التبرع بالأعضاء في مصر.. كيف اتفق الأزهر والإفتاء على مخالفة الشعراوي؟
وثقت سيدة مصرية، أول توكيل رسمي للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، وهو ما فتح مجددًا الباب أمام مشروعية نقل الأعضاء.
مشروعية التبرع بالأعضاء، جدل قديم متجدد، بدأ في مصر منذ السبعينيات، واستمر حتى الوقت الراهن، وخلال حوالي 4 عقود، كان هناك خلاف بين المؤسسات الرسمية التي أباحت التبرع أو النقل بضوابط، وبين بعض العلماء الذين رفضوه، واعتبروه مخالفة وتعدٍ على خلق الله.
جاد الحق يفتح الملف
مفتي مصر الأسبق، والذي أصبح لاحقًا شيخًا للأزهر، الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، أطلق أول فتوى رسمية في 5 /12 /1979 حول نقل الأعضاء، قال فيها إنه يجوز نقل عضو أو جزء عضو من إنسان حي متبرع لوضعه في جسم إنسان، مؤكدًا أن الإنسان لديه ولاية من الخالق على أعضائه، ويمكن لوليُّه التصرف لإنقاذ حياة شخص آخر.
وأضاف جاد الحق في فتواه أنه يجوز أيضًا قطع العضو أو جزئه من الميت إذا أوصى بذلك قبل وفاته، أو بموافقة عصبته، وهذا إذا كانت شخصيته وأسرته معروفة، وإلا فبإذن النيابة العامة.
الشعراوي يعترض
دخل في خط الجدل، وزير الأوقاف الراحل، الشيخ محمد متولي الشعراوي، فقال إن أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، وأنه أمانة عليه إيصالها لخالقها كما هي.
واستدل الشعراوي، في فيديو شهير، بقوله "لو أن الإنسان ملك ذاته وأبعاضه ليتصرف فيها لما حرم الله الجنة على المنتحر، فلا يأخذ الحياة إلا من يملكها".
وهاجم الشعراوي الذين "يخلعون عينا ليضعوها في إنسان، ويخلعون كلية ليضعوها في إنسان، ويخلعون طرفا ليضعوه في إنسان، متبرعين بها دون مقابل"، قائلاً: بعدم جواز التبرع ولا الشراء لأن التبرع بالشيء فرع الملكية له، وبيع الشيء فرع الملكية له، وما دمت لا تملك ذاتك، ولا أبعاضك فلا يصح أن تتصرف فيها لا بالتبرع ولا بالبيع.
وتشدد الشعراوي في فتواه، حتى قال إن التبرع بالأعضاء "كفر بالله"، لأن ذلك يتعارض مع تكريم الله لبني آدم.
طنطاوي يتبرع بنفسه
تسببت فتوى الشعراوي الشهرية في تردد الكثير من المصريين في التبرع بالأعضاء، فقام شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي بإقرار التبرع، لكن بأسلوب فريد لم تعهده المؤسسات الدينية في مصر.
قام طنطاوي في 2009 بإعلان تبرعه بقرنية عينه بعد وفاته، وذلك خلال مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، مؤكدًا أن نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفي حديثًا إلى آخر حي، محلل شرعًا.
ثم أصدر مجموع البحوث الإسلامية، التابع لمشيخة الأزهر، في 2009، بيانًا أجاز فيه التبرع بالأعضاء للمتوفى، وهو البيان الذي فتح الباب أمام إصدار القانون رقم 5 لسنة 2010، الخاص بالتبرع ونقل الأعضاء.
جريمة تستوجب القصاص
تبنى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، موقف الشعراوي، وأكد مرارًا في القنوات الفضائية وفي تصريحاته للصحف المصرية، على عدم جواز التبرع بالأعضاء البشرية من أحياء إلى الأحياء أو من موتى إلى أحياء، مؤكدًا أنه ممنوع وحرام ومخالف للشريعة الإسلامية.
وموافقًا للشعراوي، قال كريمة إن الإنسان لا يملك جسده ولا يملك التصرف فيه، وعقود التبرع بالأعضاء هي باطلة لأن جسد الإنسان ملك لله وحده، وأضاف أن الموت الإكلينيكي ليس موتًا شرعيًا، وبالتالي نزع أي عضو من جسد الإنسان المتوفي يعتبر جناية يستحق فاعلها القصاص، امتثالاً لحديث النبي: "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا".
موقف دار الإفتاء
من جانبها ردت دار الإفتاء المصرية، من خلال المفتي شوقي علام، قائلة إن نقل الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي، جائزاً شرعًا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تباع وتشترى.
واعتبرت الدار نقل الأعضاء من باب إحياء النفس الوارد في قوله تعالى: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾، ومن باب التضحية والإيثار أيضا اللذين أمر الله تعالى بهما، وحث عليهما في قوله سبحانه: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾.
ووضعت دار الإفتاء، شروطا للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ومن بينها: أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته موتا شرعيا، بتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفا تاما تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى، ورفضت اعتبار الموت الإلكينيكي موتًا، لأنه لا يعد موتا شرعا، لبقاء بعض أجهزة الجسم حية، وأوكلت حسم هذه القضية للجنة طبية ثلاثية يعينها وزير الصحة، كما نص قانون التبرع بالأعضاء.