40 عاما من الجدل.. أنبوب نفط (البصرة - العقبة) عند نقطة الصفر

من وقت لآخر يطفو على السطح الحديث بشأن أنبوب نفط (البصرة - العقبة)، وفوائده للاقتصاد العراقي، ورغم مرور أكثر من 40 عاما على فكرة المشروع إلا أنه ما زال عند النقطة صفر.
ومؤخرا قررت وزارة النفط ترحيل المشروع برمته إلى الحكومة المقبلة بغرض المصادقة عليه وتنفيذه.
وتأتي تلك التطورات في وقت تسجل أسعار النفط العالمية تصاعدا متسارعا مع تنامي معدلات الطلب وقلة المعروض مما يفرض على الدول النفطية زيادة إنتاجها وتوسيع ممرات التصدير.
ويمتلك العراق منافذ تصديرية للنفط عبر أكثر من ممر بينها خط جيهان التركي الذي أنشئ عام 1977، بسعة 1.6 مليون برميل يومياً، إلا أن التقادم والضرر جراء عمليات التخريب التي طالتها إبان سيطرة تنظيم داعش تسبب بتعطل أغلب مرافقه التصميمية.
وبشأن فكرة مشروع (البصرة – العقبة)، التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي حينما بدأ العراق في البحث عن طرق لمنفذ ثانٍ لتصدير النفط، وحاول العراق تحقيق بعض التقدُّم الملحوظ في فكرة إنشاء أنبوب نفطي يمتد من الأراضي العراقية إلى الأراضي الأردنية، لكن العقبات التي واجهت الحكومات العراقية كانت مختلفة، أولها العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي وكلفة المشروع العالية.
فيما بعد، أُعِيدَ طرح تنفيذ المشروع في عام 2013 بوصفه جزءاً من فكرة التعاون المشترك بين العراق والأردن ومصر، حينما وقَّع العراق والأردن في أبريل/نيسان من ذلك العام اتفاقاً لمشروع مد أنبوب بطول (1700) كلم لنقل النفط العراقي إلى الأردن بكلفة تقارب نحو 18 مليار دولار، وسعة مليون برميل يومياً، وكان من المفترض الانتهاء من تنفيذ المشروع في عام 2017. وتأجَّل تنفيذه بسبب هجوم تنظيم (داعش) الإرهابي واحتلاله لثلاث محافظات عراقية.
وتم طرح المشروع على جدول الأعمال أثناء القمة الرسمية التي جمعت الرئيس المصري عبدالفتَّاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي في القاهرة في مارس 2019 لبحث سبل التعاون والتنسيق والتكامل بين البلدان الثلاثة.
وأُعيد التأكيد على المشروع في القمة الثلاثية الرابعة بين العراق ومصر والأردن في يونيو/حزيران 2021 ، إذ نصَّ البيان الختامي على (ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر عن طريق المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة).
ويبلغ طول الأنبوب ( 1700 كلم) بكلفة تقارب نحو 26 مليار دولار، قبل أن يتم تخفيضها إلى 9 مليارات دولار وبسعة مليون برميل يومياً.
ويتضمن المشروع أيضاً تنفيذ خط لنقل الغاز الطبيعي تبلغ طاقته التصميمية 358 مليون متر مكعب يومياً.
وبحسب المخططات التصميمية، يبدأ الجزء الأول من الأنبوب من البصرة مروراً بمدينة النجف وبمحاذاة الحدود السعودية إلى مدينة حديثة، والجزء الثاني من حديثة إلى ميناء العقبة مع خط إضافي شمال شرق الأردن وتحديداً إلى مدينة الزرقاء لتكرير 150 ألف برميل يومياً للاستهلاك المحلي الأردني. وبحسب العقد الأولي، ستكون ملكية الأنبوب في الجزء الذي يمر بالأردن عائدة للدولة الأردنية، والعراق هو الذي يدفع تكاليف تشييده، وعائدات النفط والغاز للأنبوب ستكون أرباحاً للشركات الاستثمارية المنفذة لمدة 20 إلأى 50 عاماً.
ويذهب الرأي المساند لفكرة المشروع بأن الجدوى الاقتصادية التي سيجنيها العراق من زيادة منافذه التصديرية تكمن في حتمية استمرار الطلب العالمي على النفط لسنوات طويلة، لاسيَّما أنَّ إمدادات النفط في أفريقيا وآسيا في طور النضوب، ومع الكُلفة المرتفعة لإنشاء الأنبوب النفطي إلا أنَّه سيحقِّق عائدات كبيرة للعراق على المدى البعيد، ما سينعكس على زيادة موارده المالية. خصوصاً أنَّه سيقرِّب العراق من زيادة قدراته التصديرية إلى 7 ملايين برميل يومياً في عام.
الخبير النفطي والأكاديمي الاقتصادي نبيل المرسومي، يقول إن "ترحيل وتعطيل البت في تنفيذ أنبوب النفط (البصرة – العقبة)، يضغط مع عامل الوقت على تضيق المساحة أمام العراق للوصول بطاقة إنتاجية 8 ملايين برميل يومياً عند عام 2027، مما يعني أن البلاد فقدت فرصة مهمة جداً في توسيع مقدرتها التصديرية".
ويضيف المرسومي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "جميع الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد أبدت موافقتها على مد الأنبوب ولكن التعطيل ببدء الشروع يأتي في جوانب سياسية تفصيلية أكثر من كونها فنية استراتيجية".
ويؤكد المرسومي، أن "العراق بحاجة إلى تنويع مصادر التصدير النفطي وعدم التسليم إلى الممر البحري فقط كون سلاسة ذلك المنفذ ترتبط بالتوترات السياسية التي تدور في المنطقة"، لافتاَ إلى أن "بعض دول الخليج لديها منافذ تصدير بعيدة عن ممر مضيق هرمز".
ويضيف: "أمام العراق اليوم خيارا واحدا، الذهاب نحو تطوير سعته التخزينية وإنشاء المزيد من العوامات عبر الخليج لتوسيع حجم صادراته بما يتناسب مع الطلب العالمي للمستقبل القريب".
من جانب آخر، يحظى المشروع بتأييد أمريكي، ففي مارس عام 2018 أصدر معهد الطاقة الأمريكي ورقةً بحثيةً أعدَّها السفير الأمريكي السابق في العراق (جيمس جيفري)، وخبير مشاريع الطاقة (مايكل نايتس) تحت عنوان: مستقبل الطاقة العراقي.
وأكدوا بحسب الورقة، على ضرورة أن تضع الولايات المتحدة ثقلها خلف ممر الطاقة بين الشمال والجنوب يمكن العراق أن يعمل كمحور للطاقة بين دول الخليج وتركيا وفي نهاية المطاف تشكيل جسر تصدير إلى أوروبا.
وشدد كل من جيفري ونايتس على أن تقدم واشنطن الدعم للمشروع لجلب الغاز والنفط العراقي إلى الأردن، إذ سيؤدِّي هذا المشروع إلى تقليل اعتماد بغداد المفرط على تصدير النفط عبر مضيق هرمز، إذ يمكن لإيران الاحتفاظ بالمضيق كرهينة. وأخيراً، يمكن أن تؤدِّي بغداد دوراً مربحاً كمحورٍ للطاقة بين الخليج وأوروبا وبلاد الشام.
من جانب آخر، يرى بعض المتخصصين في مجال النفط أنَّ كلفة إنشاء أنبوب نفط (البصرة– العقبة) ستبلغ نحو 26 مليار دولار عن طريق الاستثمار من قبل شركات خاصة، وأنَّ كلفة المشروع لن ترُدَّ إلا بعد 50 سنة، وَفْق صيغة العقد المقترح لإنشائه ما يعني أنَّ كُلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ 9 دولارات، في المقابل فإنَّ كُلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هي 60 سنتاَ أي ما يقارب 450 ضعفاً وهذا المال سيدخل إلى الخزينة الأردنية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز