التسول الإلكتروني.. بوابة الثراء السريع في غزة
باحث فلسطيني يؤكد أن هناك عائلات اتخذت من التسول الإلكتروني عملا مدرا للدخل لتحقيق الثراء على حساب عائلات فقيرة متعففة
مناشدات ونداءات استغاثة لمساعدة فقراء ومرضى وتمويل برامج ومشاريع إنسانية.. ظاهرة امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي في قطاع غزة، واستغلها البعض لتحقيق حلم الثراء، حيث يختلط فيها الصدق بالتضليل.
من وراء تلك المناشدات؟ وهل هي نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي؟ أم محاولة للوصول للثراء السريع؟ جملة من التساؤلات حملتها "العين الإخبارية" لتفتح ملف التسول الإلكتروني في قطاع غزة عبر هذا التحقيق..
مناشدات للتسول
رائد العطل، الناشط الفلسطيني المقيم في لندن، والذي عرف بانتقاده لأداء سلطات حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007، لفت الانتباه إلى تنامي ظاهرة المناشدات عبر منصات التواصل الاجتماعي وانخراط أطراف عديدة فيها، يغلب عليها التحرك الفردي غير المؤسسي، مع غياب الرقابة، رغم المؤشرات عن جمع مبالغ طائلة وسط شكوك في وصولها لمستحقيها.
ونجح العطل في نشر أسماء العديد من القائمين وراء هذه المناشدات، وانضم له نشطاء نشروا المزيد من المعلومات، التي أظهرت أن الأمر يبدو أقرب إلى مافيا تسول إلكتروني، تستغل الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة الذي وصلت فيه نسبة الفقر إلى أكثر من 70%.
وقال: "معظم المتسولين الذي كشفناهم أو نشرنا عنهم كانوا يبدأون حديثهم مع الضحايا المتبرعين بهده الجملة كمضمون لإقناعهم وخداعهم: أنا لست جمعية خيرية ولا مؤسسة حكومية ولا أسرق مثل الجمعيات والمؤسسات..أنا مجرد وسيط أو مبادرة أو فريق ... وأموالكم ستذهب الى أيد أمينة وسنوثق لكم كل شيء”
غزة تحارب الفساد
وأطلق نشطاء صفحة متخصصة تحت اسم "غزة تحارب الفساد" نشرت عشرات الوثائق والنماذج عن حالات التسول الإلكتروني وانخراط أشخاص كثيرين فيها، بما في ذلك أعضاء من الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، وأن بعض الذين انخرطوا في حملات التسول الإلكتروني حققوا ثراء مفاجئا.
وتعهدت الصفحة بأنها لن تتوانى عن كشف أسماء المتسولين للجمهور بغرض القضاء على هذه الظاهرة ومحاسبة الفاعلين اجتماعيا أمام الناس حتى يرتدعوا ويتوقفوا أو يأخذ القانون مجراه.
نماذج من الاحتيال
فادي شناعة (36 عاما) مصور في وكالة أنباء دولية روى لـ"العين الإخبارية" تجربتهم في تشكيل اللجنة التنسيقية للمبادرات الخيرية وانضوى تحتها 35 مبادرة فاعلة على مستوى قطاع غزة.
وأوضح أن هذه المبادرة هدفت إلى تنظيم العمل الإغاثي والخيري في غزة، والحد من التسول الإلكتروني المسيء لصورة غزة وكرامتها، والهدف الثالث إعادة الثقة للمتبرعين الخارجيين بغزة.
وقال: "نحن لمسنا اهتزاز ثقة المتبرعين الأفراد من الخارج بغزة بعد سلسلة حالات اكتشف المتبرعون أنها تصل لغير مستحقيها ممن يمتهنون التسول باستخدام التكنولوجيا وبدعم من قصص كاذبة وتقارير رسمية مزورة".
واستعرض نماذج من الاحتيال الجارية؛ منها تسجيل كفالات باسم أطفال وهم ليسوا أيتاما، بل اعتمد المتسولون على تزوير الأوراق، إلى جانب الادعاء بوجود مرضى من أطفالهم ويحتاجون علاجا ودواء مرتفع الثمن ويدعمون كلامهم بتقارير رسمية تبين فيما بعد أنها مزورة.
وأضاف: "اكتشفنا عند التقصي عن بعض الحالات التي تتلقى إعانات مالية من الخارج أن وضعها ميسور ولا تستحق الإعانة، وأن هناك عائلات فقيرة تمتهن التسول الإلكتروني وتدخل عبر وسائل التواصل لمتبرع بعدة أسماء، وهناك من لديهم دخل من موارد عدة لكن اكتشفنا ممارستهم التسول الإلكتروني".
أشكال التسول
وتتنوع أشكال التسول، ولكن يغلب عليها استثارة العواطف لمساعدة عائلة فقيرة لا تجد مأوى أو معالجة مريض أو معاقين، وغالبا ما ترفق تسجيلات فيديو، وتنشر تقارير طبية بعضها مزور.
وضمن حالات التسول كشف النقاب عن قيام شركة صرافة محلية بتزويد نشطاء معروفين بإدارة عمليات التسول بأسماء شخصيات متبرعة أو اعتادت على تحويل أموال لغزة بهدف التواصل معهم واستعطافهم.
ويلجأ البعض إلى إجراء اتصالات عشوائية على أرقام هواتف في الخليج، أو مراسلة شخصيات مشهورة عبر منصات التواصل الاجتماعي لطلب مساعدات مستغلين وضع غزة والتعاطف العربي مع القضية الفلسطينية.
تداعيات الحصار
ويوضح الدكتور فضل المزيني، الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن الحصار على غزة منذ 14 عاما والانقسام لهما تداعيات على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأضاف أن الأوضاع تتدهور أكثر عاما بعد عام واليوم هناك وضع كارثي إذ ارتفعت نسبة البطالة لـ55 %، و80% من عائلات غزة يتلقون مساعدات إنسانية.
وأشار إلى أن هناك عائلات اتخذت من التسول الإلكتروني عملا مدرا للدخل لتحقيق الثراء وهذا على حساب عائلات فقيرة متعففة ترفض القيام بذلك.
مهنة التسول
من جهته يقول الدكتور درداح الشاعر، أستاذ علم النفس فى جامعة الأقصى، لـ"العين الإخبارية": "التسول ظاهرة لا أخلاقية ولا حضارية ولا قيمية.. وأينما وجد التسول في مجتمع فهو يدل على الانهيار الأخلاقي والاجتماعي والقيمي في المجتمع.. وعندما يتحلل الإنسان من الأخلاق والقيم يصبح وبالا وخطرا على المجتمع".
وأكد: "التسول تحول عند البعض إلى مهنة يتكسب البعض منها بدون جهد، فعندما تخير متسولا بين مساعدة غذائية قيمة ومبلغ مالي قيمته أقل من ثمن المساعدة الغذائية فإنه يذهب للمساعدة المالية فورا وهنا الخطورة أن التسول بات يعطل القوى العاملة الشابة لأنه بات في معتقدهم أسهل في توفير المال من العمل بيديه".
ظاهرة خطيرة
وقال الدكتور سلامة زعيتر، المسؤول بالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إن التسول ظاهرة تطورت مع تطور الحياة والتقنيات الحديثة، وبات ينشط مع تطور الفضاء الإلكتروني.
وينشط التسول – وفق زعيتر- في المجتمعات الأكثر فقرا وحاجة، مبينا أن الفئات الهشة في غزة تصل لـ70% والبطالة بين الشباب تتعدى 66% وبين النساء تتجاوز 78%.
وأضاف زعيتر لـ"العين الإخبارية": "كل سنة تضخ الجامعات أكثر من 40 ألف خريج بغزة حتى بات هناك 260 ألف عاطل عن العمل بغزة من بين 420 ألف عاطل في فلسطين، وقدرة سوق العمل لا يزيد استيعابها على 12%".
وأكد أن الأكثر خطورة أن بعض الشباب ممن لم يجدوا عملا وفقدوا الأمل في أي فرصة عمل لم يجدوا حرجا في التواصل عبر الفضاء الإلكتروني وأن يطلبوا مباشرة من الآخرين مساعدتهم.
تجريم قانوني
ويؤكد المحامي زياد النجار، أمين سر نقابة المحامين الفلسطينينن، لـ"العين الإخبارية" أن قانون العقوبات المطبق في فلسطين يجرّم التسوّل في المادة رقم (139)، مخصصًا فيها كل من استعطى، أو طلب الصدقة من الناس، متذرعًا بعرض جروحه أو عاهة فيه، أو بأي وسيلة أخرى، سواء أكان متجولًا أم جالسًا في محل عام، أو وُجد يقود ولدًا دون الـ16 من عمره، للتسول وجمع الصدقات أو شجعه على ذلك.
وقال: "هناك متابعة في غزة لكن ليس بالشكل المطلوب وذلك بسبب نقص الرقابة ما يؤدي لإفلات غالبية المتسولين إلكترونيا من العقاب".
وأضاف "يجب أن يكون في غزة نيابة جرائم إلكترونية لأن وجودها بكل تأكيد سيحد من هذه الجرائم.. وعدم وجودها في غزة خلل وعلى السلطة القائمة أن تعالج هذا الأمر ولا تتذرع بنقص الموارد.. لأن استمرار التسول الإلكتروني يعتدي على القانون ويسيء لكرامة الشعب الفلسطيني".