في عهد الملك سلمان تغيّرت أدوات الحرب على الإرهاب؛ فلم يعد الخطاب كافياً بلا فعل استباقي للمواجهة.
التحولات الفكرية التي مرّ بها المجتمع السعودي منذ عام 1979، تشكّلت معها صورة نمطية عن واقع لم يمكن مبرراً، حيث نشطت جماعات الإسلام السياسي في تجذير مفاهيمها، وتجنيد أتباعها، وصناعة خطابها المتشدد والمنغلق ليس وصفاً أو نقداً ولكن أيضاً مواجهة مع كل رأي يخالف فكرها، أو ردود فعلها، وبالتالي تم اختطاف المجتمع في مشروع فكري صحوي إقصائي على مدى ثلاثة عقود.
برزت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في المشهد السعودي، وتحديداً بعد الغزو السوفيتي في أفغانستان، ثم دخلت الحركة ورموزها في حالة تشطي أمام النظام السياسي بعد أزمة الخليج الثانية، البعض منها سلك العمل المسلح كما فعل أسامة بن لادن في تنظيم القاعدة، بينما فضّل الكثيرون مهادنة السلطة والاحتفاظ بمنهجهم الخفي، ومواصلة نضالهم الفكري داخل المؤسسات وأبرزها التعليم.
اليوم تغيّرت صورة المملكة في عيون العالم، فلم يعد الحديث عن السعودية مرتبطاً بالإرهاب أو التطرف، وإنما حديث عن الانفتاح، وحقوق المرأة، ومحاربة الفساد، والاستثمار، والحياة الطبيعية التي يعيشها المجتمع، إلى جانب استثمار رأس المال البشري وتحديداً من الشباب
كانت حادثة العليا 1995 بداية معلنة للإرهاب في السعودية، تبعها زلزال الحادي عشر من سبتمبر؛ حين كان 15 سعودياً أدوات لتنفيذ مخطط النيل من السعودية قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ثم نشطت المواجهات الأمنية مع تنظيم القاعدة بين العامين 2003 و2006، وجاء «داعش» على أنقاض الثورات العربية ليكمل المشهد الدموي.
كل تلك الأحداث التاريخية، وخلفياتها الفكرية المؤدلجة والعابرة للحدود أثرت على صورة المملكة في الخارج، وتحديداً في دوائر صناعة القرار العالمي ووسائل الإعلام، وبدأ الحديث عن التشدد والإرهاب وربطها ظلماً بالمملكة، رغم المواقف السياسية المعلنة في الحرب على الإرهاب، ومواجهته على الأرض، وتحمّل تبعاته، وتعرية منطلقاته، وإعلان قوائمه، ولكن مع كل ما بُذل من جهود كانت المملكة بحاجة إلى فعل سياسي يغيّر تلك الصورة التي أراد لها أعداء المملكة أن تكون وسيلة للاتهام، والمساومة والابتزاز، وإعاقة أي حراك تقدمي نحو التغيير.
في عهد الملك سلمان تغيّرت أدوات الحرب على الإرهاب؛ فلم يعد الخطاب كافياً بلا فعل استباقي للمواجهة، حيث كان الانفتاح المجتمعي أحد أهم أدوات تغيير الصورة، والرؤية الوطنية الطموحة 2030 ركيزة التغيير نحو المستقبل، إلى جانب الحزم في اجتثاث كل الأفكار المتطرفة، وملاحقة فلولها بقوة وهيبة النظام والدولة، حيث تساقطت الأدوات وبالتالي سقط الفكر الذي كان يغذيها، وتراجعت الدول التي تدعمها وعلى رأسها إيران وقطر.
اليوم تغيّرت صورة المملكة في عيون العالم، فلم يعد الحديث عن السعودية مرتبطاً بالإرهاب أو التطرف، وإنما حديث عن الانفتاح، وحقوق المرأة، ومحاربة الفساد، والاستثمار، والحياة الطبيعية التي يعيشها المجتمع، إلى جانب استثمار رأس المال البشري وتحديداً من الشباب في رسم خارطة الوطن المستقبلية.
الإرهاب والتطرف اللذان عانت منهما المملكة أصبحا من الماضي، ولا نريد العودة إلى تلك الحقبة، أو التعبير عنها، أو حتى المقارنة معها، ويفترض من مؤسسات المجتمع تجاهلها تماماً، وعدم الخوض فيها في أي ممارسة علمية أو إعلامية.
نريد اليوم أن نتحدث عن نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، وصندوق الاستثمارات العامة، والشركات العالمية التي تستثمر في السوق.. نريد فعلاً أن نهزم الإرهاب والتطرف بحضارتنا السعودية الجديدة.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة