المتتبع لتاريخ العلاقات العربية يجد أنها لم تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل عقود فهي بين مد وجزر
قد يعتقد البعض أن الخلافات العربية- العربية قد بلغت أوجها خلال العقد الأخير، بسبب التحولات الكبيرة التي أفرزت تغيرات سياسية متلاحقة، إلا أن المتتبع لتاريخ العلاقات العربية يجد أنها لم تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل عقود فهي بين مد وجزر، بل إن كثيراً منها يميل اليوم إلى التعاون أكثر مما مضى.
عند قراءة تاريخ الخلافات العربية، يجد المرء نفسه أمام كم كبير من نقاط الاختلاف، التي وصلت أكثر من مرة إلى التصادم العسكري المحدود أو الشامل، كما حدث في تسعينات القرن المنصرم، ولأن العربي عاطفي بالفطرة، يجتر تاريخه ويضعه نصب عينيه، فإن أحداث جرت في القرن السابع عشر والثامن عشر يمكن أن تستحضر في أي وقت، لكن بمقارنة سريعة فإن نقاط الخلاف بين العرب تعتبر قليلة بالنظر إلى تلك الموجودة بين الدول في جميع أنحاء العالم ، حيث يندر ألا يكون هناك نزاع بين الدول لا سيما القريبة من بعضها جغرافياً بل وحروب طاحنة أحرقت الأخضر واليابس.
فدول مثل الصين واليابان، فرنسا وبريطانيا، وولايات أمريكا الجنوبية والشمالية، بولندا والسويد، وغيرها الكثير، مرت بحروب عديدة لكنها استطاعت تجاوز صراعات الماضي وخلافات الحاضر وتعاونت بشكل لافت، متخذة من الاقتصاد والتكامل والرفاه منطلقاً لذلك رغم الاختلافات في اللغة والعرق وتباين الرؤى السياسية والاقتصادية في الكثير من القضايا، إلا أن ذلك لم يكن عائقاً لما هو أهم.
أثبتت التجارب العالمية أن الحكمة في التعامل مع المشكلات والتفاهم والتواصل والمفاوضات وضمان مصالح جميع الأطراف والسعي لإحلال السلام، أنجع الطرق للازدهار والتقدم.
لا شك أن لكل طرف مبرراته في أي نزاع أو نقطة خلاف، والحقيقة أن هناك سببا دائما للنزاع لكن في المقابل هناك مئات الأسباب التي تدعو لطي صفحات الخلافات والنظر إلى المستقبل بمنظور المصالح المشتركة، والعرب أكثر الشعوب التي تجمعها مشتركات عديدة دينية وعرقية وتاريخية، وهذا يدعو إلى التعجب بسبب تأخر تعاون هذه الدول عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
لقد أثبتت التجارب العالمية أن الحكمة في التعامل مع المشكلات والتفاهم والتواصل والمفاوضات وضمان مصالح جميع الأطراف والسعي لإحلال السلام، أنجع الطرق للازدهار والتقدم، ولن يأتي ذلك إلا بقبول الآخر على ما فيه وتفهم مواقفه، رغم صعوبة ذلك على المدى القصير لكنه يثبت أنه أجدى على المدى الطويل.
ختاماً.. هناك تفاؤل بمستقبل عربي بظهور قوى فاعلة ليتجاوز الخلافات البينية ويرتقي إلى مستوى من التعاون والتنمية والتقدم والاقتصاد والحراك الثقافي والرفاه المالي، وما يحدث اليوم يعتبر مخاضاً لهذا التعاون الذي سيزهر قريباً حتى تتقدم المصالح على الخلافات، لا سيما مع بروز مطامع دول إقليمية في دولنا العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة