"سماسرة الظل".. تفاصيل الاختراق الذي زلزل استخبارات أمريكا
اختراق "سماسرة الظل" لوكالة الأمن القومي لم يهز فقط الاستخبارات الأمريكية حتى صميمها بل إن عواقبه طالت الملايين حول العالم.
سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على الزلزال الذي شهدته وكالة الأمن القومي الأمريكية بعد اختراقها من قبل مجموعة من القراصنة، ما أدى إلى تسريب أسلحة إلكترونية متطورة وتدمير الروح المعنوية للعاملين وإبطاء العمليات الاستخباراتية للوكالة وهجمات قرصنة متتالية على الأعمال التجارية والمدنيين حول العالم.
استيقظ خبير الأمن الإلكتروني جيك ويليامز في أبريل/شباط الماضي بمدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا، ليفزع أثناء تصفحه لموقع "تويتر"، بعد أن اكتشف أنه تم إقحامه في خضم أحد أسوأ الانهيارات الإلكترونية التي حلت بالاستخبارات الأمريكية على الإطلاق.
وكان ويليامز قد خصص مقالة على مدونة شركته حول "سماسرة الظل"، وهي مجموعة غامضة استطاعت بطريقة ما الحصول على العديد من أدوات القرصنة المتطورة التي تستخدمها الولايات المتحدة للتجسس على البلدان الأخرى.
- "الأرنب السيئ".. فيروس فدية جديد يضرب روسيا وأوكرانيا
- أمريكا.. تحذيرات من هجمات إلكترونية على منشآت حيوية
ووجد ويليامز أن هؤلاء القراصنة ردوا في خطاب طويل على "تويتر"، ليكشفوا عن هويته الحقيقية كعضو سابق في قسم خاص بالقرصنة في وكالة الأمن القومي الأمريكية، وهي وظيفة لم يكشف عنها ويليامز لأحد نظرا لحساسية المنصب، والعمل في الوكالة الاستخباراتية بشكل عام.
واندهش ويليامز عندما وجد أن "سماسرة الظل" كشفوا عن تفاصيل تقنية دقيقة توضح أنهم يعرفون معلومات عن عمليات قرصنة سرية للغاية كان ويليامز أحد منفذيها أثناء عمله بالوكالة الأمريكية.
صدمة ويليامز من رد "سماسرة الظل" لم تكن إلا جزءا من زلزال أكبر بكثير هز وكالة الأمن القومي في صميمها، حيث قال مسؤولون حاليون وسابقون في الوكالة إن إفشاءات "سماسرة الظل" التي بدأت في أغسطس/آب 2016 كانت كارثية للوكالة الأمنية، وهو ما شكك في قدرتها على حماية أسلحتها الإلكترونية وقيمتها للأمن القومي الأمريكي.
فشل ذريع
أكبر الوكالات الاستخباراتية الأمريكية وأكثرها سرية تم اختراقها، ورغم أنها تعتبر قائدة العالم في اختراق الشبكات الإلكترونية للخصوم لكنها أخفقت في حماية شبكاتها.
وقال ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكي السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، إن هذه التسريبات ضرت قدراتنا الإلكترونية والاستخباراتية بشكل كبير، مضيفا أن الغرض الجوهري من الاستخبارات أن تكون قادرا على اختراق خصومك من أجل جمع معلومات حيوية، وبطبيعة الحال ينجح هذا فقط إذا تم الحفاظ على سرية وحماية العمل.
وأوضح بانيتا أن مثل هذه التسريبات الاستخباراتية لطرق عمل وأدوات وكالة الأمن القومي، تجعل العاملين في الاستخبارات "يبدأون العمل من جديد تقريبا كل مرة يحدث فيها (تسريب)".
وبعد 15 شهرا من التحقيق واسع النطاق الذي يجريه ذراع وكالة الأمن القومي لمكافحة الاستخبارات، المعروف باسم "مجموعة كيو"، بالتعاون مع مسؤولين من مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي آي"، لم يكتشفوا بعد إذا كانت الوكالة ضحية لقرصنة تم تنفيذها ببراعة، من قبل روسيا المنفذ المرجح، أم إذا كانت شهدت تسريبا من الداخل، أم كليهما.
واعتقلت السلطات الأمريكية 3 موظفين بوكالة الأمن القومي منذ 2015 لسرقتهم ملفات سرية، لكن هناك مخاوف أن يكون هناك مسرب أو أكثر لا يزالون في عملهم بالوكالة.
وهناك اتفاق واسع على أن الضرر الذي تسبب فيه "سماسرة الظل" حتى الآن يتعدى بكثير الضرر الذي تسبب فيه إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الذي هرب مع 4 أجهزة كمبيوتر محمولة مليئة بالمعلومات السرية في 2013 ويعيش حاليا في موسكو.
ورغم أن سلسلة تسريبات سنودن إلى الصحفيين جذبت تغطية إعلامية أكبر بكثير من اختراق وكالة الأمن القومي، فإن تسريب "سماسرة الظل" للبيانات التي سرقوها من الوكالة أخطر بكثير مما سربه سنودن.
وإذا كان سنودن كشف عن طبيعة الشيفرات التي تستخدمها وكالة الأمن القومي، فإن سماسرة الظل سربوا الشفيرات نفسها، أما ما نشره سنودن باسم "خطط المعركة"، في المقابل، كشف سماسرة الظل عن الأسلحة نفسها التي تستخدمها الوكالة الأمنية، والتي التقطها قراصنة من كوريا الشمالية وحتى روسيا لرد الضربة إلى أمريكا وحلفائها.
وأدى اختراق سماسرة الظل إلى عمليات قرصنة واسعة أصابت ملايين أجهزة الكمبيوتر حول العالم بفعل برمجيات خبيثة تعرف باسم "فيروس الفدية"، والتي تطلب دفع أموال بالعملة الإلكترونية مقابل إعادة البيانات وفتح الأجهزة.
وتضررت مئات الشركات العالمية والمحلية التي يعمل بها الملايين حول العالم، مثل شركة "مونديليز إنترناشونال" مصنعة بسكويت "أوريو" التي مسحت كل بياناتها تماما، وشركة "فيد إكس" للشحن الدولي التي عطلت طلبات تسليم كلفتها 300 مليون دولار أمريكي.
واضطرت مستشفيات في أمريكا وبريطانيا وإندونيسيا وغيرها من الدول للتوقف عن استقبال المرضى بعد وقوع أنظمتهم الإلكترونية تماما، كما أدت الهجمات الإلكترونية إلى وقف إنتاج السيارات في فرنسا، والنفط لدى شركة برازيلية، والشوكولاتة في مصنع بتزامانيا، إضافة إلى آلاف من البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة والهيئات العامة والحكومية حول العالم.
أجهزة كشف الكذب
أما داخل المقر الرئيسي بوكالة الأمن القومي في ولاية ماريلاند الأمريكية والمقرات الأخرى حول البلاد، تم وضع الموظفين على أجهزة كشف الكذب ووقف آخرين عن العمل بحثا عن الذين تحالفوا مع "سماسرة الظل" في هذا الاختراق الإلكتروني.
ولا يزال القائمون على وكالة الأمن القومي يعملون على استبدال أجزاء كبيرة من ترسانة أسلحتهم النووية، ما يؤدي بدوره إلى تخفيض عملياتهم حول العالم.
وفي خضم هذا الزلزال، هوت الروح المعنوية لكل العاملين بالوكالة حتى رحل المتخصصون والخبراء بحثا عن وظائف بمقابل مادي أكبر، بما في ذلك الشركات الخاصة التي تدافع عن شبكات الكمبيوتر حول العالم من القرصنة بالأدوات المسربة من وكالة الأمن القومي.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDgg جزيرة ام اند امز