الروائي المصري أحمد الفخراني: الصراع الحقيقي للكاتب يكون مع نفسه
الفخراني يوقع، الإثنين، أولى طبعات روايته الجديدة "بياصة الشوام" بالقاهرة، وهي روايته الرابعة، وقد نال جائزة ساويرس للشباب قبل 3 أعوام.
أكد الروائي المصري الشاب أحمد الفخراني أن الكاتب يخوض صراعا مع نفسه قبل الآخرين، لا مع الظلال أو الشهرة أو المعاصرين له، معربا عن اعتقاده الجازم بأن تلك الحالة لن تصمد طويلا ولن يبقى في النهاية سوى الموهوبين.
يوقع الفخراني، الإثنين، أولى طبعات روايته الجديدة "بياصة الشوام" بمقر دار العين بالقاهرة، وهي روايته الرابعة، وقد نال جائزة ساويرس للشباب في مصر قبل 3 أعوام.
وتدور الرواية حول سيرة متخيلة لعصابات تحكم قاع المدينة بشكل فانتازي.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" بمناسبة طرح روايته، أشار إلى أنه استفاد في مشروعه الأدبي من عمله في صحافة التحقيقات الاجتماعية قبل أن يتفرغ للأدب، وقبل روايته الأخيرة أصدر عدة أعمال أدبية مهمة منها "عائلة جادو"، "سيرة سيد الباشا"، "ماندرولا"، وإلى نص الحوار.
هل يمكن القول إن "بياصة الشوام" تعيد الاعتبار للإسكندرية، مدينتك الأصلية، بعد سنوات من سيطرة القاهرة على مخيلتك الأدبية؟
في المحاولات الأولى لكتابة الرواية لم يكن المكان في الإسكندرية، لكنها لم تستقم إلا بعد الاستقرار على أن يكون مسرح الأحداث هو منطقة في حي العطارين، وتعبيرك عن سيطرة القاهرة على مخيلتي الأدبية صحيح نوعا؛ لأن استقلال حياتي الحقيقي بدأ مع نزولي القاهرة عام 2006، وكانت ميلادا ثانيا مسؤولية حياتي فيه تقع على عاتقي وحدي.
ظلت الإسكندرية في خلفية وعيي كمسرح للطفولة والبدايات، مثلا، الصور المتلاحقة لمدينة كالقاهرة، كانت ملهمة لي أكثر من إيقاع الإسكندرية، لكن قبل كتابة بياصة الشوام، كنت أمر بحالة ارتباك كبيرة خاصة بأسئلة الفن، ربما اختيار مدينة نشأتي للكتابة عنها أخيرا كان اختيارا نفسيا لتشابه الصراعات التي خاضها سعيد بطل الرواية فيما يخص أسئلة الفن مع الأسئلة التي كنت أخوضها، وربما لهذا كان علي أن أعود إلى جذوري، حيث يمكن أن أطرح الأسئلة على نفسي مرة أخرى، من صفر البداية: ماذا أريد؟ أي غول أواجه؟ هل يوجد مخرج؟
سبق لك وتناولت منطقة "بياصة الشوام" في كتابات صحفية، فإلى أي مدى استفدت من خلفيتك الصحفية في مسيرتك الأدبية عموما؟
استفدت بشكل عام من مسيرتي الصحفية، لكن أهم استفادة حدثت كانت إشباع رغبتي بالسفر إلى أكثر من مدينة، بالمقابلات الشخصية، بالوجوه، بتجميع الحكايات، أول موضوعات صحفية نشرتها، وكانت بدعم صحفية كبيرة هي كريمة كمال.
كان ما أنجزته عبارة عن بورتريهات لمن هزمتهم المدينة، تقوم على رؤية عدد كبير من الوجوه والأنماط المختلفة، ودخول ما أستطيعه من التجارب، قبل أن أقرر أخيرا الاستقرار والتفرغ للكتابة، أكبر استفادة حققتها، ما زالت الفترة التي عملت فيها بالصحافة، بالإضافة لفترة الجامعة وسنوات الطفولة، هي روافدي ومخزوني الذي أشكل منه عوالمي الروائية.
-
هل تنظر خلفك بغضب للسنوات التي استهلكك فيها العمل الصحفي وقررت التفرغ للأدب حاليا؟
صرت متصالحا مع تلك الفترة، ما أندم عليه فقط هو الأوقات التي استهلكني فيها العمل الصحفي بعيدا عن القراءة وعملية التفكير في الكتابة وأسئلتها، أقرأ بنهم لتعويض تلك الفترة، كنت أنجح بسهولة في الصحافة، في أي مكان أعمل به، حتى إن آخر عرض تلقيته للعمل كان مدير تحرير لأحد المواقع براتب يصل إلى 30 ألف جنيه شهريا، وهو رقم جيد، بل خيالي في مهنتنا خلال تلك الفترة، لكني رفضته بسبب توقفي عند سؤال: ماذا أريد؟ النجاح الصحفي في النهاية لم يكن ليسعدني، مهما حققت فيه، عندما جئت للقاهرة للمرة الأولى لم تكن أحلامي أن أصير صحفيا معروفا، بل أن أكون أديبا يعمل بالصحافة من زاوية أنها المهنة الأقرب للكتابة.
لكن ألا يحظى الأديب حين يكون محررا ثقافيا كما في حالتك بمجاملة واسعة من زملائه المحررين؟
لا أظن ما تقوله ينطبق علي، تركت الصحافة منذ عام 2014، أي قبل 5 سنوات من الآن، ولم تكن قد صدرت لي سوى رواية واحدة، كما أنني لم أعمل محرر ثقافة إلا في حالات شديدة الندرة، حتى في أخبار الأدب اخترت كتابة تحقيقات صحفية عن الأماكن.
بعد ديوان شعر ومجموعة قصصية صدرت لك أربع روايات، هل قررت الرهان على الحصان الرابح الذي يضمن الشهرة والجوائز بما أننا في عصر الرواية؟
لا أفكر في الكتابة أبدا بمثل هذا المنطق المعوج، أنا أحب الكتابة فعلا، محبة صافية من الغرض، سوى تحقيق فعل الكتابة نفسه، كتبت الشعر عندما كنت أملكه، وتوقفت عندما فقدته، فأنا لا أخدع نفسي، وكتبت الرواية عندما شعرت باستعدادي لها، وأؤمن بقدرتها على استيعاب ما أملكه من مهارات أو معرفة بالأشكال الأخرى كالشعر والقصة والبورتريه والتدوين والصحافة وأشكال الكتابة المختلفة، كل ما يحيط بالكتابة من ظلال وإغراءات والجوائز والشهرة لا يصنع حقيقتي ككاتب.
لن أتوقف عن الكتابة مثلا إن لم أفز بجوائز، سواء نجحت أو فشلت، سأصحو يوميا لأكتب، أفكر 24 ساعة في الكتابة، هذا ينبع من منطقة أخرى أبعد من كل هذا الهراء المحيط بالأدب، الذي لا أبحث به عن وجاهة اجتماعية ما أو مقعد فوق طاولة جلسة مسائية على بار أو مقهى أو دعوة إلى مؤتمر ، إن كان ما أكتبه جيدا فسيحظى في النهاية بما يستحقه.
الصراع الحقيقي للكاتب يكون مع نفسه وأشباح أسلافه، لا مع الظلال أو الشهرة أو المعاصرين له، فالأعمى لا يقود الأعمى إلا إلى حفرة، هذا الصراع يتطلب جهدا جبارا، لا مكان فيه أو وقت للزائل والتافه من الطموح، بل الالتزام والدأب.
aXA6IDMuMTMzLjEzNy4xMCA=
جزيرة ام اند امز