موسم «هجرة الأثرياء» من النرويج.. ما علاقة المساواة؟
تحدث تقرير نشرته «رويترز» عن هجرة الأثرياء من النرويج بسبب الضرائب مستجدة.
روى التقرير قصة بورجر بورغنهاوغ الذي غادر إلى سويسرا، حاملاً في قلبه افتقاد أحفاده ورائحة بحر الشمال في أمسيات الصيف. وقال لرويترز إن مغادرته النرويج كانت ثمناً يراه ضرورياً للهروب من ضريبة الثروة المرتفعة -وهي ضريبة سنوية دفعت مئات المليونيرات إلى الخارج بينما دعمت واحداً من أكثر المجتمعاتِ مساواةً في العالم.
وقال بورغنهاوغ، وهو نجار سابق تحول إلى قطب عقارات، إن المناخ السياسي في النرويج أصبح أكثر عداءً لرجال الأعمال منذ مغادرته في 2022. ويعد نموذج النرويج، الذي يعود إلى عام 1892 ويتيح للمواطنين الاطلاع على إقرارات ضريبية للآخرين، مثالاً فريداً على كيفية فرض الضرائب على الأثرياء وتحقيق عائدات عامة، رغم دفع البعض للرحيل.
ضريبة شديدة التأثير
وتفرض النرويج 1% على صافي الثروة بين 1.76 و20.7 مليون كرونة، و1.1% على ما فوق ذلك، مع خصومات على المساكن الرئيسية والأسهم والعقارات التجارية. ويشمل ذلك الأصول في الخارج، فيما تُخصم الديون. مغادرة البلاد تستدعي دفع ضريبة خروج بنسبة 37.8% على المكاسب غير المحققة.
ونتيجة لذلك، تضاعف عدد المهاجرين الأثرياء: 261 شخصاً تركوا البلاد في 2022 و254 في 2023، وفق بيانات معهد Civita. وأظهرت مجلة Kapital أن 105 من أغنى 400 نرويجي يعيشون الآن في الخارج أو نقلوا ثرواتهم لأقاربهم.
ويرى مؤيدو الضريبة أنها أداة إعادة توزيع مهمة، خصوصاً بعد إلغاء ضريبة الميراث عام 2014، حيث توفر الدولة جزءاً من عائدات النفط والغاز في صندوق ثروة سيادي مع حدود سحب 3% سنوياً. وتحقق الضريبة الآن 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تركيز كبير على أغنى فئات المجتمع، دون التأثير على استثمارات الشركات أو العمالة، بحسب باحثين محليين.
معارضة حادة
لكن النقاد يحذرون من أن الضريبة تشجع الأثرياء على مغادرة البلاد، وتحد من قدرة الشركات المحلية على المنافسة. نحو 40% من المهاجرين من رجال الأعمال، ما قد يقلص الناتج المحلي بنسبة 1.3% على المدى الطويل، وفق تقديرات الباحثة كريستين بلاندول من جامعة برينستون. ويشكو مؤسسو الشركات الناشئة من دفع ضرائب على رأس المال قبل تحقيق الأرباح، مما يحد من الابتكار المحلي. وحتى الآن، لم تحذو أي دولة أخرى حذو النرويج بالكامل. ففرنسا تخلت عن ضريبة صارمة مماثلة، وبريطانيا وإيطاليا تتبني سياسات محدودة، بينما لا يزال الأثرياء يهاجرون.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن ضريبة الثروة تتطلب توازناً دقيقاً بين العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي. وكما يقول روبرت ياكونو، أستاذ بجامعة NTNU: "عدم وجود الضريبة يزيد الفوارق، ووجودها يقلل رأس المال المتاح للشركات الناشئة. السياسة بحاجة إلى تحقيق توازن."
ويقدم النموذج النرويجي دروساً واضحة حول التوازن بين المساواة والاقتصاد، لكنه يوضح أيضاً أن أي ضريبة للثروة تواجه تحديات سياسية وتجارية قوية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTA5IA== جزيرة ام اند امز