إن كان أحد يظن أن الاحتلال الإسرائيلي ينوي أن يعيش بسلام بيننا فإن ما ارتكبه بحق الفلسطينيين العزل يثبت أنه لا يعرف للسلام معنى.
إن كان أحد يظن أن الاحتلال الإسرائيلي ينوي أن يعيش بسلام بيننا فإن ما ارتكبه بحق المتظاهرين الفلسطينيين العزل في غزة وفي مختلف مدن فلسطين من قتل وإصابات يثبت أنه لا يعرف للسلام معنى.. كنت أظن أن حل الدولتين الذي قبلت به فلسطين وقبل به العالم بأسره ستجد فيه هذه الدويلة المارقة حلاً يقنعها لإلقاء السلاح، وتشارك الأرض - على الرغم من أن صاحب الأرض مرغم على قبول ذلك- كنت أظن أن الفلسطينيين سينالون حقوقهم بقوة القانون الدولي وإن تحقق ذلك ببطء.. لكن يبدو أن كل الحسابات والتوقعات ستكون نوعاً من العبث لمجرد تخيلها، فالقانون الدولي بات منتهكاً وبالياً وعديم الجدوى.. بات كما القطع الفخارية أو الزجاجية، جميلة الشكل لكنها سهلة الكسر - وليس الانكسار- كذلك القانون الدولي لن ينكسر وحده بل سيكسره من يريد من ومتى يريد، أو أنه سيظل مجرد عبء على الورق الذي كتب عليه، وما فشل مجلس الأمن في صياغة بيان من صفحة واحدة يدين جرائم المحتل التي ارتكبها بتلك الدموية في مسيرة العودة الكبرى في غزة مؤخراً إلا أحد الأمثلة على عدم جدواها بهذه الهيكلية المتهالكة. وهذه رسالة تحمل دعوة مفتوحة ومتجددة لإعادة النظر في قانون حماية العالم.
ما قام به الشارع الفلسطيني في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض من حشد مبهر بطرق مبتكرة وغير مسبوقة كان محملاً بالعديد من الرسائل، وأهمها كان موجهاً لقياداته السياسية التي تمثله.
حتى يثبت لكم ما أطرحه لنتابع سوياً كيف سيتفاعل العالم مع طلب أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، إجراء تحقيق مستقل فيما ارتكبه المحتل بحق المحتجين الفلسطينيين العزل في ذكرى يوم الأرض، وحتى أكون منصفاً سأحاول تكهن سيناريو لما سيحدث.. في أفضل الأحوال سيصوت مجلس الأمن على مشروع قرار يدين جرائم دويلة الاحتلال، ربما لن يمتنع أحد عن التصويت بالإدانة - ولست واثقاً جداً من موقف واشنطن إن كانت ستمضي في مسلسل استعدائها للجميع أم أن أنها ستشعر بحرج وتمتنع عن التصويت على الأقل - لأن ما أقدمت عليه قوات الاحتلال هذه المرة تسبب في قتل 16 فلسطينياً وجرح المئات في سويعات، دون أن تنطلق رصاصة واحدة من جانب الفلسطينيين، وليست هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها المحتل النار على المحتجين الفلسطينيين العزل، لكن حصيلة الشهداء والجرحى غير مسبوقة وتبعث برسالة للفلسطينيين والعرب والعالم مفادها أنه - ما عادت تفرق معانا وأعلى ما في خيلكم اركبوه - وفي هذا رسالة مفادها أن القادم أعظم أو -لسا ما شفتوا شيء-
"والله العظيم" لا يوجد لها أي تفسير سوى هذا التفسير.. فحين كانت الفصائل المسلحة تتبنى أي تصعيد كانت ترد سلطات الاحتلال بمعاقبة المدنيين بالقتل بشتى الطرق كنوع من أنواع الضغط الرخيص حتى يضغطوا بدورهم على الفصائل لتمتنع عن أي تصعيد، وحين يطرح الأمر في مجلس الأمن، كانت وما زالت تسارع الإدارات الأمريكية منذ عهد كلينتون وحتى يومنا هذا إلى التصويت بـ"لا" لإبطال عملية التصويت برمتها وحماية ربيبتها المحتلة بالحق الذي منحه إياها "القانون الدولي"، الذي بات مثالياً وفاعلاً في تبرئة الجلاد وإدانة الضحية.. وهذا ما يحتمل حدوثه هذه المرة أيضاً كسابقاتها، اللهم إلا إن قرر أبناء العم سام أن يحترمهم العالم وأمروا من تمثلهم في المجلس الأمن بألا توقعهم في ورطة مع الحلفاء والأصدقاء، وحينها سنعرف جميعاً إن كان القرار الرسمي الأمريكي ما زال رهينة رجال المال والأعمال الصهاينة أم أن شيئاً تغير.
ما قام به الشارع الفلسطيني في الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض من حشد مبهر بطرق مبتكرة وغير مسبوقة كان محملاً بالعديد من الرسائل، وأهمها كان موجهاً لقيادته السياسية التي تمثله وهي السلطة الفلسطينية والرئاسة، مفادها أننا قمنا بما علينا وامتثلنا لما طلب منا من التزام بالسلمية وثبت للجميع أن المحتل لا يعرف معنى من معاني السلم، فعليكم أن ترفعوا سقف التظلم والمطالبة بكل الحقوق وليس بعضها وعلى رأس ذلك حق العودة وحق بناء جيش للدولة يحميها من بطش المحتل وهذا ليس بالمعجز، وتحقيقه أسرع من الاستجابة لطلب الحماية الدولية في إطار هذا القانون البالي.. ويمكن أن يطرح ذلك في إطار حملة ضغط عربية ودولية جديدة في شكل قرار بقانون جديد يتم التصويت عليه لنرى أيضاً كيف سيتصرف صناع القانون الدولي تجاه طلب مماثل في ظروف مماثلة.
قبل الانتهاء من كتابة هذا المقال بدأ السيناريو الذي تخيلته في التشكل بطريقة دراماتيكية تحمل قدراً كبيراً من الكوميديا، ففي رد فعل على جلسة مجلس الأمن التي انعقدت بطلب من ممثل المجموعة العربية - الكويت - لتقديم إفادة للمجلس بشأن الأحداث الدامية في غزة، دعت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية الأطراف المعنية بأحداث غزة إلى التهدئة!! وكأن الأمر تصعيداً من أطراف متعادلة وتبادل في استخدام قوة متكافئة.. ولكن على الرغم من أنه تصريح يساوي بين الضحية والجلاد ويتجرد من كل معاني الإنسانية ويراد منه إرضاء الجميع مرحلياً، إلا أنه تحرُك يشير إلى أن الحليف القوي لدولة الاحتلال بات يشعر بشيء من الحرج من دعمه اللامتناهي للمحتل أمام العالم، فسارع بتصريح مباغت حتى يتجنب ضغطاً دولياً مشابهاً لما حدث في ملف نقل السفارة، وهذا في حد ذاته يمثل رسالة مستقلة مفادها أن الطريق سالك لمن يريد أن يغير قواعد اللعبة الدولية دبلوماسياً وسياسياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة