نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله كان قد حدد قواعد الاشتباك فيما تلا هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأن الضاحية الجنوبية ستقابلها تل أبيب.
جاء هذا بعد أن تعهد زعيم الحزب حسن نصر الله بأن تكون جبهة لبنان جبهة لإسناد الحمساويين في قطاع غزة.
وفي سياق رد إسرائيل تعهّد وزير دفاعها يوآف غالانت أن يعيد لبنان إلى العصر الحجري إن هو تمادى في عملياته الهجومية.
اغتيال صالح العاروري في قلب الضاحية كان بداية سلسلة من العمليات التي أكدت فيها إسرائيل اختراقها لحزب الله، قبل أن تؤكد ذلك بما هو أبعد باغتيال إسماعيل هنيّة في مقر الحرس الثوري الإيراني في وسط طهران، وكذلك كانت عملية تصفية القيادات الإيرانية في عملية قنصلية دمشق، حتى إنها وصلت لتصفية فؤاد شكر.. كل هذه العمليات هي حقيقة قواعد الاشتباك بحسب التعريف الإسرائيلي، وليس ذلك الذي جاء عبر نعيم قاسم وحسن نصر الله بمعنى أن إسرائيل وحدها هي التي حددت قواعد الاشتباك، وحولت عملياً نسقها إلى حرب استنزفت فيها إيران وأذرعها بما فيها درة تاجها حزب الله.
لبنان، ذلك البلد الذي لطالما كان رمزًا للتعددية الثقافية والفكرية، يواجه مجددًا عواصف تعصف بأرجائه. الوضع الراهن يشي بحالة من الفوضى لا تُعبر عنها الكلمات بسهولة، إذ أصبحت مشاهد التفجيرات والدمار تؤرق مضاجع المواطنين وتثير الأسئلة حول المستقبل الغامض الذي ينتظرهم، في خضم الأحداث الجارية، تنتشر العمليات العسكرية الإسرائيلية بصورة تثير القلق والخوف.
صحيح أن هذه العمليات تستهدف حزب الله بوصفه عدواً، ولكن الأرقام المفجعة من الضحايا المدنيين، التي تتجاوز 2750 جريحًا و12 قتيلًا، تجعلنا نتساءل: كم من البراءة ذهبت سُدًى في دروب العنف؟
لا يسعنا إلا أن نشعر بالإحباط عند التفكير في أنه في كل مرة تقع فيها انفجارات مروعة، هناك أناس أبرياء يضيعون في خضم الفوضى.. أحداث من هذا النوع تجعلنا نعتصر ألماً على كل عائلة فقدت عزيزاً أو تعرضت للإصابة.
اللبنانيون، سواء كانوا من طوائف مختلفة أم لا، يتحدون جميعًا في هذه المعاناة، وحقيقة أن الأطفال والنساء هم من يدفعون الثمن يجعل الأمر أكثر مأساوية، وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال حزب الله يحتفظ بقاعدة تؤيده، لكن هل هذه القاعدة مستدامة في ظل تزايد الضغوط؟ في المجمل، يبدو المشهد أقرب إلى فيلم هوليوودي من الواقع، حيث تستمر الانفجارات والمآسي بشكل شبه يومي، ويترقب الجميع ما ستسفر عنه الساعات المقبلة. الكل يتساءل: ما الذي سيظهره اليوم التالي؟ هل سيكون هناك خطاب ناري من حسن نصر الله؟ أم أن المفاجآت القادمة ستكون من جهة إسرائيل؟
الحالة المأساوية التي يعيشها لبنان لا تقتصر على الجوانب العسكرية فقط، بل تشمل جميع الأصعدة.
من الواضح أن تسيُّد تأمين المساعدات الخارجية والمصالح الإيرانية زاد من تعقيد الأمور، مما جعل لبنان ساحة جديدة للصراعات الجيوسياسية. هذا التدخل الأجنبي أصبح يهدد الهوية اللبنانية، حيث أصبحت البلاد ساحة لتصفية الحسابات.
وتحت وطأة الوجود الإيراني، يصبح اللبنانيون أمام خيارين: الاستسلام للأمر الواقع أو مواجهة الأمر بجرأة وثبات، لكن، يجب أن نتساءل: إلى متى سيظل الشعب اللبناني عالقًا في هذه الدوامة من الصراعات؟ هل سيبقى المواطن البسيط رهينة لمصالح القوى الكبرى في المنطقة؟ هناك شعور متزايد بأن القوى السياسية تتلاعب بمصير المواطنين، مما يثير القلق بشأن المستقبل، ومع تصاعد التوتر بشكل مستمر، يبرز التساؤل: ماذا ستجلب لنا الأيام المقبلة؟ هل سيعقب الفوضى مزيد من العنف، أم أن هناك بصيص أمل في الأفق؟
ومع هذه الحشود التي تظهر في الجنائز، يثير الانتباه عدم وجود استجابة جماهيرية كبيرة لدعم حزب الله، لقد كنا نتوقع تفاعلاً عاطفياً هائلًا من الشعب اللبناني، لكن الواقع يشير إلى أن الناس بدأوا يفكرون بعقلانية أكثر، محاولين فهم وضعهم المعقد بدلاً من الانسياق وراء العواطف.
فعندما نرى كيف تحول اللبنانيون إلى مجتمعات تتصارع مع تحديات طائفية واقتصادية، يصبح من الضروري البحث عن حلول، لبنان اليوم، الذي كُنا نعتبره واحة للحرية والتنوع، يعاني من نقص حاد في الهوية الثقافية. فالصراعات الطائفية حولت البلاد إلى ساحة من الصراعات المستقبلية، ليست تلك الصراعات بين الطوائف فحسب، بل إن الاقتصاد بات في حالة انهيار، ما يزيد الأمور تعقيدًا.. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ونعترف بأن الوضع يحتاج إلى معالجة فورية.
لذا، لا بد من التفكير في المستقبل، لا بصفته موضوعًا عابرًا، بل كخيار يتطلب تضحيات حقيقية.
نحن بحاجة لبذل جهود جماعية للخروج من هذه الدائرة الجهنمية. دور الشباب والمثقفين، وصوت المواطن يجب أن يُعزز لتحقيق التغيير.
إن التعامل مع الأزمات لا ينبغي أن يقتصر على ردود فعل عاطفية، بل يجب أن يتجه نحو الخطوات الاستباقية التي تبني الأسس لمستقبل مستدام. إن قلبي مع كل لبناني وفلسطيني وعراقي ويمني يتوق إلى حياة أفضل، لكن يجب أن ندرك أن الخطر قادم من داخل المجتمعات ذاتها.
نحن بحاجة إلى ولايات جديدة من التفكير، إلى إصلاحات تعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، انسوا الانقسامات الطائفية، فقد حان الوقت للم الشمل والعمل كأمة واحدة لمواجهة التحديات.. نحتاج إلى بناء لبنان جديد، يتسم بالحرية، والأمل، والكرامة.. هذه هي اللحظة التي يجب أن نقتنصها جميعاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة