"الموسم المضحك" يثير الازدواجية.. بايدن "يبكي" أوروبا و"يناور" جيوب الأمريكيين
رغم مرور أيام على قرار أوبك بلس خفض إنتاج النفط مليوني برميل يوميا، إلا أن آثاره لا تزال حاضرة بعد الغضب الأمريكي غير المبرر، لا سيما في ظل ما وصف بـ"ازدواجية المصالح" في تعامل واشنطن مع ملف الوقود والطاقة.
ذلك "الغضب" الأمريكي تحركه عوامل عدة؛ أبرزها تزامن القرار مع انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة والمزمع عقدها الشهر المقبل، والتي تعد أسعار الوقود وما يصاحبها من تضخم عوامل أساسية في التحكم بمزاج الناخبين الأمريكيين.
ومع تخوف الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن من هذا "الاختبار الحاسم" الذي قد يرجح كفة الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة، أطلقت "حمما بركانية" على تحالف مصدري النفط "أوبك بلس"، الذي قرر خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، لأسباب اقتصادية بحتة.
تهم.. دون سند
وحاولت الإدارة الأمريكية إلقاء "تهم" غير مستندة إلى حقائق على تحالف أوبك بلس، زاعمة أن قراره سيتسبب في رفع أسعار النفط في الولايات المتحدة، متجاهلة أن القرار تحركه عوامل اقتصادية بحتة، وأن التحالف أكد مرارًا التزامه باستقرار أسواق النفط.
ولم تكتف الولايات المتحدة بإلقاء تهم لا سند لها، بل إنها بنت على ذلك قرارات، وبدأ مشرعوها في التلويح بالمقترح التشريعي الذي يُعرف باسم "نوبك"، ويقضي بمعاقبة الدول التي تمارس ما يمكن اعتباره ممارسات احتكارية مرتبطة بقطاع النفط، بالإضافة إلى وقف مبيعات الأسلحة لتلك البلدان.
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية -التي باتت "تشيطن" دول أوبك بلس دون أدلة، زاعمة أن قرارها سياسي- تجاهلت الأسباب الداخلية لديها، والتي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود على المستهلكين.
فأمريكا تعاني نقصاً في مصافي التكرير منذ أكثر من 20 عاماً، بحسب وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية، والذي قال إن الولايات المتحدة لم تقم ببناء مصافي تكرير منذ عقود.
وأوضح الجبير أن هناك عددا من المصافي أغلقت في الغرب الأوسط، وهذا نتيجة نقص القدرة على التكرير لدى الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن "هناك نقصا في الوقود وزيادة في أسعار الوقود، إلا أن الأمر لا يرتبط بأساسيات العرض والطلب على النفط الخام".
عوامل عدة
ولم يكن نقص المصافي والذي يعد سببا جوهريًا الدافع الوحيد لأسعار الوقود التي بدأت تشق طريقها إلى الارتفاع في الولايات المتحدة بعد انخفاضها لأكثر من ثلاثة أشهر، بل إن تأثير إعصار إيان والذي أدى إلى خفض الإنتاج، كان عاملا مؤثرا بشكل كبير.
وضرب إعصار إيان منطقة ساحل الخليج في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، مما ألحق الضرر بمصافي تكرير النفط ومشاريع النفط البحرية.
ورغم ذلك، أكد الجبير أن السعودية "لا تُسيّس النفط أو القرارات المتعلقة بالإنتاج النفطي"، مضيفا "النفط ليس سلاحاً، وليس طائرة مقاتلة وليس دبابة، ولا يمكن قصفه، ولا يمكن فعل أي شيء به، نحن ننظر إلى النفط كسلعة وننظر إلى النفط على أنه مهم للاقتصاد العالمي الذي لدينا فيه حصة كبيرة".
تصريحات الجبير والتي كانت مستندة إلى دلائل "ألجمت" الادعاءات الأمريكية، بل إنها ردت على مزاعم المشرعين الأمريكيين الذين طالبوا بمراجعة العلاقات بين الرياض وواشنطن.
الموسم المضحك
وساخرًا قال الجبير، إنه "خلال موسم الانتخابات والذي يطلق عليه البعض (الموسم المضحك)، فإن الكثير من الأشياء تُقال وربما قد لا تكون منطقية (..) ومع ذلك عندما نتحدث عن العلاقات بين البلدين فهي أساسية وقوية للغاية نظراً للمصالح التي توجب عليهما العمل سوياً".
ومع بقاء شهر واحد فقط قبل الانتخابات النصفية الحاسمة، بدأت أسعار البنزين في الولايات المتحدة في الارتفاع مرة أخرى، مما يشكل خطرا سياسيا يحاول البيت الأبيض بشدة تجنبه، عبر "شيطنة الآخرين"، لا عبر البحث في حلول داخلية، من خلال زيادة مصافي التكرير، أو العمل سريعا لإصلاح ما أفسده الإعصار إيان.
ازدواجية أمريكية
وفي محاولة لتحقيق مصالحها، حثت واشنطن أوروبا على إيقاف الغاز الروسي "الرخيص"، متعهدة لها بزيادة ضخ الغاز الأمريكي، فقدمت في مارس/آذار الماضي 15 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا هذا العام، وفقا لتحليل رويترز لبيانات التصدير التي جمعتها رفينيتيف.
وأظهرت بيانات رفينيتيف أنه خلال شهر يونيو/حزيران من هذا العام، صدرت الولايات المتحدة حوالي 57 مليار متر مكعب من الغاز على شكل غاز طبيعي مسال مع 39 مليار متر مكعب، أو 68% إلى أوروبا، مقارنة بـ34 مليار متر مكعب، أو 35%، من صادرات الغاز الطبيعي المسال المشحونة إلى أوروبا لعام 2021 بالكامل.
تلك الأرقام تعني أن الولايات المتحدة قد أرسلت بالفعل غازًا إلى أوروبا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 أكثر مما أرسلته في جميع الأشهر الـ12 من عام 2021.
وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) إن المنتج رقم 1 للغاز الطبيعي أصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في النصف الأول من عام 2022.
وفيما تعد هذه الزيادة أخبارا جيدة لإدارة بايدن التي سعت إلى تعزيز علاقات الطاقة مع أوروبا كوسيلة لمحاربة النفوذ الروسي، كانت في المقابل شيئا غير "سار" لأوروبا رغم معاناتها جراء خفض الغاز الروسي.
كيف؟
ضخ الغاز الأمريكي في شرايين أوروبا لم يكن مجانا، بل إن الولايات المتحدة وضعت تسعيرا لغازها المصدر لدول القارة العجوز أكثر 4 مرات من سقف السعر الذي حددته للشركات الأمريكية، ما سبب معاناة للاتحاد الأوروبي تفوق تكلفة تعاونه مع روسيا.
وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قائلا: "سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة: أنتم رائعون، لأنكم تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن هناك شيئا واحدا لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وهو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تقومون بالبيع به للصناعة لديكم.. ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة».
تلك الشكوى الفرنسية، كشفت عن ازدواجية تعاني منها الولايات المتحدة، ففيما تبحث عن مصالحها عبر حث أوروبا لقطع الغاز الروسي "الرخيص" راحت تصدره بأسعار مضاعفة لدول القارة العجوز.
إلا أنها في الجهة المقابلة تتهم دول "أوبك بلس" بمساندة روسيا، متجاهلة أن القرار اقتصادي، وأن من حق تلك البلدان البحث عن مصالحها وما يحقق القيمة المثلى لتلك السلعة الاستراتيجية التي تمتلكها، كما تفعل الولايات المتحدة.