فوبيا نترات الأمونيوم تثير الرعب في موانئ العالم.. قنابل صامتة
صافرات الإنذار تجتاح الموانئ كافة خشية من تكرار انفجار مرفأ بيروت المروع
تجتاح موانئ العالم فوبيا نترات الأمونيوم بعد الانفجار المدمر الذي ضرب مرفأ بيروت الأسبوع الماضي، حتى أطلقت سلطات الموانئ صافرات إنذار ضد تخزين هذه المادة شديدة الخطورة.
إذ أحيا انفجار مرفأ بيروت الذي تقول السلطات إنه ناجم عن شحنة مصادرة من مادة نترات الأمونيوم، المخاوف من كوارث مشابهة أو أكثر سوء في مناطق مختلفة بالنظر إلى أن هذه المادة شديدة الانفجار ربما تكون مخزنة في موانئ حول العالم أو في مستودعات أو معابر حدودية أو في حاويات على سفن شحن في عرض البحر.
وتسبب نحو 2750 طنًا من نترات الأمونيوم المخزنة لمدة 6 سنوات في مرفأ بيروت في انفجار هائل أودى بحياة نحو 158 شخصا وجرح 6 آلاف، ولا يزال 21 شخصا في عداد المفقودين، وفقا لبيانات وزارة الصحة اللبنانية.
ولنترات الأمونيوم عدة استخدامات أبرزها صنع المتفجرات وبعض الصناعات الكيماوية، إلى جانب الأسمدة وتحديدا الأزوتية لزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.
مواصفات المادة المتفجرة
هي حبيبات لونها يميل ما بين الأبيض إلى الرمادي إلى البني، عديمة الرائحة، وتنصر عند 169 درجة مئوية (336 درجة فهرنهايت)، وتتحلل عند 210 درجات مئوية (410 درجة فهرنهايت)
ووفقا لمنشور على موقع قسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات في جامعة ميريلاند، فإن نترات الأمونيوم هي مؤكسد قوي (Strong Oxidizer)، وقد يتسبب اتصالها بمواد أخرى في نشوب حريق أو انفجار.
ووفقا لإدارة الصحة في نيوجيرسي، فإن نترات الأمونيوم يمكن أن يتم امتصاصها عبر الجلد.
وتتمثل أبرز الأضرار الصحية عند استنشاق نترات الأمونيوم في تهيج الجهاز التنفسي، وقد تشمل أعراضه: السعال، التهاب الحلق، ضيق التنفس، الدوخة، آلام البطن، القيء، الإسهال الدموي، الضعف والتشنجات، تهيج الجلد، الحكة.
إنذارات عبر التاريخ
لم تكن فاجعة بيروت هي الأولى من نوعها، بل سبقها كوارث وقفت ورائها نترات الأمونيوم، كان منها كارثة تكساس سيتي عام 1947، حين انفجرت سفينة شحن محملة بـ 2300 طن من نترات الأمونيوم، ما أدى إلى مقتل ما يقرب من 600 شخص وأصيب الآلاف آخرين.
كما شهدت صومعة ألمانية تخزن 4500 طن من الأسمدة وهي مزيج من نترات الأمونيوم وكبريتات الأمونيوم عام انفجارا هائلا أسفر عن تدمير مئات المنازل وقتلت 561 شخصًا ودمرت بلدة صغيرة عام 1921.
هذا، وشهدت أوروبا أيضا انفجارا آخر ولكن كان هذه المرة في لندن عام 1916، حيث اشتعلت النيران في بعض الأكياس الفارغة في مبنى في Uplees، على بعد 60 ميلًا جنوب شرق لندن، وتواجدت الأكياس في شركة تحميل المتفجرات، ما أشعل 15 طنا من مادة TNT و150 طنا من نترات الأمونيوم، ولاقى 116 شخصا مصرعهم.
ميناء رأس عيسى
يبدو أن الحوثيون لم يتعظوا من كارثة لبنان، إذ هناك كارثة مماثلة في ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر والخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي، لوجود نحو 1.2 مليون برميل من النفط على ناقلة متهالكة مهددة بالانفجار.
وأكدت السفارة الأمريكية في اليمن، الأحد الماضي، أن الحوثيين يتسببون بكارثة بيئية وإنسانية بأعمال العرقلة والتأخير المتعلقة بناقلة "صافر" النفطية العائمة بالبحر الأحمر.
وأضافت السفارة الأمريكية في اليمن، أن من مصلحة اليمن والمنطقة أن يسمح الحوثيون بتفقد أممي لناقلة النفط "صافر".
وبات خزان صافر قنبلة موقوتة تهدد بكارثة بيئية في البحر الأحمر، كون الباخرة منتهية الصلاحية مر على إنشائها حوالي 40 عاماً وقد أصبحت متهالكة وجسمها يتعرض للتآكل.
وبحسب مسؤولين حكوميين وخبراء، فإن الخزان مهدد بحدوث تسرّب والتسبب في كارثة بيئية واقتصادية غير مسبوقة في حال انفجاره.
وحذرت الأمم المتحدة من انفجار محتمل يهدد سفينة النفط صافر، وقال مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، في تقرير سابق اطلعت عليه "العين الإخبارية، إن السفينة صافر محملة حالياً بـ 1.148 مليون برميل من النفط الخام، ونظراً لعدم توفر خزانات الشحن بالغاز الخامل، تعتبر منطقة الشحن وسطح الخزانات والمناطق المحيطة بها عرضة للغازات الهيدروكربونية، وتتعرض لخطر الانفجار/الحريق”.
موانئ خليج عدن
من جهة أخرى، نفت مؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية، الجمعة الماضية، ما تردد من أنباء بشأن وجود شحنة، تحتوي على نترات الأمونيوم في المرفأ.
وقد آثارت أنباء وجود 140 حاوية محملة بنترات الأمونيوم بميناء عدن محتجزة منذ 3 سنوات مخاوف اليمنيين.
وأكدت المؤسسة في بيان صحفي أن الشحنات القديمة والموجودة في أرصفة محطة الحاويات تحتوي على مادة اليوريا (UREA 46%) العضوية، والتي تستخدم كأسمدة زراعية، وهي ليست بالمواد المتفجرة أو المشعة ولا يحظر عملية نقلها أو تخزينها.
رعب في الهند
كشفت السلطات الهندية، الجمعة الماضي، عن وجود نحو 700 طن من نترات الأمونيوم، مخزنة منذ 2015 بميناء في عاصمة ولاية تاميل.
كما أعلنت الهند عن وجود 690 طنا من نترات الأمونيوم مخزنة في مرفأ تشيناي، عاصمة ولاية تاميل نادو .
هذه الشحنة موزعة على 37 حاوية تم استيرادها من كوريا الجنوبية عام 2015، لكن حجزتها السلطات الجمركية في المرفأ.
ومع ذلك شددت الهند على أن وضع الشحنتين لا يسكل خطرا، وجاري العمل على بيعها في مزايد للتخلص منهما.
ميناء بورتسموث الإنجليزي
سحبت شركة بورتيكو، مشغل الشحن الدولي في ميناء بورتسموث الإنجليزي، طلب تخزين شحنة نترات أمونيوم تقدر بنحو 4999 طنا.
وبحسب موقع بورتسموث الإخباري، قال مايك سيلزر، مدير الميناء، "إننا واضحين في هذا الشأن لن يكون هناك مجالا لوجود نترات أمونيوم في الميناء".
ميناء حيفا هو الآخر مهدد بتكرار كارثة بيروت، إذ طالب النائب العربي بالكنيست ورئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، طالب بعقد جلسة مستعجلة في لجنة البيئة البرلمانية من أجل مناقشة وضع ميناء حيفا وتفريغ الميناء من المصانع والمخاطر الصحية والبيئية الناجمة عن عملها.
وحذر في بيان صحفي من تخزين المواد الخطيرة الموجودة بالقرب من مناطق سكنية، تهدد حياة عشرات الآلاف من سكان حيفا والمنطقة تشمل شفاعمرو، ابطن، طمرة وكابول ومنطقة الكريوت وغيرها.
وأكد عودة أنه منذ سنوات وكافة المنظمات البيئية تحذر من خطورة تخزين المواد الكيماوية الموجودة في ميناء حيفا، والمستودعات المحاذية له والمصانع البتروكيميائية القريبة منه.
حقيقة الوضع بالجزائر
وسريعا، أكد وزير النقل الجزائري، لزهر هاني، السبت الماضي، خلو موانئ البلاد من أي نوع من السلع الخطيرة أو المواد المتفجرة.
وأمر وزير النقل في تصريح نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، بإجراء إحصائيات أسبوعية تخص البضائع المحجوزة أو المخزنة أو البضائع التي هي محل إجراءات قضائية أو تم التخلي عنها من قبل أصحابها، وإرسال تقارير بشأنها للمسؤولين للنظر فيها وتسوية وضعياتها.
وشددعلى أن الجزائر تطبق قانون منع حجز أو تخزين البضائع الخطيرة على مستوى الموانئ منذ عام 1975.
حيفا على خط النار
أعرب خبراء ومسؤولون في إسرائيل عن خشيتهم من حدوث كارثة في حيفا على غرار ما حصل في بيروت نظرا لوجود مصانع البتروكيمائيات وتكدس ذات المواد الخطرة في الميناء.
وأكدت ريفيتال غولدشميد من مركز حيفا للبحوث البيئية، أن "الحادث في لبنان يوضح خطورة تركيز المواد الخطرة بالقرب من الكثافة السكانية ويحتم علينا إغلاق الصناعات القابلة للاشتعال والمتفجرة".
وأضافت: "ما انفجر كان نترات الأمونيوم. بالرغم من تفريغ خزان الأمونيوم في حيفا، لكن في ميناء حيفا لا يزال خطر الأمونيوم يحوم عندما تقف ناقلات الأمونيوم في الميناء ليس بعيدا عن السكان ومصنع للأسمدة يقع في وسط المدينة ويحمل حاوية 15 طنا من الأمونيوم بدون حماية. الحكومة الإسرائيلية مدعوة إلى رفع خطة إغلاق المصانع الخطر".
من جهتها، أشارت جميلة وكيم، مديرة جمعة "مواطنون من أجل البيئة" إلى أن أحدث مسح للمخاطر وهو غير شامل، أجري في حيفا، أظهر وجود 1500 مصدر خطر و 800 مادة خطرة هناك،
4 إجراءات أساسية للسلامة
حدد الخبراء 4 إجراءات للسلامة ينبئ عدم الالتزام بها بكارثة محتملة وهي: الكمية، التهوية، القرب من المواد المشتعلة ومدى القرب من المراكز المكتظة بالسكان.
وقال ستيوارت ووكر، من كلية الكيمياء الجنائية والبيئية والتحليلية في جامعة "فلندرز" في أديلايد: "بيروت مثل تكساس هي جرس إنذار. يجب أن نتعلم من تلك الكوارث ونتأكد من أنها لن تتكرر".
قواعد تخزين صارمة
كشف هانز ريوفيرز، الخبير في مجال نترات الأمونيوم وتكنولوجيا الأسمدة في ألمانيا، أن هناك قواعد صارمة للتخزين، فعلى سبيل المثال في ألمانيا لا يتم السماح إلا بتخزين 25 طناً من نترات الأمونيوم الصافية في مكان واحد.
وشددت فرنسا قواعدها التنظيمية في 2001 بعد انفجار في تلولوز تسبب في مقتل 31 شخصاً، وهناك قواعد تنظيمية مماثلة في أنحاء أوروبا وكذلك في شرق آسيا.
وشدد على ضرورة تخزين هذه المادة الخطرة في حاويات غير قابلة للاشتعال وإبعادها عن المواد القابلة للاشتعال.
وحظرت بعض الدول استخدام نترات الأمونيوم في صناعة الأسمدة بسبب استخدام متشددين للمادة في صنع القنابل.
حجم التجارة عالميا
بحسب بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي فأنَّ قيمة التجارة العالمية في نترات الأمونيوم في 2018 بلغت 2.14 مليار دولار وروسيا هي أكبر مصدر للمادة والبرازيل هي أكبر مستورد.
ووفقا لبيانات مؤسسة"آي. إتش. إس ماركت" ومقرها لندن، فالولايات المتحدة وأوروبا أكبر المناطق استهلاكاً للمادة، إذ تركز فيهما ما يزيد قليلاً على نصف الاستهلاك العالمي في 2019.
وقال روجر ريد من كلية الكيمياء في جامعة "نيو ساوث ويلز" إنَّ الدول التي لديها مخزونات كبيرة لديها في الأغلب عمليات تعدين ضخمة أو قطاع زراعي كبير.
وتابع: "في العادة تكون تلك الدول الصناعية الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين إضافة إلى الهند ودول أصغر في أوروبا".