل كلمة تقال إنها من الشرع أو الدين، أو أنها من مرجعية أي من الأئمة، لأن في اللحظة التي رفضت فيها آراء 3 من كبار الأئمة فيما يخص أجر الرضاعة، هي نفسها اللحظة التي تناقض فيها حديث البعض بأن تعدد الزوجات مباح بلا قيد أو شرط عند نفس الأئمة الـ3، أساس الخلاف هو الاجتزاء وليس تأييد أو معارضة حصول المرأة على أجر مقابل إرضاع طفلها.
الأمر الثاني الذي أعتبره مكسبًا هو كشف "اللجان الإلكترونية" الذين أظهروا أوراقهم بالنسبة إليّ، ولكل من يهتم بالعمل العام في مصر.
بشكل عام.. ما سر الاحتقان الذي يظهر جليا حال الحديث عن أي قضية تخص الأسرة في مصر؟
السر هو وجود صراع مصالح، فقضايا الأسرة تختلف بحسب وضعية الشخص فيها، بمعنى لو أن الرجل واجهت ابنته مشكلة سيؤيد حقوق المرأة، ولو دخل هو في مشكلة مع زوجته سيكون ضد حقوق المرأة.
كذلك نفس الحال للسيدة، لو ابنها لديه مشكلة ستكره قضايا المرأة، ولو واجهت هي مشكلة بسبب زوجها ستطالب بحقوق المرأة، هي بشكل عام قضايا بها صراع مصالح.
كما أعتبر أن قضايا الأسرة هي تجسد صراعاً بين دولة القانون، التي تسعى إلى سن قانون عادل يتناسب مع الواقع، ويقلل الاحتقان والمشاكل بعيدا عن المصالح الفردية، و"دولة الملالي"، التي فيها يميل الإخوان والسلفيون إلى إعادة البلاد إلى الوراء وفرض وجهة نظرهم من خلال الاتجار بالدين.