على الرغم من أن العالم لم يجمع على تعريف رسمي دولي للإرهاب، إلا أنه يجمع على كونه قضية العصر، ويتعامل معه من هذا المنطلق
على الرغم من أن العالم لم يجمع على تعريف رسمي دولي للإرهاب، إلا أنه يجمع على كونه قضية العصر، ويتعامل معه من هذا المنطلق، وفي هذا الإجماع الدولي يدور العالم كله، إلا أن المسلمين يعانون من بُعد ضبابي مظلم ينال منهم دون غيرهم، وهو الاتهام العشوائي للدين نفسه، وخلط الفهم لفكر الإسلام العظيم مع أفكار شاذة ظلامية حاربها الإسلام دين السلام ونبذها ونفّر منها.
من غير المنطقي أن يربط الإرهاب بديانة أو معتقد أو دولة لوجود فئة تتبنى هذا الفكر أو تُنسب له
ذلك الخلط المتعمد وغير المتعمد لفهم فكر الإسلام الحقيقي جعل الكثيرين يلصقون الإرهاب الدنيء بالإسلام العظيم، وهيهات أن يجتمع المتناقضان. ومن منطلق هذا اللبس الخطير، بات المسلم يكتوي بنار الإرهاب كغيره، ويكتوي بنار الاتهام الظالم دون غيره. وكُثر من يتعمد إقحام الإرهاب مع الإسلام في النقاش والجدل بطرق عدة، سواء كان متعمدا لحاجة في نفس يعقوب أو كان ضحية لهذا اللبس الخطير وغير المنصف في المفاهيم، حيث يتم قلب فهم الفكر الإسلامي الحقيقي إلى نقيضه، فكلما حدث أي عمل إرهابي تُوجه أصابع الاتهام من الوهلة الأولى للإسلام والمسلمين حتى قبل التحري عن شخصية المتهم أو القبض عليه. إن الإرهاب جوهره الشر والشذوذ، فلا يجوز مُطلقا ربطه بديانة سماوية أو مله لأنه فكر همجي متطرف، وما ينتج عنه من آثار سلبية أو سلوكيات مسيئة يرفضها الجميع ويرفض كل ما يترتب عليها من نتائج خطيرة كازدراء الأديان وبث الكراهية والتنافر وتحقير المصطفين الأخيار من الرسل والأنبياء.
كحقيقةٍ تاريخية جاء الإسلام مكافحا الإرهاب قبل سن أي قوانين، ومطهّرا بفكره الإنسانية من التمايز والتطرف والظلم والعنصرية، وذلك لحماية الإنسان من شرورها من خلال حدود واضحة يعزز بها كرامة الإنسان والحفاظ على حياته، فالإرهاب ظاهرة معقدة لا تفرق بين مدني أو عسكري، ظالم أم مظلوم، امرأة أو طفل فهو يعتمد على القتل العشوائي في حال تحقيقه للمصالح المخطط لها، إنه وسيلة مشوهة ظالمة لتحقيق غاية شريرة، عانت منها البشرية منذ القدم تدفعها نوايا محجوبة وأساليب متباينة، فخطورتها لم تولد حديثاً، ولكن أن نرى ربط أصول هذه الظاهرة بالإسلام كدين أو ثقافة هو ما تم استحداثه وهي المصيبة الأخطر.
الإرهاب لم يولد بعد أحداث 11 سبتمبر وليس مرتبطا بالإسلام بل له تاريخ حافل قبل ذلك بكثير
إذا فمن غير المنطقي أن يربط الإرهاب بديانة أو معتقد أو دولة لوجود فئة تتبنى هذا الفكر أو تُنسب له. وأن الذين يربطون بين الحركات الراديكالية المتطرفة من جماعات الإسلام السياسي الأصولي وبين الإسلام كدين سماوي فهم في ضلالة، ولا تقل عن ضلالة هؤلاء المتطرفين وكلاهما يشترك في الإساءة لدين سماوي في سابقة لم تمس دينا قبله. وسنسرد بعض من الجماعات التي تدين بديانات أخرى غير الإسلام ولم نر أبدا أنه تم ربط أفعالهم الإرهابية بمعتقداتهم الدينية.
ففي اليابان هناك طائفة تدعى أوم شينريكيو والتي يقودها زعيم تأسس على قيم البوذية ومن أشهر أعمالها الإرهابية حادث تسمم ركاب قطار الميترو عام 1995 بغاز سام قاتل وتم قتل 12 شخصا وإصابة الآلاف وتم اكتشاف أنها تمتلك مواد لصنع ذلك الغاز بإمكانها قتل 4 ملايين بريء.
وأيضا حركة "كاخ اليهودية" التي ترفع التوراة بيد والسيف بيدها الأخرى والتي تم تصنيفها كحركة إرهابية بسبب ممارستها أعمال العنف والانتقام والتنكيل والتمييز ضد العرب. ومنظمة "تيرور نيفد تيرور" الصهيونية التي تأسست عام 1975 للتصدي للإرهاب وهي التي تمارس العمليات الإرهابية والعنصرية ضد العرب وأشهرها حادث إحراق الحافلة التي كانت تنقل ركابا فلسطينيين في القدس.
وكذلك المليشيا المسيحية "أنتي بالاكا" في إفريقيا الوسطى التي تأسست بعد إطاحة الرئيس "فرانسو بوزيري" التي تمارس أشد أشكال العنف والقتل ضد المسلمين في سبيل تهجيرهم.
وفي أواخر الستينيات نشأت مجموعة ثورية في إيرلندا تدعى "جيش التحرير الإيرلندي" التي تسببت في أحداث عنف كبيرة والعديد من القتلى من الطرفين جراء تدخل الجيش الكاثوليكي لفصل البروتستانت الموالين لهم.
ومنها جيش الله الذي يرمز له اختصارا بـAOG وهو اسم منظمة وجماعة بروتستانتينية مسيحية ظهرت في أمريكا بدايات العقد الأخير من القرن الماضي. وكذلك المنظمة العنصرية ذائعة الصيت في أمريكا (الكوكلوكس كلان) والذي يرمز إليها اختصارا بـkkk.
جميع الأديان جاءت متفقة بعدم جواز قتل النفس وتحريمها صراحة
ومنه جيش الرب الأوغندي وهي حركة تمرد مسيحية مسلحة، تعود جذورها إلى أمرأة تدعى أليس لاكوينا، ادعت في ثمانينيات القرن العشرين أن الروح المقدسة خاطبتها وأمرتها بالإطاحة بالحكومة الأوغندية، ويسعى جيش الرب إلى الإطاحة بنظم الرئيس الأوغندي يوري موسفيني وإقامة نظام ثيوقراطي (حكم ديني) مسيحي يتأسس على الكتاب المقدس (العهد الجديد) والوصايا العشر. وفيما اعتبر العالم جيش الرب تنظيما إرهابيا ويخوض حلف الناتو حربا ضده، إلا أنه لم تتهم المسيحية ذاتها بالإرهاب كدين سماوي.
ولا ننسى الجرائم المرتكبة ضد الهنود الحمر واضطهاد السود ومع ذلك ولم تلصق كلمة الإرهاب بأي من الديانة البوذية أو اليهودية أو المسيحية. لأنها حقيقة لا تمت لهذه الأديان بأي صلة فكل الأديان جاءت جميعها متفقة بعدم جواز قتل النفس وتحريمها صراحة.
ومن ذلك نستخلص أن الإرهاب لم يولد بعد أحداث 11 سبتمبر وليس مرتبطا بالإسلام وأن له تاريخا حافلا قبل ذلك بكثير، وبأيدٍ اختلفت أعراقها وبنفوس تباينت معتقداتها أن الإرهاب لا يزال ناشطا اليوم تتسم نشاطاته الباغية جماعات لا تمثل جوهر الأديان والمعتقدات التي تدعيها على اختلافها وتباينها، مما ينفي الاتهامات الباطلة التي تطال الدين الإسلامي الحنيف، وأن هذه الجرائم الإرهابية لا يجب أن تُربط بدين أو مذهب.
من هنا جاء مركز هداية كمركز دولي مقره أبوظبي لمكافحة التطرف العنيف ومواجهه الإرهاب وتطوير الإستراتيجيات والحلول التي تسهم في كف انتشار التطرف الذي تختلف عوامله في كل بلد. جاء مركز هداية محاربا لذلك الشر يعمل ُمن خلال شراكاته مع الحكومات ومراكز التدريب الدولية والإقليمية ومراكز البحوث والمنظمات متعددة الأطراف وخبراء مكافحة التطرف العنيف، في رسالة يحمل بريق جوهرها المعنى الحقيقي والفهم القويم لقيم يعتنقها ديننا وتتعشق بها ثقافتنا مقدمة فيه دولة الإمارات نموذجا متطورا للوسطية لتعزيز قيم الإسلام الحقيقي والمبنية على التسامح والاعتدال والسلام منتشلة الدين الإسلامي من إلصاقه عنوة وظلما بالإرهاب وهو البريء من دم ضحايا الإرهاب كبراءة الذئب من دم يوسف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة