بعد تعليق مشاركة روسيا.. ما هي معاهدة "نيو ستارت" النووية؟
جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، بتعليق مشاركة بلاده بمعاهدة "نيو ستارت"، وهي اتفاقية مهمة لخفض الأسلحة النووية، ليكون الأحدث ضمن سلسلة تصريحات أشار فيها إلى ترسانته النووية.
تم بالفعل إيقاف المعاهدة مؤقتًا لأن روسيا رفضت مؤخرًا فتح ترسانتها للمفتشين. لكن، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، لا ينسحب بوتين عمليا من المعاهدة، لذا يبدو أن إعلانه "يضفي الطابع الرسمي لوضعها الحالي".
ولاحقا أوضحت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو ستواصل احترام الحدود القصوى المنصوص عليها بالمعاهدة، وأن تعليق بوتين لها "قابل للعكس".
ما هي نيو ستارت؟
"نيو ستارت" هي الاسم المختصر لـ"معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية"، وتعتبر الأحدث ضمن سلسلة طويلة من المعاهدات النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، الاتحاد السوفيتي سابقا.
والأسلحة النووية الاستراتيجية هي الرؤوس الحربية الأكبر التي يمكنها محو مدن. وتمتلك روسيا والولايات المتحدة أيضًا أسلحة نووية "تكتيكية" صغيرة لا تغطيها معاهدة "نيو ستارت". ولا يعرف الكثير عن ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية.
ووقعت المعاهدة للمرة الأولى خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما لتدخل حيز التنفيذ في 2011، وتم تجديدها في فبراير/شباط عام 2021، بعد فترة قصيرة من تولي الرئيس جو بايدن للمنصب، وهي تحدد حدا أقصى لعدد الأسلحة النووية التي يمكن لكل بلد منهما امتلاكها.
ما الحد الأقصى للأسلحة النووية "الاستراتيجية"؟
وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن الحد الأقصى لتلك الأسلحة هو:
- 700 صاروخ باليستي عابر للقارات وصاروخ باليستي يطلق من الغواصات وقاذفات ثقيلة.
- 1500 رأس حربي نووي محمل على صواريخ باليستية عابر للقارات وصاروخ باليستي يطلق من الغواصات وقاذفة ثقيلة.
- 800 قاذفة صواريخ باليستية عابرة للقارات منشورة وغير منشورة وقاذفة صواريخ تطلق من الغواصات وقاذفة ثقيلة.
- وتستمر فترة التمديد الحالية للمعاهدة حتى فبراير/شباط 2026، لكن اشتكى كلا البلدين من التزام الطرف الآخر بها.
ماذا يحدث الآن؟
رأى ماثيو فورمان الأستاذ بجامعة تكساس إيه آند إم، أن إعلان بوتين يبدو كأنه انتقام لزيادة الدعم الأمريكي إلى أوكرانيا، بما في ذلك زيارة بايدن إلى كييف.
وعلى حد قوله، يبدو أن القادة الروس يعتقدون أن الولايات المتحدة عازمة أكثر الآن على عكس حربها على أوكرانيا، في محاولة لتسهيل ما يعتبرونه هزيمة استراتيجية.
ومع ذلك، يضفي إعلان بوتين بشأن "نيو ستارت" طابعا رسميا على كثير مما كانت روسيا تفعله بالفعل، بحسب فورمان، مشيرا إلى أن المعاهدة تتطلب إجراء عمليات تفتيش متبادلة للتحقق من الالتزام بها، لكن لم تسمح روسيا بذلك منذ الخريف الماضي، عندما كان من المفترض أن تستأنف بعد جائحة كوفيد.
وقال تود سيشسر الأستاذ بجامعة فيرجينيا إن تأثير هذا الإعلان، على المدى القصير، رمزيا أكثر من كونه جوهريا، حيث أعلنت روسيا بالفعل منذ ستة أشهر أنها لن تسمح بعمليات التفتيش لترسانتها النووية، ولن تبني ترسانة جديدة ضخمة غدا.
لكنه اعتبر أن الرمزية أمر مهم؛ حيث إنها آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا. وعلى المدى الطويل، يقدم تدهور العلاقات الأمريكية الروسية، إلى جانب زوال هذه المعاهدة، الدافع والفرصة لسباق تسلح نووي جديد.
وبحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، لطالما اعتبر الحد من التسلح آخر مساحة للتعاون البناء بين واشنطن وموسكو.
ولم يظهر بوتين أي بوادر للتراجع بينما استخدم خطابه السنوي للأمة للهجوم على الولايات المتحدة، واتهام أوكرانيا والغرب بإثارة الحرب، وذلك قبل أيام من الذكرى الأولى للحرب الروسية.
وقال خبراء إنه من المبكر للغاية تفسير كلمات بوتين على أنها نذير سباق تسلح نووي، لكن مع انتهاء المعاهدة في 2026، سيزيد إعلان الزعيم الروسي من تعقيد الجهود الدبلوماسية لتمديد المعاهدة أو التفاوض على أخرى جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تمتلكان معا حوالي 90% من الأسلحة النووية في العالم.
وبتعليق مشاركة روسيا في المعاهدة، وليس الانسحاب بشكل كامل، لاتزال الاتفاقية قائمة ويمكن نظريا العودة إليها في المستقبل.
وقال بافيل بودفيج باحث أول بمعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح: "التعليق أفضل من الانسحاب. كان يمكن أن تكون الأمور أسوأ."
وحدد بوتين شروطه للعودة إلى الاتفاقية، بما في ذلك وضع القدرات النووية للدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الاعتبار، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا، والتي ليست طرفًا حاليًا في الاتفاقية.
وبحسب التحليل في "فورين بوليسي"، كانت هناك إشارات حمراء بشأن مشاركة روسيا في المعاهدة منذ بعض الوقت.
وجرى تعليق عمليات التفتيش المتبادلة لمواقع الأسلحة النووية الاستراتيجية في مارس/آذار 2020 بسبب المخاطر الصحية الناجمة عن كوفيد-19. لكن مع انحسار الوباء، أعلنت موسكو في أغسطس/آب 2022 أنها ستمنع المفتشين الأمريكيين من استئناف الزيارات إلى منشآتها، مدعيا أن العقوبات الغربية أعاقت قدرة مسؤوليها على إجراء زيارات إلى الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن روسيا أرجأت اجتماعا كان مخططا له في مصر كان يهدف إلى صياغة خارجة طريق لاستئناف عمليات التفتيش.
واتهمت وزارة الخارجية الأمريكية، خلال إعلان الشهر الماضي، موسكو بانتهاك التزاماتها بموجب المعاهدة بمنع المسؤولين الأمريكيين من تفتيش مواقع الأسلحة الروسية.
تهديدات نووية
وقال سيشر إنه بعد عام من الحرب من الصعب تجاهل مدى ضآلة ما حققته تهديدات بوتين النووية، مشيرا إلى أنه بعد عام من الضجة حول استخدام روسيا "جميع السبل المتاحة" ضد أعدائها، لم يتزحزح الأوكرانيون، ويزيد الغرب من التزامه تجاه أوكرانيا، وليس يقلصه.
ولم تؤد عدوانية بوتين النووية سوى إلى تأجيج رد الفعل الدولي العنيف ضد روسيا.
وأشار إلى أن الحد من التسلح الأمريكي الروسي كان في تراجع منذ فترة طويلة، وهذه رابع معاهدة للحد من السلاح بين الولايات المتحدة وروسيا تنتي خلال عهد بوتين.
وأوضح أن تمديد معاهدة "نيو ستارت" قبل عامين كان علامة تفاؤل حذر، لكن قضت الحرب في أوكرانيا على هذا التقدم، كما يأتي هذا الإعلان كنتيجة لأكثر من عقد من التآكل التدريجي.