كيف يمكن إعادة بناء تحفة قوطية مثل كاتدرائية "نوتردام"؟
كما الحال مع أي بناء دمرته النيران، تكون السلامة هي الشاغل الرئيسي، وطبق السلطات الفرنسية، تم إنقاذ البنية الرئيسية وبرجيْ الجرس.
بعدما استقر الرماد في كاتدرائية "نوتردام" بقلب العاصمة الفرنسية، يمكن الآن بدء عملية الترميم الشاقة، لكن ربما تستغرق هذه العملية أعواماً أو حتى ما يتخطى عقداً من الزمن.
وبالنسبة إلى التحفة القوطية التي دام بناؤها 107 أعوام، وظلّت موجودة قروناً عدة، يمثّل الحال الراهن أحدث حلقات التطوير لبناءٍ أُعِيد تشكيله مرات كثيرة في 850 عاماً.
ومع وصول التبرعات المالية إلى 680 مليون دولار، فإن تلك الجهود السخية تُرجّح أن التمويل، الذي عادة ما يكون الجزء الصعب في أي مشروعات ترميم كبرى، ربما لن يكون من الصعب تأمينه، لكن بافتراض أنه تأمين الدعم المالي اللازم، فكيف ستُنفَّذ العملية؟
- كاتدرائية نوتردام.. 9 مشاهد في السينما العالمية تجسد قيمتها التاريخية
- "أحدب نوتردام".. رواية أيقونية تنبأت بحريق الكنيسة قبل 300 عام
السلامة أولًا
كما الحال مع أي بناء دمرته النيران، تكون السلامة هي الشاغل الرئيسي.
وطبق السلطات الفرنسية، تم إنقاذ البنية الرئيسية وبرجيْ الجرس، لكن أجزاءً من الكاتدرائية قد تكون ماتزال عرضةً لخطر الانهيار الموضعي وسقوط الحطام، حسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وقبل التمييز بين ما هو قابل للإنقاذ وما لا يمكن استرداده، هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات فورية بغية منع وقوع مزيد من الأضرار، وفق المؤرخ المعماري والمذيع جوناثان فويل، الذي قال خلال مكالمة هاتفية: "إنه بالفعل مبنى رطب بسبب المياه التي تم ضخها عليه، لذا سيحتاجون إلى تقديم نوع من التغطية".
تأمين المبنى
الأولوية الأولى للقائمين بأعمال الترميم ستكون تركيب سقف مؤقت على البناء، طبقا للمعماري جون بيرتون، حيث إن هذا من شأنه مساعدة الخبراء في تنفيذ عملية فحص دقيق للموقع، وتحديدًا، مدى أمان الهيكل.
وأوضح بيرتون أن: "البنى القوطية جميعها متعلقة بالتوازن، الدعامات الطائرة التي دعمت بدقة المبنى بأكمله قد تكون غير متوازنة الآن"، موضحاً أنه بعد حماية الأجزاء المتبقية من المبنى، ستبدأ فرق الترميم تقييم حجم الضرر، وهذه العملية قد تستغرق سنوات.
جيش من علماء الآثار
كي تتمكن السلطات الفرنسية من اتخاذ أي قرار بشأن كيفية إعادة بناء الكاتدرائية، ستحتاج إلى الإلمام بكيفية بناء كاتدرائية العصور الوسطى.
وذكر جوناثان فويل أن السقف المنهار والجزء العلوي للبناء، سيكشفان سمات تاريخ الإنشاء وربما لم تكن مفهومة، مضيفاً أن الكاتدرائية تكاد تفتقد سجلات خاصة بالمبنى.
وقال: "نعلم أن عملية التشييد بدأت عام 1163 وانتهت بحلول 1240 تقريبًا .. والأدلة على تطوّر المبنى موجودة في النسيج المادي، لذا ستكون هناك حاجة لجيش من علماء الآثار؛ بغية فهمٍ أفضل لأي أجزاء تتطلّب الإصلاح".
حرفيون مهرة
سيتعين توظيف كثير من العمال والحرفيين المهرة، بما في ذلك عمال بناء ونجارين ونحاتين؛ من أجل العمل على هذا المشروع الضخم.
وأفاد جون ديفيد، عامل بناء مخضرم لديه 45 عاماً من الخبرة، وكان مشاركاً في أعمال ترميم كاتدرائية "يورك" في بريطانيا: "سمعت مرات عدة اليوم، الناس يقولون إنه لم يعد يمكننا القيام بالأمر، ليس لدينا حرفيين لتنفيذ الأمر"، متابعاً: "لدينا كثيرون ويمكنهم تدريب آخرين".
رأى ديفيد أن هناك فرصة أمام فرنسا الآن لتدريب الجيل القادم من العمال المهرة، قائلاً "سيحتاجون مزيداً من الناس، المهمة لن تتم بسرعة كبيرة، ربما تتراوح بين 10 و20 عاماً .. إنها فرصة لتدريب الحرفيين ليس فقط من أجل كاتدرائية نوتردام لكن لصالح المباني الأخرى ومجابهة الكوارث المحتملة أيضاً".
مساء الإثنين، شاهد ديفيد اشتعال النيران في الكاتدرائية ذات الـ850 عاماً، لكنه ظل متفائلاً حيال عودة البناء لمجده السابق، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وأردف: "السقف انهار تماماً وهناك ضرر بدعاماته، وهذا ما يقلقني، لكن الباقي يمكن إصلاحه، وهناك من هو قادر على إنجاز ذلك".
وأشارت صحيفة "الجارديان" إلى وجود قلق خاص بشأن النوافذ الموردة، وهي ثلاث نوافذ مستديرة ذات زجاج ملوّن يعود تاريخها إلى القرن الـ13، وأفادت تقارير، الثلاثاء، بأنه جرى إنقاذها.
وقالت سارة براون، مديرة "يورك جليزر تراست"، استوديو متخصص في صيانة وترميم الزجاج المعشق في مدينة يورك مونستر، إنها راسلت نظرائها الفرنسيين من أجل تقديم المساعدة والدعم.
وأوضح فرانسيس مود، مدير "دونالك إنسال أسوسيتس"، الشركة الاستشارية التي كانت مسؤولة عن ترميم قلعة "وندسور" خلال الحريق الذي طالها عام 1992، أن سرعة مشروع "نوتردام" لن تعتمد على المواد المتاحة، بقدر ما ترتبط بالحرفيين المهرة.
وأكد أنه من المبكر تقدير تكلفة عملية إعادة التشييد لكنه لفت إلى خطط ترميم قصر "وستمنستر"، (3مليارات ونصف جنيه استرليني) و"نوتردام" أصغر حجماً.