جاسوس «القنبلة النووية».. كيف أفسد اللاعب «مو» خطط هتلر؟
لاعب شهير يتحول بشكل مفاجئ وغريب إلى جاسوس استثنائي، أحبط محاولة النازيين صنع قنبلة ذرية، وساهم في كتابة تاريخ العصر الحديث.
هذا اللاعب والجاسوس هو مو بيرغ، المولود في هارلم بنيويورك عام 1902، إذ كان الطفل الثالث لبرنارد بيرغ وروز تاشكر، وهما مهاجران يهوديان من أوكرانيا، جاءا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن الفرص الاقتصادية والحرية الدينية، وفقا لموقع "بيزنس إنسايدر".
- إيوالد فون كلايست «عدو هتلر».. من هو مؤسس مؤتمر ميونخ للأمن؟
- أمراض هتلر.. من «الصدمة النفسية» إلى «الزهري»
وانتقلت عائلة بيرغ إلى نيوآرك في نيو جيرسي، إذ افتتح برنارد صيدلية، وبينما كان للتعليم أهمية قصوى، توقع الرجل المهاجر من أطفاله أن يمارسوا إحدى المهن الثلاث؛ المحاماة أو الطب أو التدريس.
لكن منذ أيامه الأولى، كان لدى مو ذراع قوية للغاية وذاكرة فوتوغرافية.
وعندما كان يبلغ من العمر 7 سنوات، مارس مو لعبة "البيسبول" في فريق الكنيسة باستخدام الاسم المستعار "رونت وولف"، وبرع فيها.
وفي الفصول الدراسية، درس في البداية بجامعة نيويورك، ثم انتقل إلى جامعة برينستون، إذ كان نجمًا في فريق البيسبول، وفي قسم اللغات الحديثة.
وفي هذه الأثناء، رفض الشاب عرضًا للانضمام إلى أحد نوادي الطعام (مجموعة اجتماعية) في برينستون، بعد أن قيل له إنه "ينبغي ألا يفكر في جلب يهود آخرين".
وبعد تخرج بيرغ في الكلية، كان فريق بروكلين روبينز (الآن لوس أنجلوس دودجرز) ونيويورك جاينتس مهتمين به، ويرجع ذلك جزئيًا إلى اعتقادهم أنه سيساعد في جذب العدد الكبير نسبيًا من السكان اليهود في المدينة.
والنتيجة، انضم اللاعب الشاب إلى فريق روبينز ولعب في البطولات الصغيرة، ثم لعب مع فريق شيكاغو وايت سوكس.
واستخدم بيرغ أرباحه من لعبة البيسبول للسفر، ودرس اللغة السنسكريتية (لغة قديمة في الهند) في جامعة السوربون بباريس، وكتب عن مدى استمتاعه بـ"النبيذ والنساء والأغنية" الفرنسية.
ولإرضاء والده إلى حد كبير، التحق بيرغ أيضًا بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا، لكن بسبب الدراسة في سنته الأولى في الكلية، وصل متأخرًا إلى تدريب الربيع في "البيسبول".
وفي العام التالي، رفض مالك وايت سوكس طلب بيرغ الحضور متأخرا للتجمع التدريبي، لذلك رتب اللاعب لترك المدرسة مبكرًا واستكمال دوراته.
إذ كانت لعبة البيسبول أولويته الأولى وطريقة كسب رزقه طوال الثلاثينيات، وقال إنه يفضل أن يكون لاعب بيسبول على أن يكون قاضيًا في المحكمة العليا.
التعرف على العالم
وفي الثلاثينيات، ومع دخول اليابان في حالة حرب بالفعل مع الصين، أصبحت الحكومة اليابانية ذات طابع عسكري على نحو متزايد.
وفي الوقت نفسه، كان المواطنون اليابانيون مهتمين بصورة متزايدة بهواية أمريكا المفضلة "البيسبول"، وفي عام 1932، كان بيرغ من بين مجموعة من اللاعبين الكبار الذين تم إرسالهم إلى طوكيو لتدريب لاعبي الكلية اليابانية.
وعندما انتهت الجولة وعاد اللاعبون إلى الوطن، بقي بيرغ مسافرًا حول آسيا بمفرده، وأنهى رحلته في برلين، وشاهد بنفسه بداية صعود أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا.
صدفة
وفي عام 1934، غزا الاتحاد السوفياتي الصين لفترة وجيزة، ومع تصاعد التوترات في المحيط الهادئ، أرسلت الولايات المتحدة قائمة من نجوم الدوري الأمريكي في جولة في اليابان، للتنافس ضد الفرق اليابانية في سلسلة ودية من 18 مباراة.
وكان اللاعبون أيضًا بمثابة سفراء للنوايا الحسنة، إذ كانت جولة All-American Japan Tour بمثابة محاولة لتعزيز العلاقات اليابانية الأمريكية من خلال الاهتمام المشترك بالبيسبول.
وبينما سجل بيرغ رقمًا قياسيًا في الدوري لخوض 117 مباراة متتالية دون خطأ، إلا أنه لم يكن يتمتع بنفس مكانة اللاعبين الآخرين، مثل بيب روث، ولو جيريج، وإيرل أفريل، وليفتي جوميز.
وفي محاولة للتميز عن اللاعبين الأفضل، درس اللغة اليابانية على سطح السفينة خلال الرحلة التي استغرقت ثلاثة أسابيع عبر المحيط الهادئ، وعند وصوله، سمع بيب روث، بيرغ يحيي أحد المعجبين باللغة اليابانية.
وسافر بيرغ أيضا، بكاميرا فيلم بيل آند هاول مقاس 16 ملم، ويبدو أنه لم يردعه المنشورات التي وزعتها الشرطة تحذر الناس من عمل خرائط أو التقاط صور، والتي كان يخشى اليابانيون استخدامها ضدهم في الحرب.
وفي إحدى المرات، ابتعد بيرغ عن زملائه وصعد إلى سطح أحد مستشفيات طوكيو، الذي كان آنذاك أطول مبنى في المدينة، وكان يرتدي كيمونو يابانيا وزوجا من النعال، وحجته كانت أنه يزور ابنة السفير التي أنجبت للتو طفلاً.
لكنه ألقى الزهور وانتهى به الأمر على السطح، إذ التقط صورة بانورامية لأفق طوكيو، بما في ذلك الميناء والمراكز الصناعية.
وبحسب "بيزنس إنسايدر"، استخدمت الولايات المتحدة اللقطات لاحقًا كلقطات استطلاع في أثناء وضع الاستراتيجية العسكرية في زمن الحرب والتخطيط لغارات القصف، لكن لا تزال كيفية تسليم بيرغ اللقطات إلى حكومة الولايات المتحدة غامضة.
وبعد أن اكتسح فريق All-American البطولة وغادر زملاء بيرغ اليابان، بقي اللاعب لمدة شهر آخر، وعند عودته إلى الولايات المتحدة، لعب لفريق بوسطن ريد سوكس ثم ساعد في تدريبه.
اندلاع الحرب
وأدى الهجوم الياباني على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1941 إلى مقتل أكثر من 2300 أمريكي، ودفع الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية.
وبينما انضم العديد من الأمريكيين للحرب، سأل والد بيرغ أبناءه، قبل وفاته في يناير/كانون الثاني 1942: "لماذا لا تساهمون في هذه الحرب؟".
وترك بيرغ فريق ريد سوكس للعمل في مكتب شؤون البلدان الأمريكية، وهي وكالة حكومية أسسها الرئيس فرانكلين روزفلت، لمواجهة دعاية المحور في أمريكا اللاتينية.
وفي فبراير/شباط 1942، قام بيرغ ببث إذاعي يخاطب فيه شعب اليابان، باللغة اليابانية، مطالبًا بالسلام. وعرّف نفسه بأنه "صديق للشعب الياباني"، وحث المستمعين على تجنب "حرب لا يمكنك الفوز بها".
وفي الصيف، أخذه عمله إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، ظاهريًا كسفير للنوايا الحسنة يوزع معدات البيسبول، وزوّد رئيسه منسق شؤون البلدان الأمريكية، نيلسون روكفلر، بتقارير عن الوضع السياسي في هذه البلدان.
عالم التجسس
وفي أعقاب بيرل هاربر، أدرك روزفلت أهمية الاستخبارات الأجنبية القوية في جهود الحلفاء الحربية، وفي عام 1942، وقع أمرًا تنفيذيًا بتشكيل OSS، وهي وكالة تجسس سرية يديرها الجنرال ويليام "وايلد بيل" دونوفان.
وباعتباره الأب المؤسس لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابقة، جند دونوفان مجموعة متنوعة من الأفراد العسكريين والمدنيين.
وفي ذروتها في عام 1944، وظفت الوكالة نحو 13000 رجل وامرأة، مع موظفين متمركزين في جميع أنحاء العالم، يعملون ليس فقط كعملاء ميدانيين، ولكن أيضًا كمحللي الشفرات، وباحثين، وصانعي الخرائط، وعلماء النفس، وعلماء.
وبفضل كفاءته وخفة الحركة ومهاراته اللغوية وخبرته في جمع المعلومات، أصبح بيرغ عميل OSS، وعيّنه دونوفان لدعم مبادرة الحكومة السرية للغاية، لتطوير أول أسلحة نووية لها، والتي تحمل الاسم الرمزي "مشروع مانهاتن".
وكانت هذه المهمة سرية للغاية لدرجة أن روزفلت لم يخبر نائب الرئيس آنذاك هاري ترومان عنها.
عمل بارز
وأطلع كبار الباحثين والعلماء، بمن في ذلك ألبرت أينشتاين، بيرغ، وعلموه ما كانوا يأملون أن يكون خلفية كافية عن الطاقة الذرية وجهود خصومهم، حتى يتمكن اللاعب السابق في ذلك الوقت، من جمع المعلومات والأصول الحيوية من أوروبا.
وفي عام 1944، انتقل بيرغ في جميع أنحاء إيطاليا حليفة النظام النازي، التي مزقتها الحرب لتعقب العلماء الإيطاليين المهمين والوثائق المعرضة لخطر الوقوع في أيدي هتلر.
وقال روزفلت بعد أن علم أن بيرغ قد حدد موقع أنطونيو فيري، وهو أول خبير إيطالي في الديناميكا الهوائية، وجنده: "أرى أن مو لا يزال يصطاد بشكل جيد للغاية"، في إشارة إلى كونه لاعب بيسبول سابقا.
ودمر فيري، معدات المختبرات التي يمكن أن تساعد المحور واختبأ في الجبال ومعه صندوق من الوثائق العلمية.
وشكل دائرة مقاومة تنفذ عمليات حرب العصابات لإحباط المحور وتمكين الحلفاء من الإنزال الجوي. كما تواصل بيرغ وفيري وبدأ في تحليل وترجمة الوثائق العلمية.
وبإذن خاص من روزفلت، دخل فيري الولايات المتحدة بحقيبة سفر وصندوق من الوثائق، وتم اصطحابه إلى مركز أبحاث الطيران الرائد في البلاد، في لانجلي، بفيرجينيا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1944، تم إرسال بيرغ إلى سويسرا المحايدة لحضور مؤتمر في جامعة زيورخ ومعه مسدس، وقرص سيانيد، وهوية مزيفة كطالب فيزياء سويسري، وكانت مهمته حضور محاضرة كان فيرنر هايزنبرغ يلقيها في المؤتمر.
وإذا ذكر هايزنبرغ العمل على قنبلة نووية، كان على بيرغ أن يقف ويطلق النار عليه من مسافة قريبة، ويعني ذلك أيضا أن يقتل نفسه لاحقا.
وبين اللغة الألمانية ومصطلحات الفيزياء التقنية العميقة، ترك بيرغ المحاضرة غير متأكد مما يعرفه هايزنبرغ، ثم انتهى به الأمر إلى مدح هايزنبرغ على حديثه ثم الإصرار لاحقًا على مرافقته إلى الفندق الذي يقيم فيه.
وفي التقرير الذي كتبه، وقرأه روزفلت، قرر بيرغ أن ثقة هايزنبرغ منخفضة في الجهود الألمانية، وأن هتلر كان متأخرًا عن مشروع مانهاتن بسنتين على الأقل.
نهاية حياته
رفض بيرغ وسام الحرية عام 1946، ولم يتزوج ولم ينجب أطفالًا، وفي سنواته الأخيرة، عاش مع أخته، إثيل، في نيو جيرسي، قبل أن يُتوفى في بيلفيل، بنيو جيرسي، عام 1972 عن عمر يناهز 70 عامًا، في منزله.
وقبلت إثيل وسام الشرف الخاص به بعد وفاته وتبرعت به إلى قاعة مشاهير البيسبول الوطنية في كوبرستاون نيويورك، حيث يتم عرضه، إلى جانب قفازه وجواز السفر.
aXA6IDMuMTQ3LjcxLjE3NSA=
جزيرة ام اند امز