"أم المعارك" على أوسكار أفضل ممثل رئيسي
دخول كريستان بيل ورامي مالك دائرة المنافسة على لقب أوسكار أفضل ممثل مسألة معقدة، ولا سيما عندما يتطلب الأمر التوقع أي منهما سينال اللقب
على الرغم من أن قائمة المرشحين لأوسكار أفضل ممثل بدور رئيسي في عام 2018 تضم 5 أسماء، فإن التوقعات تكاد تنحصر في نجم فيلم "Bohemian Rhapsody" رامي مالك، وبطل فيلم "Vice" كريستان بيل، من دون أن يعني ذلك أن الاثنين لن يلقيا منافسة من الثلاثة الآخرين، ولا سيما أن في جعبة كل منهم رصيداً فنياً كبيراً في الأوسكار، فترشيح برادلي كوبر نجم فيلم "A Star Is Born" هو الخامس في تاريخ جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، ويحضر ويليم ديفو عن دوره في "At Eternity's Gate" للمرة الرابعة في قوائم ترشيحات الأوسكار، فيما يسجل فيجو مورتينسن بطل فيلم "Green Book" حضوره المنافس على الأوسكار للمرة الثالثة.
إلا أن "أم المعارك"، إن صح التعبير، للظفر بأوسكار أفضل ممثل بدور رئيسي ستبقى محصورة بين رامي مالك وكريستان بيل مع ترجيح كفة هذا الأخير، إذ يجسد الاثنان معنى أن يكون التمثيل مهنة أساسها الشغف، وكيف يكون رسم الشخصية عملاً شاقاً وممتعاً في الآن نفسه، ولا سيما حين تكون الشخصية حقيقية، يتطلب تجسيدها مقاربتها على المستويين الشكلي والنفسي، وبالتالي لا يكفي الممثل وقتها القراءة الدراماتورجية ليفهم دوره ويمثله، وإنما عليه أن يحيل قراءته تلك إلى سحر في الحضور، وغنى في إبداع الشخصية، وتعدد في أبعادها.
هذا ما فعله رامي مالك حين جسد شخصية المغني الإنجليزي فريدي ميركوري الذي قضى بسبب مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، وكريستان بيل في مقاربته لشخصية ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، إذ اختار الاثنان الاشتغال على شكل الشخصية الحقيقة التي يؤديها كل منهما.
بالنسبة لنجم "الملحمة البوهيمية " فقد وضع شعراً مستعاراً واستعان بالمكياج لتركيب أنف اصطناعي وأسنان، كما تعلم عزف البيانو والغناء وتلقى دروساً في الأداء الحركي للشخصية ليقدمها على نحو عفوي، كما تلقى تدريبات على مخرج الحروف واللهجة كما ينطقها فريدي ميركوري.
أما كريستان بيل فقد دخل في تحد خاص لتجاوز فارق العمر بينه (45 عاماً) وبين النائب تشيني (78 عاماً) وهو ما تطلب منه زيادة وزنه على نحو كبير وبشكل مبهر لا يصدق، كما صبغ حاجبيه باللون الأبيض، وقام بحلاقة شعر رأسه، إضافة إلى خضوعه لنحو خمس ساعات من المكياج اليومي ليقارب شخصية تشيني، وعلى صعيد لغة الجسد تقمص كريستان حركات النائب الأمريكي بشكل كبير ولا سيما في التعبير عن حالته النفسية، وكان واضحاً حرصه على تقمص التفاصيل الصغيرة جداً في الرجل، ومنها على سبيل المثال طريقة تنفسه.
ومع حرص النجمين على هذه المقاربة الشكلية الدقيقة في المظهر والسلوك، بدا الاثنان مهددين بالوقوع في فخ التقليد الذي يواجه عادة أولئك الذين يجسدون الشخصيات الحقيقة، ولكن سرعان ما طفا على السطح اشتغالهما على العوالم الداخلية لشخصيتهما ولا سيما النفسية لتقديم مقترحهما الدرامي الخاص، وقد أبديا شغفا في تجسيدهما كل وفق فهمه لفن الممثل ووعيه للشخصية التي يجسدها.
اعتمد رامي مالك تقنية أداء معروفة لدراسي فنون التمثيل هي "لو" الساحرة، كما يسميها أستاذ الأداء التمثيلي الروسي العالمي قسطنطين ستانسلافسكي، التي كانت كفيلة بأن تجعله يلتقط حقيقة "كيف سوف يشعر"، لو أنه كان فريدي ميركوري بالفعل، وعن ذلك يقول نجم "الملحمة البوهيمية": "كان علي أن أكون فريدي بشكل تلقائي قدر المستطاع. حتى إنني، في أي لحظة، سواء كان مشهداً مستقلاً أو حفلة موسيقية، شعرت كما لو أنه كان موجوداً في جسدي".
بالمقابل عكس أداء كريستان بيل تفهمه لطبيعة شخصية ديك تشيني غير النمطية، بدوافعها وسلوكها، لذلك عمد إلى محاكاة جوهرها أكثر من مظهرها، عبر هارموني منسجم بين أداء من الداخل وآخر من الخارج، للتعبير عن مشاعر وانفعالات الشخصية، وتلك كانت مهمة صعبة، وفق ما يوحي كريستان بيل بكلامه حين قال إنه استعان بالشيطان للخروج بالشكل التمثيلي الذي قدمه لديك تشيني في الفيلم.
في النتيجة نجح الاثنان في تجسيد شخصيتهما بشكل مذهل، فاعتبر النقاد أداء رامي مالك هو الأكثر روعة في فيلم "الملحمة البوهيمية"، فيما قالوا عن كريستان أن الذين لن يحبون الفيلم سيقرون على الأقل بأن أداء بيل أمر استثنائي.
ووفق هذه القاعدة كان دخول الاثنين دائرة المنافسة على الجوائز مسألة معقدة، ولا سيما عندما يتطلب الأمر التوقع أي منهما سينال اللقب الأغلى، أوسكار أفضل ممثل لدور رئيسي.
كانت جوائز غولدن غلوب حسمت المسألة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، حيث نال رامي مالك جائزة أفضل ممثل رئيسي عن فئة الأفلام الدرامية، ونال بيل الجائزة ذاتها عن فئة الأفلام الكوميدية، وسرعان ما قلب رامي التوقعات متفوقاً على منافسيه المرشحين لنيل أوسكار أفضل ممثل، كريستان بيل وبرادلي كوبر وفيغو مورتنسن، حين منحته نقابة الممثلين في الولايات المتحدة الأمريكية "Screen Actors Guild Award"جائزة أفضل ممثل، وهي الجائزة التي عادة ما تعد المؤشر الأقوى لصاحب أوسكار أفضل ممثل، كون الممثلون يشكلون أكبر كتلة تصويت في الأكاديمية، لكن ذلك لا يعني أن الجائزة باتت في جيب رامي مالك، بل حتى الساعة ما زلت مؤمناً أن كريستان بيل هو صاحب الحظ الأوفر بنيل أوسكار أفضل ممثل رئيسي، حتى لو كان ذلك بنسبة ضئيلة أمام منافسه رامي، فقد امتاز عمل كريستان بجنون إبداعي وتفان وبجهد تمثيلي خارق، ولعل هذا الجنون ما يجعله يتفوق على رامي مالك ويتجاوزه لينال الأوسكار الثاني في مشواره الفني.