التونسية آمال مختار: مواقع التواصل فرخت أقلاما زائفة في مجال الكتابة
الروائية التونسية آمال مختار تحظى أعمالها باهتمام نقدي لأنها تسلط الضوء على العنف ضد المرأة
انتقدت الروائية التونسية آمال مختار، ما أسمته بـ"الفوضى التي أضافتها وسائل التواصل الاجتماعي" التي ذكت الشائعات والنميمة والعنف اللفظي وفرخت أقلاما زائفة في مجال النشر والكتابة.
وأشارت "مختار" لـ"العين الإخبارية" الى أنها مدينة في تحققها الأدبي لصراحة الروائي والناشر اللبناني الشهير سهيل إدريس، معتبرة أن اعمالها الأدبية من أولى الروايات التونسية التي طرحت موضوع العنف ضد المرأة بعد أن ظلت لفترة من الموضوعات المسكوت عنها.
ونالت أعمال آمال مختار اهتماما نقديا بارزا منذ حصولها على جائزة القصة القصيرة في مهرجان الأدباء الشبان لعام 1986، وتواصل الاهتمام بها بفضل تنامي مسيرتها مع الجوائز عقب حصولها على الجائزة الأولى للقصة القصيرة لمسابقة الطاهر الحداد لعام 1988، ثم جائزة الإبداع الأدبي لوزارة الثقافة التونسية لسنة 1994 عن رواية "نخب الحياة".
كما حصلت على جائزة لجنة التحكيم لمسابقة الرواية التونسية "الكومار الذهبي" عن رواية "المايسترو" لعام 2006، وأثارت روايتها "الكرسي الهزاز" ضجة كبيرة لأنها سلطت الضوء على العنف ضد المرأة, و بدا واضحا أن الهاجس الرئيسي في أعمالها هو التحرّر، وهنا نص الحوار:
صدر عملك الأول في بيروت عن أعرق دار نشر عربية هي "دار الآداب", وتلك بداية قوية بالطبع، حدثينا عن تلك البداية.
كنت منغمسة في عملي الصحفي مطلع التسعينيات كأول صحفية مختصة في المجال الثقافي في الصحافة المكتوبة، ورتب القدر لي سيناريو بدايتي كروائية، حيث أجريت لقاء صحفيا مع الدكتور سهيل إدريس صاحب دار الآداب للنشر, وصاحب مجلة الآداب الشهيرة.
اقترحت عليه بعد الحوار أن ينشر لي قصة في مجلته, فوافق، وعندما قدمت له القصة, وكان عنوانها "عيد ميلاد", قال لي بعد أن أطلع عليها إنها قصة تافهة لا تليق بمجلته العريقة، وبقدر ما أعجبتني صراحته بقدر ما كرهته, لأنه قتل في أعماقي بذرة حلم الكتابة, خاصة وأنني شاركت في بعض مسابقات القصة القصيرة في تونس وحصلت على جوائز، وبعد حديثه بقيت عاجزة عن الكتابة لفترة.
بعد عامين التقيته مرة أخرى في الدار البيضاء بحضور السيدة عايدة إدريس زوجته، وسألني عن الكتابة وأصر على الاطلاع على ما كنت بصدد كتابته لكنني رفضت بشدة وانتهى الجدال بأن اطلع على ما كنت أكتب وكان مجرد نص شخصي لا نية فيه للنشر، وفجأة صرخ وهو يتقدم في القراءة وقال بفرح وبلهجته اللبنانية: "هيدي رواية حقيقية".
بعد أخذ ورد وملاحقة منه امتدت لأشهر أتممت النص وقدمته له بعنوان "تلك الليلة", غير أنه اقترح علي تغيير العنوان إلى "نخب الحياة"، وهكذا ولدت هذه الرواية صغيرة الحجم كبيرة باعتبارها أول رواية تونسية تنشر في دار الآداب.
حدثت حول الرواية ضجة عند صدورها في مستهل عام1993 بسبب جرأة البطلة سوسن بن عبدالله التي عاشت تجربة وجودية زاخرة بين تونس وبون، وقال شيخ النقاد في تونس الدكتور توفيق بكار إن هذه الرواية أحدثت منعرجا حقيقيا في مسيرة السرد الروائي التونسي، ولاتزال حية تتنفس بفضل الكم الهائل من الرسائل الجامعية حولها.
كيف تلخصين المشهد الأدبي اليوم وألا تعتقدين أن السنوات الأخيرة دمرت الكثير من نبل الثقافة؟
لم يكن المشهد الثقافي التونسي بخير قبل سنوات، وكذلك المشهد العربي عموما، إذ كان المشهد قبل سنوات يعاني من ضغط الرقابة الدينية من جهة، حتى وإن كان بنسبة قليلة، ومن الرقابة السياسية من جهة أخرى، لكن بنسبة كبيرة وباعتبار أن تونس كما غيرها من الدول العربية كانت تعيش استقرارا سياسيا مع قليل من حرية التعبير والفكر.
وعندما قامت أحداث 2011 وقعنا جميعنا في فخ الابتهاج واعتقدنا أن ما حدث ثورات حقيقية, غير أن شجرة الأمل أسقطت قبل أن تتفتح خاصة بعد أن سالت الدماء في بلدان عديدة وحلت الفوضى بدل الاستقرار ودفعتنا المؤامرة الغربية الإمبريالية بتواطؤ وخيانة من بعض الدويلات العربية وبعض خونة الأوطان إلى الترحم على الزمن المنتهي لأننا بتنا في وضع كارثي.
وماذا عن تونس الآن؟
يحسدنا العالم في تونس على ديمقراطيتنا الناشئة، ولكننا في الداخل كمواطنين نعاني من كوارث الفساد السياسي والاقتصادي والفقر والبطالة والتضخم وغلاء المعيشة، وهذه حرب باردة في صراعنا مع الإخوان الذين تمكنوا من مفاصل الدولة والحكم وعاثوا بدولة القوانين والمؤسسات وأعادوا تونس إلى ما قبل الاستقلال في عملية انتقام ممنهجة ضد مؤسس هذه الدولة الزعيم بورقيبة وشعبه الذي أقصى الإخوان وقبل بمقومات الحداثة التي تأسست على التعليم والصحة وحرية المرأة.
والمشهد الثقافي التونسي ليس أمامه إلا أن يكون مرآة عاكسة لهذا الواقع المرير، أضف إلي ذلك الفوضى التي أضافتها وسائل التواصل الاجتماعي التي أذكت الإشاعة والنميمة والعنف اللفظي وفرخت أقلاما زائفة في مجال النشر والكتابة، فأصبح لدينا آلاف الشعراء والروائيين والمحللين والصحفيين والمفكرين وآلاف المنشورات والمهرجانات، رغم اعتقادي أن هذه الموجة العالية من الفوضى العارمة وعير الخلاقة ستأخذ زمنا حتى تنكسر.
حدثينا عن الزاوية التي تتناولها رواية الكرسي الهزاز وتطرقها إلى "رمزية الجسد" وإجبار المرأة على الصمت والخنوع.
في الرواية تواجه البطلة التونسية عاهات مجتمع التسعينيات من القرن الماضي، الذي لا يزال يعاني من ثقل تراكمات العادات والتقاليد التي تجبر المرأة على الصمت والكتمان مهما تكن خطورة وضعها الجسدي أو النفسية، لتكون بذلك ضحية لهذه العادات الاجتماعية القاتلة.
الجميع اعتبر هذه الرواية الصرخة الكبرى في وجه مجتمع تحرر في شكله الخارجي وبقي من الداخل محكوما بقانون الأعراف، وعندما نشرت لم يتقبل الرقيب سماعها كصرخة واحتجزها لمدة 6 سنوات إلى أن أفرج عنها سنة 2008 ووزعت، وهي من أوائل الروايات التونسية التي طرحت هذه التيمات الخطيرة التي تعد من المسكوت عنه.
تميلين إلى انتقاد وضع المرأة الشرقية وترصدين القمع والازدواجية التي تحياها المرأة العربية حتى إن بعض رواياتك يحمل رمزاً مباشراً لذلك عبر عناوينها، ما تفسيرك لهذا التوجه النسوي؟
لا أرى في ذلك توجها نسويا بقدر ما أرى فيه تمسكا بطرح أخطر وأهم قضية تعاني منها المجتمعات العربية المسلمة، ذلك أن كل المشكلات التي تعاني منها هذه المجتمعات تعود في أساسها أو منبعها إلى المرأة، فإن أنت قمت بتعليم المرأة وجعلها تكتشف أهمية دورها في المجتمع ككائن فاعل, فهذا المجتمع سيتغير بالتأكيد جيلا بعد جيل نحو الأفضل، وهذا الأفضل يتمثل في مجتمع متعلم ومثقف وديمقراطي ومنتج وفاعل.
في بعض رواياتك هناك حضور قوي لجدلية الشرق والغرب على مستوى الهوية والثقافة والشخصية، فهل تؤمنين حقاً بهذه الثنائية، وتحديداً على المستويين الأدبي والثقافي؟
في رأيي لا يزال الغرب يتفوق علينا بإنسانيته التي عجزنا عن تحقيقها في بلداننا العربية لأننا لم ننجح في فصل إنجاز قضايا عديدة، لذلك سيظل الغرب وجهتنا وستظل علاقتنا معه تيمة صالحة دوما للطرح في الأعمال الروائية.
بعض الكتاب يستلهم الواقع لرسم شخصياته، وبعضهم الآخر يستمدها من خزينه الشخصي مؤلفاً نماذج مركبّة هي خليط من حكايات الآخرين، ما مصدر شخصيات روايتك؟
شخصيات رواياتي خليط بين الواقع والخيال، هي شخصيات تنبت في ذهني مرة من خلال الواقع ويلبسها الخيال الكثير من التفاصيل الضرورية لأداء الدور الذي أختاره لها في نسيج الرواية أو الحكاية السردية التي أنا بصددها، وفي أحيان أخرى يصنع الخيال الشخصية وتكون الإضافات من الواقع من خلال شخصيات صادفتها في حياتي ووجدت تماهيا ببنها وبين الشخصية التي تخيلتها.
aXA6IDMuMTM2LjIyLjIwNCA= جزيرة ام اند امز