مرحلة جديدة ستمر بها المنطقة العربية وستبدأ بالملف الفلسطيني وبالضرورة ستمر بالملفات العربية الأخرى في حال نجاح المخطط الأمريكي.
بصرف النظر عن ردود الفعل العربية من جولة المبعوثين الأمريكيين جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والموفد الأمريكي الخاص لشؤون المفاوضات جيسون جرينبلات، لكل من الأردن ومصر وقطر والسعودية، بالإضافة إلى إسرائيل، فإن ثمة معطيات جديدة باتت تفرض نفسها على المهمة الراهنة والمتوقعة، التي يخطط لها فريق كامل من داخل وخارج البيت الأبيض، ومن خلال عدد من خبراء الصراع العربي الإسرائيلي، وشؤون الشرق الأوسط في عدد من مراكز وبيوت الخبرة والدراسات في الولايات المتحدة، وعلى رأسها بروكينجز وسابان والشرق الأدنى، والمعنى أننا أمام مشروع متكامل لترسيم الأوضاع في الشرق الأوسط بأكمله، وليس الأراضي الفلسطينية فقط.
الجانب الأمريكي سيستمر في طرح الخيارات والبدائل، وبصورة عاجلة ولن يكتفي بالانتظار للقبول، والدعم العربي المنشود أمريكيا، خاصة أن الإدارة الأمريكية متعجلة في تحقيق المخطط داخل قطاع غزة أولا ولن تتوانى عن تحريك المشهد من داخل الضفة الغربية عند الضرورة
أولا: لم تكن الإدارة الأمريكية في حاجة للإعلان عن نصوص بنود للمشروع الأمريكي والتوقيتات الزمنية لبدء المشروع الأمريكي رسميا، فقد بدأ بالفعل بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنفيذ مخطط نقل السفارة الأمريكية للقدس وتصفية وكالة الأنروا في غزة، بالإضافة للقطع التدريجي للمساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، وحصار الرئيس محمود عباس ودفعه إلى دائرة ضيقة، وهو ما يشير مسبقا إلى المخطط الأمريكي الموضوع سلفا، الذي بدأ منذ عدة أشهر ولم يكن في حاجة إلى إعلان كامل ورسمي للبدء في تنفيذ الصفقة بالمنطق الأمريكي أو ترتيب الحسابات الأمريكية وفق خيار المكسب والخسارة، وبالتالي فإن الزيارة الأخيرة للمبعوثين الأمريكيين للشرق الأوسط ليس للإعلان عن توقيت بدء تنفيذ الخطة، والحصول على الدعم العربي المنشود للصفقة، وإنما لإحاطة الجانب العربي كل في نطاقه بتفاصيل ما يُجرى ويخطط في ظل المسعى الأمريكي للحصول على موافقات مبدئية في نقاط تتعلق بخطوات التنفيذ التي تتم بالفعل في الأراضي العربية المحتلة، وبدأت في القدس تحديدا، وستمر إلى قطاع غزة في إطار بناء هندسي وديموجرافي جديد للقضية الفلسطينية.
ثانيا: ليست القضية -كما قد يتصور البعض- قبول أو رفض بعض الأفكار الأمريكية المطروحة والتي تدور في سياقات تتعلق بالوجود الأمني الإسرائيلي في غور الأردن، وإجراءات لنقل صلاحيات منقوصة إلى الجانب الفلسطيني بمقتضى اتفاقية أوسلو والقبول بأبو ديس أو العيساوية، وهما ضاحيتان في القدس الشرقية لتكون البديل العملي لعاصمة الدولة الفلسطينية المقترحة، والتي لن تكون لها صلاحيات الدولة بالمعنى المعلوم في القانون الدولي العام، وإنما الحديث الأمريكي الإسرائيلي يرتبط بالأساس بالشروع قدما في تقديم خطوات التنفيذ المنشودة إجرائيا وعمليا، وهو ما يجري على قدم وساق داخل الأراضي المحتلة، واستثمارا للدعم الأمريكي غير المسبوق، وتحتاج الإدارة الأمريكية إلى خطوات دعم لتنفيذ المقترح، وهو ما بحث جديا من خلال الاتصالات الأمريكية مع بعض الأطراف العربية، التي لم تفاجأ بالطرح الأمريكي في مضمونه، فهو معلوم لنا منذ عدة أشهر، بل ووصلتنا بنود وعناصر التسوية الأمريكية من مصادرها الأصلية وأخضعناها للتحليل والمراجعة والتقييم، ولهذا كان الجانب الفلسطيني محقا عندما رفض الطرح الأمريكي بأكمله قبل أن يعلن رسميا، وكان السؤال المطروح الذي توجه به إلى مسؤول فلسطيني كبير لماذا تتمهل بل وتتباطأ الإدارة الأمريكية في الإعلان الرسمي عن الصفقة، وكانت الإجابة المباشرة للقيادي الفلسطيني، والذي سبق وأن كان مشاركا معنا في المفاوضات العربية الإسرائيلية في حقبة التسعينيات .
إن الإدارة تريد توظيف المشهد العربي الراهن ودور كل دولة عربية في تنفيذ جزء من المخطط الأمريكي، مع التأكيد على وجود ما يعرف بقائمة التحفيز لكل طرف عربي مشارك، وكل على حدة.
ثالثا: لم يعمل الجانب الأمريكي –كما هو واضح– في اتجاه واحد، بل في عدة مسارات، ولهذا لم يكن غريبا أن تخطط الإدارة الأمريكية للبدائل غير المعلنة للصفقة، والتي تركز على إجراءات تنفيذية وتدابير حاسمة، ومنها ما تم كشفه من العمل من داخل قطاع غزة أولا ورفع شعار القطاع قبل الضفة، ومن خلال مدخل يمكن قبوله بالفعل وبدون أي تحفظات، وهو البعد الإنساني وإعادة تأهيل القطاع بالفعل عبر مشروعات متعددة تتعلق بتوفير الطاقة والكهرباء والمياه وفرص العمل والإعاشة والانتقالات من داخل القطاع إلى خارجه مع رفع تدريجي لحالة الحصار والتأكيد على سياسة الوضع الراهن، وتثبيت حالة الهدنة لإعطاء الفرصة للبدء في مشروعات ممتدة بدلا من توقع حالة الانفجار الوشيك، وهو الأمر الذي يؤكد المنظور الأمريكي الإسرائيلي للحل العاجل، ومن زاوية مقبولة على أن تتوافر عمليات التمويل التي ستشارك فيها دول عربية وأوروبية ومؤسسات مانحة ومنظمات دولية، ومجمل هذا الأمر أن الإدارة الأمريكية في حال تأجيلها للإعلان رسميا عن التسوية، فإنها ستبدأ على أرض الواقع في تنفيذ بعض البنود المقترحة دون إعلان رسمي، وهو ما سيعطي الفرصة بالفعل لإعادة تشكيل مناخ حقيقي داعم للمخطط الأمريكي الإسرائيلي، الذي يحظى بقبول أوروبي كامل، ومن ثم لا رهان على أي فشل متوقع، خاصة أن البدء بالقطاع يعني ويستهدف بالأساس حياة سكان القطاع الذين يعانون حالة الحصار منذ سنوات ما بعد انقلاب حركة حماس على السلطة، والانفراد بحكم القطاع ورفض أي خطوات لاستكمال مشروع المصالحة، وتعثره نتيجة لتحفظات الحركة ومخططها للاستمرار في إدارة شؤون القطاع، وهو ما ردت عليه السلطة الفلسطينية باستمرار فرض الإجراءات العقابية على القطاع بأكمله.
رابعا: إن بدائل الصفقة الأمريكية ليست في حاجة لمخطط تنفيذي معلن، فقد سعت الإدارة الأمريكية للتأكيد على استيفاء خطواتها عبر الاتصالات والزيارات والجولة الأخيرة لمبعوثيها، ومن ثم فإن الجانب العربي عليه أن يعيد التنسيق السياسي والاستراتيجي إلى دائرة جدية مثلما يجري الآن فلسطينيا وأردنيا ومن خلال خطوات جادة لمنع حدوث أي اختراق أمريكي أو إسرائيلي للموقف الفلسطيني، كما أن زيارة الملك عبد الله الثاني لواشنطن –وبعيدا عن أبعادها الأخرى المتعلقة بالسعي الأردني للحصول على مساعدات اقتصادية عاجلة، وحسم الموقف في الجنوب السوري بما لا يؤثر على الداخل الأردني المثقل بالكثير من التبعات- فإن الأردن يعمل على تقليل تداعيات تنفيذ المخطط الأمريكي في قطاع غزة؛ لأنه ستكون له تكلفة حقيقية ستدفعها السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة، إذ ستتضح المخاوف الفلسطينية من بدء فصل القطاع ديموجرافيا وسياسيا وإداريا عن الضفة الغربية، فيما يعرف بالبدء في تنفيذ مخطط الدولة من غزة أولا على أن تلحق بها مناطق في الضفة الغربية لاحقا عندما تتغير ظروف ومعطيات الداخل الفلسطيني ورحيل القيادة الفلسطينية أو تفكك مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، ولعل تصريح القيادي في حركة حماس عزيز الدويك بأنه سيكون الرئيس القادم بعد الرئيس محمود عباس -بمقتضى النظام الأساسي الفلسطيني- يشير إلى وجود توجه لدى قيادات حركة حماس للانطلاق نحو التجاوب مع المخطط الأمريكي الإسرائيلي ما دام يخدم الوجود الحالي لحركة حماس في قطاع غزة، ومقابل رفع حالة الحصار المفروض على القطاع.
خامسا: إن مخاوف اليوم التالي في تنفيذ المخطط الأمريكي في الداخل الفلسطيني سواء بالبدء من قطاع غزة أولا ستكون كبيرة في ظل المرحلة الانتقالية الحالية التي يمر بها الجانب الفلسطيني، خاصة مع تخطيط القيادة الفلسطينية لنقل الملف الفلسطيني للواجهة الدولية في الفترة المقبلة، والعمل على الحصول مجددا على قرار بوضع الأراضي العربية المحتلة تحت الحماية الدولية، وفرض استراتيجية الائتمان الدولي على الضفة الغربية والقطاع، وهو الأمر الذي ستقف أمامه الولايات المتحدة وستمنع حدوثه، ما سيدفع الجانب الفلسطيني للعودة إلى الجمعية العامة للحصول مجددا على قرار له صفة الإلزام (متحدون من أجل السلام) لتنفيذ ذلك، والمعنى هنا أن الجانب الفلسطيني لن يتوقف متلقيا للمقترح، أو للصفقة الأمريكية دون أن يحرك لها ساكنا بالمعنى المعروف، خاصة أنه ضمن المخطط الأمريكي تدعيم قيادة بديلة للقيادة الفلسطينية، وعدم الانتظار لليوم التالي لرحيل أو بقاء الرئيس محمود عباس في موقعه، وهو ما يفسر الانفتاح الراهن والجاري في دوائر محددة على قيادات فلسطينية كبيرة تعيش في واشنطن، وفي أوساط أوروبية لتشكيل ما يعرف بالقيادة الجماعية أو الانفتاح على قيادات من داخل صف تيار الإصلاح من داخل حركة فتح، وبالتالي فإن الجانب الأمريكي سيستمر في طرح الخيارات والبدائل، وبصورة عاجلة ولن يكتفي بالانتظار للقبول، والدعم العربي المنشود أمريكيا، خاصة أن الإدارة الأمريكية متعجلة في تحقيق المخطط داخل قطاع غزة أولا ولن تتوانى عن تحريك المشهد من داخل الضفة الغربية عند الضرورة، اعتمادا على استراتيجية دفع السلطة الفلسطينية لحافة الهاوية عند الضرورة، وهو ما يجري وبصورة ممنهجة إزاء السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن وسيستمر.
مرحلة جديدة ستمر بها المنطقة العربية وستبدأ بالملف الفلسطيني وبالضرورة ستمر بالملفات العربية الأخرى في حال نجاح المخطط الأمريكي في تحريك المشهد الفلسطيني، وهو ما سيمتد إلى الملفين السوري والليبي، وملفات أخرى، وليس شرطا أن تتم تسويات كاملة، بل ستكون بالأساس تسويات ناقصة وفي اتجاه واحد، ومن خلال إجراءات انفرادية لا تضع للحقوق والمعطيات ووقائع التاريخ أي اعتبارات حقيقية قابلة للتنفيذ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة