فلسطين وإسرائيل.. هل يجتمع النقيضان بعدما ظنا أن لا سلاما؟
ماذا سيحدث إذا التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في غرفة واحدة؟
الإجابة عن هذا السؤال تكمن في التقدير السائد لدى الدوائر الدبلوماسية الغربية وهو أن هذا الاجتماع سينتهي إلى تعميق الأزمة الشديدة القائمة أصلا بين الطرفين.
وفي هذا الصدد، قال دبلوماسي غربي لـ "العين الإخبارية" مفضلا عدم ذكر اسمه: "سيختلفان على كل شيء بما في ذلك الاستيطان والقدس وحل الدولتين".
وأضاف متسائلا: "هل هذا هو الحل الأنسب لإعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات بعد توقف دام منذ عام 2014؟".
"بناء الثقة"
تساؤل ربما يجيب عنه دبلوماسي أمريكي، يعتقد أن الطرفين بحاجة "لخطوات بناء الثقة وصولا إلى وضع يمكن من خلاله إعادتهما إلى طاولة المفاوضات السياسية".
وأضاف: "الهدف الأمثل هو جلوس الطرفين على طاولة المفاوضات للاتفاق على القضايا التي تُركت للتفاوض من أجل تطبيق حل الدولتين".
مستدركا "ستأتي هذه الخطوة ولكن ليس في المرحلة الحالية".
ونفى الدبلوماسي الأمريكي في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن تكون الولايات المتحدة قد طلبت من القيادة الفلسطينية تشكيل وفدها المفاوض استعدادا للمفاوضات مع إسرائيل.
وهو ما يؤكده مسؤول فلسطيني كبير لـ"العين الإخبارية"، بقوله: "هذا صحيح، لم يطلبوا منا تشكيل وفد مفاوض".
المسؤول الفلسطيني الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث عن هذا الأمر، إعلاميا، أضاف: "الجانب الأمريكي يقول إن المرحلة الحالية يجب أن تقتصر على خطوات بناء الثقة".
لكن ماذا تعني خطوات الثقة؟
تتمثل- بحسب المسؤول الفلسطيني- في شقين، الأول إعادة ترميم العلاقة الأمريكية مع الفلسطينيين من خلال خطوات مثل "إعادة المساعدات المالية والاتصالات الدبلوماسية وفتح القنصلية الأمريكية العامة في القدس".
وزاد بقوله "أما القصد بخطوات بناء الثقة الفلسطينية-الإسرائيلية فهي أن تقوم تل أبيب بخطوات من شأنها ما يسمونه تحسين حياة الفلسطينيين مثل التخفيف على الحواجز، والسماح بإدخال مواد إلى غزة، وأيضا وقف الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب بما فيها الاستيطان وهدم المنازل".
ومع ذلك، يطالب الطرف الفلسطيني، بأن "يترافق هذا كله مع أفق سياسي، فالإدارة الأمريكية الحالية أعلنت العودة لتبني حل الدولتين لكنها تقول إن هذا غير ممكن في المرحلة الحالية وإن علينا الانتظار". والكلام للمسؤول نفسه.
هل يتقابل النقيضان؟
ويقف على رأس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت المعروف بمواقفه الرافضة لحل الدولتين لأنه سيفضي لقيام دولة فلسطينية وهو داعم كبير للاستيطان ومؤيد لضم إسرائيل المنطقة (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.
وفي المقابل، فإن الرئيس محمود عباس يتمسك بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين يستند إلى قرار الأمم المتحدة 194.
ولم يكن الملف الفلسطيني-الإسرائيلي على أجندة المواضيع الرئيسية للإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن الأحداث في القدس الشرقية وقطاع غزة دفعت الإدارة للانخراط سريعا بهذا الملف ولكن بحدود.
فإدارة جو بايدن ركزت على ملف وقف إطلاق النار بما يشمل توفير المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان قطاع غزة والانخراط بفاعلية في الجهود القادمة لإعادة اعمار غزة.
ومن ناحية ثانية فإن الإدارة تعمل بجد من أجل عدم تفجر الأوضاع من جديد بما في ذلك مطالبة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لعدم القيام بأية إجراءات أحادية تقوض حل الدولتين.
وفي هذا الصدد تركز الإدارة الأمريكية على عدم قيام الحكومة الإسرائيلية بأية أعمال استيطانية أو هدم منازل وإخلاء فلسطينيين من منازلهم.
ويقوم نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو باتصالات متواصلة مع الجانب الفلسطيني فيما تجري اتصالات أمريكية على مستويات مختلفة مع الجانب الإسرائيلي.
ورجحت مصادر متعددة أن يتم تعيين عمرو قنصلا أمريكيا عاما في القدس وهو المنصب الذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
غير أن مصادر أمريكية لم تحسم لـ"العين الإخبارية" تعيين عمرو، وهو أمريكي من أصول لبنانية، بهذا المنصب، وإن كانت أشارت إلى أن اسمه مطروح بقوة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أعلن أن وزارته بصدد إجراءات إعادة فتح القنصلية بالقدس لتقوم بمهمة الاتصال مع الفلسطينيين على المستويات الرسمية والشعبية.
رؤية أمريكية منفتحة
وفي هذا الصدد قالت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة: "إننا جميعا ممتنون لانتهاء الأعمال العدائية، مما أنقذ حياة العديد من الأبرياء بالتأكيد. مثل إنهاء العنف خطوة أولى ضرورية، ولكننا نعلم جميعا أن المسألة لن تنتهي عند هذا الحد".
واستدركت في كلمة بمجلس الأمن الدولي، الخميس، تلقت "العين الإخبارية" نسخة منها: "لا يزال الوضع في المنطقة خطرا، وتشكل الجهود المبذولة لتجنب العنف وتخفيف التوترات أمرا بالغ الأهمية ومن الضروري أن يتم اتخاذ خطوات لضمان الهدوء والامتناع عن الأعمال الاستفزازية".
ورحبت بجهود الأمم المتحدة لدعم الإغاثة والتعافي، مثمنة الجهود المبذولة لتسهيل تدفق البضائع من قطاع غزة وإليه.
واستدركت غرينفيلد: "لا شك في أن الحل المستدام سيتطلب أكثر من مجرد مساعدات طارئة، إذ ينبغي أن تعمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية وشركاؤنا الدوليون معا لتحديد مسار بناء أكثر نحو المستقبل. وينبغي معالجة التوترات الاجتماعية الأساسية وتجنب إثارة بؤر التوتر التي تزيد من صعوبة المضي قدما".
وشددت على أن "الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون تدابير متساوية من الأمن والديمقراطية والكرامة والازدهار"، معتبرة أن تحقيق هذا الهدف "يمثل أمرا بالغ الأهمية لضمان السلام والاستقرار وتجنب العنف على المدى الطويل".
ولفتت إلى أن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى العمل مع القيادة الجديدة في إسرائيل والسلطة الفلسطينية والدول الإقليمية.
وعلى هذا الصعيد قال المبعوث الأمريكي السابق لمنطقة الشرق الأوسط دينيس روس، إن "إدارة بايدن تستخدم صيغة محددة للحديث عما يجب أن يكون الوضع عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فعلى حد تعبير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنهما شعبان يجب أن يتمتعا بمقاييس متساوية من الأمن والازدهار والديمقراطية والكرامة".
في مقال تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه أوضح أن "هذه الصيغة طموحة لأننا اليوم بعيدون عنها للغاية. ومن المؤكد أنها تتناسب مع هدف إقامة دولتين لشعبين، مما يعكس صراعاً بين شعبين وحركتين وطنيتين تتنافسان على نفس الأراضي".
ويبدو أن إسرائيل تتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة التركيز على القضايا الإنسانية وترك الملف السياسي الأشمل جانبا.
وهو ما ألمح له وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد لدى تسلمه وزارة الخارجية الإسرائيلية منتصف الشهر الجاري، بقوله: " كالعادة ستحدد الساحة الفلسطينية إلى حد كبير ساحات أخرى أيضا. قد لا نتوقع اتفاق الوضع النهائي قريبًا، لكن هناك الكثير الذي يمكننا القيام به لتحسين حياة الفلسطينيين والحوار معهم حول القضايا المدنية".