الروائية المغربية زهرة عز لـ"العين الإخبارية": لا أكتب بدافع أنثوي
الأديبة المغربية زهرة عز تكشف وجهة نظرها في الأدب العربي المعاصر والصراع بين الرجل والمرأة ومساحة المرأة على خريطة الأدب العربي.
تعبر الأديبة المغربية زهرة عز في أعمالها عن معاناة المرأة، وتكشف عبر قصص مجموعتها "مرآة خبز وقمر" عن الصراع بين الرجل والمرأة، فيما يسعى كلا الطرفين للتعبير عن ذاته، منطلقة في ذلك من الواقع وحكاياته.
وفي حوارها مع "العين الإخبارية" تكشف الأديبة زهرة عز عن خفايا هذا الصراع، ودوافعها للكتابة، ورؤيتها لتعبير الأدب العربي المعاصر عن علاقة الرجل بالمرأة، والمساحة التي تشغلها المرأة على خريطة الأدب العربي، وإلى نص الوار.
كل كاتب لديه همّ عام ينطلق منه، ماذا عن هموم زهرة عز التي تدفعها للكتابة؟
بالنسبة إلى المبدع يصعب تمييز الهم العام عن الهم الخاص، ذلك أنه كائن شديد الاندماج والحساسية، فكل ما يؤثر في العام يؤثر فيه كذات، وهو ما يجعل ذات الكاتب والمبدع والفنان عموما ذاتا اجتماعية مخترقة بكل ما يؤثر في المجتمع.
زهرة عز ككاتبة تجد صعوبة في تمييز ذاتها الخاصة ومشاعرها الخاصة عن ذات المجتمع ومشاعره، ولذلك فالكتابة بالنسبة لي هي كتابة الذات الجماعية، التي من دون شك تحضر فيها ذاتي بشكل أو بآخر، أو لنقل إنني أكتب ذاتي في ذات المجتمع.
رؤيتي للعالم والأشياء هي نتاج تلاحم ذاتي وذات المجتمع والعالم، فالحدود بينهما تكاد تكون غير مرئية، ولهذا فما يمكن وصفه بالهم العام، يندرج إبداعيا ضمن ما يسمى الرؤية، أو نظرة المبدع للعام، التي تحدد ما كان يطلق عليه الالتزام عن التعبير الطبقي، الذي ليس صورة من الصور المتعددة لهوية الكاتبة، أي الهوية التي تحضر في كتاباتي كنتاج لتداخل الخاص والعام، الفردي والجماعي، المحلي والكوني، ضمن مساحة تفصل الصراع والاختلاف والتعدد.
إن الكاتب بالنسبة لي هو الضمير الجمعي، وغايتي من كتابة القصة أو الرواية هي إنتاج معرفة بالواقع الاجتماعي، والتأريخ لذاكرة المجتمع المعاشة، بهدف الإسهام في بناء متخيل جمعي جديد أكثر إنصافا وحداثة وحضارة.
قصصك في مجموعة "مرآة خبز وقمر" تعبر عن الواقع العربي، إلى أي مدى يمتزج الواقع بالخيال في نصوصك القصصية؟
مجموعتي "مرآة خبز وقمر" تلامس الواقع من خلال قضايا اجتماعية وتاريخية يتم "ترهينها"، أي خلق سياق واقعي يتقاطع مع القضايا الإنسانية الراهنة، طبعا هي بمذاق مغربي، لكنك لا يمكن أن تكون كونيا إلا بخصوصيتك المحلية الإنسانية.
في بناء الحكاية يعد تاريخ الأدب هو تاريخ صراع بين الواقع والمثالي، الواقع الكائن والمثالي الممكن، صراع الوجود بين قيم الخير والشر، الجمال والقبح، وهنا يمكن اعتبار مشمول التيمات والقضايا التي أعالجها في نصوصي، عابرة للمجتمعات العربية التي تتوحد في الكثير من النقاط المشتركة، والتي لا تنفصل عن البؤس والحرمان والاستبعاد الاجتماعي.
لهذا فالخيال كبنية محددة لطبيعة نصوصي، هو ما يضمن أن تقرأ هذه النصوص في مختلف البيئات والجغرافيات، وكأنها كتبت عنها جميعا، فالمصري يجد ذاته في نصوصي، مثلما يجد ذلك الجزائري والمغربي والتونسي وهكذا، والخيال بقصصي يستند إلى هذه الثنائية الواردة بين الواقعي والمتخيل، بين الراهن والمثالي.
ومن هنا فالكتابة السردية في تجربتي تجسد هذا الصراع بين الواقع والحلم، كتاباتي يمكن تلخيصها في التداخل والتجاور والتمازج بين مستويين من الحكي، حكي يعتمد على تقنية المرآة، فالسرد هو انعكاس مباشر للواقع الاجتماعي، ومستوى من السرد الحلمي يعتمد على لغة مجازية واستعارات ورموز شعرية تخترق السرد الواقعي المباشر، وتعيد كتابته بلغة الرمز وشفافية التعبير الشعري، فتعتمد نصوصي بالمجموعة القصصية على لغة تخيلية تمد الجسور بين السرد والشعر، خاصة على مستوى لغة الوصف، كما أن الحلم بالنسبة لي هو اللغة الثانية للواقع، لذلك فهو الرافد الأساسي وسماد كتاباتي للرواية والقصة على حد سواء.
نصوصي ليست بالضرورة أثرا أدبيا، قد تكون أحداثا ومواقف عشناها أو شهدناها وسكنت في اللا وعي لدينا، لذلك فالكتابة معقدة، ومن ثم قابلة للانفجار الدلالي الذي يجعل القراءة نفسها كتابة ثانية للنص المقروء، ومن هنا ليس من السهل وضع حواجز بين الخيال والواقع، ولذلك فمجموعتي القصصية، مثلما هو الحال بالنسبة لباقي مجموعاتي القصصية السابقة، هي إبداع تخيلي، لكنها ملزمة بصدق فني تجاه واقعها وتاريخ أحداثها.
حضور المرأة قوي في كتاباتك سواء قصصك أو روايتك "سرير الألم"، هل تكتبين أحيانا بدوافع أنثوية؟
أنا مبدعة أكتب خارج التصنيفات الجنسية البلهاء، بكل ما تضمره من حدود أيديولوجية مختلقة ضدا على التكامل الإنساني والصفاء الوجودي، لذلك فهي كتابات تتضمن السياسي والأيديولوجي، ولكن في الوقت نفسه تتجاوزهما إلى ما يمكن أن أسميه ما بعد السياسة وما بعد الأيديولوجيا، فحين أكتب أكون أنا بغض النظر عني كأنثى.
لكن رواية "سرير الألم" فعلا تعطيك انطباعا بأنها كتبت بمذاق أنثوي، والحقيقة أنني لا يمكنني أن أتبرأ من جنسي وأنا أدرى بمعاناته، لذلك من ضمن الأساسيات في كتاباتي انخراطي في سؤال المرأة في الواقع الاجتماعي، ربما لأن درجة العنف التي تتعرض لها المرأة أقوى، ولأنها الحلقة الأضعف، لكن دون تحيز، طالما أن المعاناة في النهاية هي معاناة الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى.
أما التمييز رجل/ امرأة، فهو بناء ثقافي وليس معطى طبيعيا وبيولوجيا، لكن في "سرير الألم"، ربما كان التركيز على معاناة المرأة نظرا لطبيعة المتن الحكائي، ولرد الاعتبار للمرأة التي تعاني ربما أكثر من الرجل في المجتمعات العربية، لذلك اهتمامي بها هو نوع من الالتزام تجاه قضايا المرأة عموما.
في روايتك "سرير الألم" هناك صراع ذكوري أنثوي، هل تعبيرك عن هذا الصراع يكمن في الإحساس بالقهر في مجتمع ينحاز للرجل؟
"سرير الألم" رواية إنسانية بالدرجة الأولى، والصراع بين الرجل والمرأة هو صراع خفي سيكولوجي، لم يرق إلى درجة الصراع من أجل التغيير، أو لنقل صراحة إنه صراع مزيف، لم يصل لمرحلة النضح بخلفيات ومرجعيات الصراع الطبقي الذي يكون ضحيته المرأة والرجل معا في حالة الضعف والفقر والتهميش.
لهذا لم يكن هدفي تتبع خيوط الصراع الوهمي، بل تعرية واقع الظلم الذي تتحمل فيه المرأة نفسها المسؤولية، برفضها التغيير والركون لواقع مزيف يؤمن لها أمانا مؤقتا تحت سلطة الرجل.
"سرير الألم" لا تختزل قضية المرأة في الصراع الذكوري الأنثوي، فكلاهما ضحايا وضع اجتماعي تشوبه قيم تهدر حقهما وكرامتهما معا، فهما ضحايا فساد وأيديولوجيات استبدادية، والقمع الذي يأخذ مستويات عديدة في تجلياته المادية والرمزية، هو قمع يهضم كل الحدود ويتخذ منها آليات لتكريس الاستبعاد والهيمنة.
هل هناك شخصيات نسائية في أعمالك مستلهمة من الواقع، أو كان لها وجود فيه؟
شخصياتي من ورق، لكنها متجذرة في الذاكرة التي تملؤها لحما وعظما، وتمنحها عواطفها وأفكارها، وكل شخصية هي جزء من التكوين والهوية الاجتماعية، كما أن الشخصية بالنسبة للكاتب هي الأنا الثانية التي من خلالها يتواصل مع القارئ، ونساء نصوصي هن بقايا أثر لنساء نراهن كل يوم، في السوق، في البادية، في المدينة، قد أستدعيهن من عالم الطفولة أو من الذاكرة أو من الخيال، لكنهن يصرن حيات، فاعلات، وينتقلن من شخصيات ورقية إلى حالات إنسانية، وأحاول قدر ما أستطيع سرديا أن أجعلهن أكثر واقعية، وأكثر خيالا أيضا، حتى لا نغرق القارئ في بؤس الواقع المعاش.
هل ترين أن الأدب العربي المعاصر عبر عن معاناة المرأة بشكل جاد؟
لا يمكن للأدب إلا أن يكون جزءا من التحولات العامة في الوطن العربي، فهذا الأخير ظل إبداعيا رهين قضايا أولية، قومية وتحررية، وكان موضوع المرأة ترفا فكريا، وموضوعا نخبويا في نهاية المطاف، أو لنقل ظل موضوعا لم يتخذ طابعا استعجاليا لأهميته، خاصة أنه لا يمكن الحديث عن التحرر والتقدم والرقي إلا إذا كانت للمرأة مكانتها التي تستحقها باعتبارها نصف المجتمع، والضامن لرقيه وتمدنه.
مؤخرا انتعشت قضايا المرأة إبداعيا، واتخذت طابعا احتجاجيا، وكشف بالشعارات وغيرها، كما بالكتابات والإبداع عموما، عن حجم المعاناة التي تعانيها المرأة العربية مهما كان انتماؤها الطبقي أو الاجتماعي أو الثقافي، طالما هناك الهيمنة الذكورية التي تتخذ من الفحولة المتخيلة آلية أيديولوجية لتكريس الاستبعاد والظلم المسلط عليها.
إن تاريخ المجتمع العربي والمغاربي هو تاريخ المنعطفات والأزمات والأسئلة الصعبة والتفكك، لذلك لا يمكننا أن نرقص فوق الهزائم والانتكاسات، ولهذا أرى أن الأدب في العالم الثالث عموما، ومنه طبعا عالمنا العربي يجب أن يكون أدب المواقف الملتزمة تجاه قضايا الشعوب، وعلى رأس هذه القضايا، تأتي قضية المرأة، لأنه لا يمكن تصور تقدم ورقي ومدنية في ظل استبعاد واستعباد النساء.
كيف ترين واقع الإبداع النسائي في العالم العربي؟
ما يمنح الإبداع النسائي مكانته هو النبش في الهامش الاجتماعي، وفي الممنوع، وهذا لا يتم إلا في مناخ ثقافي تسود فيه حرية التعبير، كما هو الحال في الغرب، لكن أن الأمر مختلف عندنا، ففي عالمنا العربي الكتابة النسائية لها تميزها واختلافها، وهذا صحيح، لكنها ما زالت مقموعة، وقد حققت الكاتبات العربيات تراكما مميزا في مجال الكتابة الأدبية بشكل عام، وأيضا في إغناء الأدب بموضوعات نسائية، ومكمن الأهمية لا يمكن حصره في إطار موضوع المرأة بل أيضا في الإسهام الجمالي، لأنها كتابات صادرة عن ذوات نسائية لها رؤية خاصة، واستطعنا عبر ذلك مراوغة القيد والاستبعاد بلغة ذكية تحمل في طياتها عنصر الاحتجاج والنقد، بما يجعل نصوصهن ممتلئة بالحياة.
الروائية الصومالية زهرة مرسل: الأدب يعكس الواقع بشكل كئيب
عموما المرأة العربية الكاتبة حاضرة بقوة في المشهد الثقافي من خلال أشكال تعبيرية متعددة سواء عبر الشعر، أو القصة، أو الرواية، أو المسرح، لذلك تحظى بمتابعة تقدير، خاصة أنها استطاعت أن تكسر جدار الصمت بشأن مجموعة من القضايا التي كانت توضع في خانة المسكوت عنه، وتبقى المرأة الأديبة أكثر إصغاء إلى صوت المرأة ، فهي تشخص على وجه كامل قضية المرأة والمكانة التي تستحق، بينما الكتابة من زاوية الرجل غالبا ما تكون مقيدة إلى نظرة ذكورية سائدة في المجتمع، فيما الإبداع النسائي هو محاولة لإسماع صوت المرأة من داخل تجربتها الخالصة.