"النائمون السبعة".. أصحاب الكهف في نسخة تونسية
سكان قرية "شنني" بأقصى الجنوب التونسي يعتقدون أن قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم حدثت في قريتهم.
كهف محفور في عمق جبل بقرية "شنني" بأقصى الجنوب التونسي، يعلوه مسجد مطلي بصومعة قصيرة مائلة باتجاه القبلة، مطلي بلون أبيض بات يميل للإصفرار بفعل أشعة الشمس.
هناك، وحول ذلك المسجد الصغير، تمتد قبور يصل طول البعض منها 4 أمتار، ويعتقد سكان القرية الجبلية الواقعة على بعد نحو 20 كم من مركز محافظة تطاوين، أن قصة أهل الكهف المذكورة في القرآن الكريم حدثت في قريتهم.
"أهل الكهف".. النسخة التونسية
حين تتملك زوار تونس الرغبة في سبر أغوار جزء مهم من البلاد، فمن المؤكد أنهم لا يفوتون على أنفسهم زيارة قرية "شنني" المنتصبة بشموخ وهدوء في أعالي جبال المنطقة التابعة لسلسلة جبال الأطلس الممتدة وصولا إلى المغرب.
ففي تلك القرية التي بناها الأمازيغ، والتي تبدو صامدة بوجه زحف التمدن، تتوقف عقارب الساعة لتسجل تاريخا انسانيا فريدا من نوعه، يجمع بين الرواية التاريخية الموثقة وبين الأساطير المتداولة، والتي تستلهم تفاصيلها من وقائع حقيقية.
حين دخلت مراسلة "بوابة العين" القرية، لم يكن من الصعب أن تهتدي إلى المكان الذي يرقد فيه "الرقود السبع" كما يصطلح على تسميتهم هناك، أو "النائمون السبعة"، إن صحت الترجمة إلى الفصحى، ففي ابتسامة السكان، ارتسمت خارطة المكان بكل وضوح.
وبسرعة من تعود على السواح من داخل البلاد وخارجها، بدأ أحد السكان، والذي بدا من الواضح، أن كثرة تكراره للقصة نفسها، أكسبه حذقا كبيرا في سردها، بل إن طريقته في ذلك، وإضافاته الممتعة، علاوة على لباسه الذي بدا في الخط الفاصل بين الأمازيغ والطوارق، منحت الحكاية رونقا إضافيا جعلها تبدو كفيلم وثائقي قصير ينساب أمام عيني المستمع.
ففي القرية، توارث سكانها عبر الأجيال اعتقاد شعبي متجذر مفاده أن 7 من المؤمنين الصالحين، هربوا، قبل آلاف السنين، من ظلم حاكم مملكة "دوقيانوس"، وهي مملكة لاتزال حتى الآن آثارها قائمة بالمنطقة.
وبهروبهم خوفا من بطش الملك الذي اكتشف إيمانهم وتوحيدهم بالله، كان لابد أن يبحثوا عن مكان لا تطالهم فيه أيدي وأعين الملك، فكان أن لجؤوا إلى "غار" (كهف)، حيث ناموا لمدة 309 أعوام، قبل أن يستيقظوا ويجدوا أنفسهم غرباء في عالم جديد ومختلف تماما، قبل أن يأمر ملك العصر الذي استيقظوا فيه ببناء مسجد على الكهف الذي اختبأ فيه الصالحون.
قصة شيقة يحفظها جميع سكان القرية ظهرا عن قلب، ويروونها بلغتهم الأمازيغية الأصلية، أو بعربية بلكنة مختلفة شيئا ما عن باقي سكان المحافظة، ويحرصون على تداولها عبر الأجيال، في رصيد حضاري يستثمرونه في تربية أطفالهم على قيم العدل والإيمان.
في صميم الثقافة الأمازيغية
أضرحة تمتد على مساحة نحو 200 متر مربع، تحيط بمسجد صغير بصومعة بنيت وفق الميزات الثقافية الأمازيغية. وفي الناحية الخلفية للمسجد يقع الغار الذي يعتقد أن الصالحين اختبؤوا فيه، وهذا الغار مغلق بحجر عملاق منذ آلاف السنين، كما يقول محمد الشنني، أحد شباب المنطقة لـ "بوابة العين"..
ووفق محمد، فإن سكان القرية على قناعة تامة بأن عدد أهل الكهف غير معلوم، تماما كما ورد في القرآن الكريم، وما يدعم قناعتهم تلك هو أن المقام يتضمن جملة من الخصائص أو العلامات المتوافقة مع ما ورد بالقرآن الكريم حول قصة أهل الكهف.
ومن بين تلك الخصائص، يوضح محمد أن الشمس تميل عن فتحة الغار عند مشرقها ولا تصيبه عند غروبها، أي تماما كما ذكر القرآن الكريم من أن الشمس "تزاور" يوميا عن فتحة الغار عن اليمين في الشروق، وتقرضه ذات الشمال إذا ما غربت، ما يمنح اليقين بأن أهل الكهف موجودون في شنني التونسية وليس في الأردن أو تركيا أو اليمن كما يعتقد للكثيرون، على حد قول محمد.
شنني.. قرية الأمازيغ تتحدى الزمن
تعود أقدم مباني القرية إلى القرن الثاني عشر، وقد بنيت على 3 مستويات في الجبال، وتعلوها قلعة فقدت الكثير من أجزائها بفعل الزمن حتى باتت وكأنها حصن ينتصب بهيبة عجز الزمن عن سلبها للمكان.
قرية تتحدى الزمن بما تبقى فيها من مبان أمازيغية قديمة، وبما تبقى من أبنائها الذين قرروا التمسك بتلك المنازل البسيطة المتناثرة في كل شبر منها، رغم إغراءات المدن، وقساوة المناخ الجبلي القاحل هناك.
ففي ذلك المكان، تتقاطع ملاحم تاريخ المنطقة في رمشة عين، لترسم الخط الزمني لتعاقب الوجود البشري المتكون من السكان الأصليين، وهم الأمازيغ أو البربر، والعرب الذين جاؤوا بعد ذلك، لتتلاقح الحضارات وتمتزج لتفرز هذا التنوع الحضاري اللافت بالجنوب التونسي.
بساطة تمنح لهؤلاء السكان خصوصية نادرة أتى عليها تسونامي العولمة في بقية المدن، فهم في كل ذلك الاكتظاظ الطاغي على العالم، يتحكمون في مسار الأيام على طريقتهم، غير عابئين بانسيابها ولا بتعقيدها، محتفظين بتلك الابتسامة كلما التقوا زائرا يدركون بخبرة التجربة أنه غريب عن القرية، لينصبوا أنفسهم دليلا يقود مباشرة نحو تلك القبور الممتدة، وهناك، تبدأ القصة من جديد، بنفس تفاصيلها، والأهم بنفس ذلك الحماس الذي لا ينضب.