ما كان ينبغي أن يكون الموقف الاستراتيجي في سوريا كما حدث، وكان ينبغي أن يتم النظر إلى تركيا بنفس الخطورة التي تمثلها إيران وعملاؤها
مثلت الحرب الأهلية السورية حالة فريدة من اجتماع المتناقضات وتصادم المصالح، الذي قاد إلى الإرباك والشلل في منظومة العمل العربي المشترك.
فقد تداخلت الأطراف المتصارعة على الأرض السورية، وتصادمت مع مصالح الدول العربية الفاعلة والمؤثرة؛ بصورة لم تستطع معها هذه الدول تحديد أو الاتفاق على ترتيب للأعداء والخصوم، فقد اختلت الموازين، وسيطر التفكير الأحادي، وفُقدت الرؤية الاستراتيجية العميقة، الشاملة، المستقبلية.
معرفة الصديق من العدو هي أولى مقدمات وأبسط تعريفات الأمن القومي أو الأمن الوطني، وعندما يتكاثر الأعداء يتم تحديد الأوزان النسبية لهم وترتيبهم من حيث الخطورة الحالية والمستقبلية
وتم التعامل بصورة جزئية وقتية محدودة النظر مع مجمل الحالة السورية؛ حتى بدأت تركيا تمد يدها في اليمن، وتضع أقدامها في ليبيا.
هنا كان من الضروري العودة إلى سوريا، ومراجعة مواطن الخلل التي قادت إلى التغول التركي على الجيران الأقربين والأبعدين من العرب؛ الذين لا يرى فيهم أردوغان أكثر من ميراث عثماني تركه له أجداده سلاطين الظلم والظلام.
معرفة الصديق من العدو هي أولى مقدمات، وأبسط تعريفات الأمن القومي، أو الأمن الوطني.
وعندما يتكاثر الأعداء يتم تحديد الأوزان النسبية لهم، وترتيبهم من حيث الخطورة الحالية والمستقبلية، ويتم تحديد معايير الأمن القومي أو الوطني لمواجهة أشد الأعداء خطورة في اللحظة الحالية، أو في المستقبل القريب، وبعده يتم التعامل مع الأقل خطورة وتهديدا، أو الذي تكون تهديداته في الأجل المتوسط أو البعيد.
هذا المبدأ سقط في الحسابات العربية في سوريا، فتم تحديد الأعداء بصورة جزئية وليست كلية أو شاملة، أو استراتيجية بعيدة المدى.
أن يكون الحكم في سوريا عدوا لبعض الدول العربية فهذا حقها وقرارها، ولكن هل من سوف يتدخل للقضاء على حكم البعث في سوريا هو صديق أم عدو؟، وهل هو عدو أقل أم أكثر تهديدا للأمن العربي عامة أو الأمن الوطني لبعض الدول العربية من الحكومة السورية؟ وهل هذا التهديد قريب أم بعيد يمكن تحييده بعد القضاء على الحكومة السورية ؟ وهل النظم والجماعات المساندة لنظام البعث في سوريا أقل تهديداً أم أكثر تهديداً للأمن القومي أو الوطني العربي من الدول والجماعات المعارضة والمعادية له؟ وهل تصلح هنا مقولة عدو عدوي صديقي؟ أم أن عدو عدوي قد يكون أكثر عداء من عدوي، وأخطر منه على مستقبلي ووجودي؟
تدخلت إيران لدعم الحكومة السورية، ومعها الجماعات الطائفية المريضة بكل أحقاد ومرارات وخرافات التاريخ، والساعية للانتقام لأوهام تاريخية تحركها منذ ما يقارب الأربعة عشر قرناً من الزمان.
وتدخلت تركيا ومعها كل شذاذ الأفاق من المتوحشين المتعطشين للدماء، الحالمين بإعادة استنساخ أسوأ ما نقله التاريخ عن تجارب المسلمين في الماضي من قطع للرؤوس، واسترقاق للنساء، وأسواق للجواري، وهوس جنسي مرضي.
وصارت هناك جبهتان وقف أمامهما العرب في ذهول، وكان الاختيار تفرضه غريزة الانتقام أحياناً، والرغبة في التخلص من العدو المعروف دون النظر في عواقب ذلك على تمكين عدوه الذي قد يكون أشد عداءً وخطورة منه.
فانحاز العرب إلى أي طرف يخلصهم من حكم البعث الذي مكن إيران من منطقة الشام بعدما وضعت يدها على العراق، خصوصاً أن نظام ولاية الفقيه في إيران وأنصاره والجماعات التي تدور في فلكه كانوا يعبثون في الجنوب العربي في اليمن، ويشعلون حرباً لا تقل عبثية بل هي أكثر خطورة من الحرب السورية، وصار هدفهم تهديد جزيرة العرب، وتهديد دول البحر الأحمر، وتعطيل قناة السويس، والإضرار المباشر بدول الخليج ومصر.
وهنا كان ترتيب الأعداء يضع حكم البعث وإيران وحلفاءها في مقدمة الأعداء، وكانت تركيا ودواعشها، وكل شذاذ الأفاق من القتلة والمجرمين يأتون بعد ذلك، أو لا ينظر إليهم على أنهم تهديد حقيقي للأمن القومي العربي، أو الأمن الوطني للدول العربية كل على انفراد.
وبعد أن مدت تركيا يدها في اليمن وسعت لتوظيف الإخوان فيها لخلق موضع قدم لها هناك، بعد أن تمكنت من السيطرة على الصومال، ثم تدخلت تركيا مباشرة في الشأن الليبي، وصارت طرفاً مباشرا في الحرب الأهلية الليبية، ونقلت الدواعش من سورية إلى ليبيا لتهدد مصر تهديدا مباشراً، ولتخلق حالة إرهابية في الحدود الغربية لمصر كما خلقت هي وقطر ومعهما حركة حماس نفس الحالة في سيناء...
هنا كان يجب أن يعاد ترتيب الأعداء في سوريا من خلال نظرة مستقبلية عميقة بعيدة المدي.
وما كان ينبغي أن يكون الموقف الاستراتيجي في سورية كما حدث، وكان ينبغي أن يتم النظر إلى تركياً بنفس الخطورة التي تمثلها إيران وعملاؤها.
إن التفكير الاستراتيجي الذي يهدف لحماية الأمن القومي للعرب عامة، والأمن الوطني لكل دولة يجب أن يكون استشرافيا بعيد المدى، حتى لا تتكرر نفس المزالق التي تقود إلى مزيد من المهالك.
فقد ظن الكثير من الدول العربية أن زوال حكم صدام في العراق يحقق المصلحة ويضمن الأمن، ثم كان الواقع غير ذلك بعد أن تغولت إيران، وجاءت القاعدة وداعش وغيرهما، وكذلك حدث نفس الأمر مع الحكومة السورية، حيث كان الخطر القادم أشد خطورة من الخطر الزائل، وكان عدو عدوي أكثر عداء بأضعاف مضاعفة من عدوي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة