كتاب فلسطيني يكشف واقع المرأة اليهودية في المجتمع الإسرائيلي
الكتاب يضمر قصص يهوديات معنّفات ومضطهدات لدرجة لا يصدقها العقل أحياناً، فالحاخام الحريدي (الحريديم) يمارس تلموديته وفق مفاهيمه
يكشف الكاتب الفلسطيني توفيق أبوشومر النقاب عن وضع المرأة اليهودية في المجتمع الإسرائيلي، من خلال كتابه "قصص نساء يهوديات معنّفات".
"التوارة" والشريعة الشفوية "التلمود"، وسيطرة الأخيرة على الممارسة العملية في المجتمع اليهودي المنغلق على ذاته، والذي يعّج بالاختلاف ليصل في بعض الأحيان إلى الاقتتال الخفي بين الحاخامات، والتشكيك بيهودية اليهود، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا المرأة كالطلاق والزواج، جميعها موضوعات ناقشها الكتاب.
ويأتي كتاب "قصص نساء يهوديات معنّفات" في 250 صفحة من القطع الكبير، وهو صادر عن دار أبوغوش للنشر والتوزيع في القدس.
وعن سبب تناوله المستور في المجتمع اليهودي، يقول المؤلف توفيق أبوشومر لـ"العين الإخبارية": "عملية سبر أي مجتمع ديني منغلق تحتاج إلى جهود استثنائية، فما بالك إذا كان هذا المجتمع يهوديا، ويمارس التمويه والتضليل لتصدير صور نقيضة عنه للعالم وللمجتمعات الأخرى".
وأضاف: "الكتاب عبارة عن قصص يهوديات معنّفات ومضطهدات لدرجة لا يصدقها العقل أحياناً، فالحاخام الحريدي (الحريديم) يمارس تلموديته وفق مفاهيمه، وهو في ذات الوقت المرجعية لما يمارسه، لأن التلمود وهو الشريعة الشفوية لليهود غير مكتوبة كالتوارة، والأخيرة تمارس في المحاكم اليهودية التي تعتبر أقل إلزاماً وتطبيقاً".
وأوضح: "نظراً لسعة هذا المجال، اخترت بعض قضايا المرأة اليهودية، وما تعانيه من تطبيق الحاخامات المتشددين لأحكام قد تصل في بعض الأحيان إلى حرمانها من أولادها وزوجها وعفتها، وتخسر الكثير من حقوقها كالميراث والزواج ممن ترغب وتحرم من ممارسة حياتها حسب ظروفها النفسية والتربوية".
وتابع "أبوشومر": "كان الغرض من إصدار الكتاب عن المجتمع اليهودي واضطهاد المرأة فيه هو تمرير حقائق مذهلة وصادمة للذين يعتبرون أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع ديمقراطي قائم على حقوق الإنسان، ويدافع عنها، بعد أن صدّر صورة مشوهة عن واقع العرب واضطهادهم لحقوق المرأة كما يدعي في وسائل إعلامه وخطاباته الموجهة للعالم".
وأشار إلى أن الكتاب يحكي قصصا عن اليهوديات المحرومات من حقوقهن من مصادر عبرية معروفة كصحيفة "يديعوت أحرنوت"، التي تعتبر من الصحف العلمانية في إسرائيل، كما تم الاعتماد على تصريحات وتقارير صحفيين وصحفيات إسرائيليين، مثل كوبي نحشوني، ورفقة لبوفتش، والمدافعة عن حقوق المرأة الإسرائيلية سوزان واس وغيرهم.
وأضاف: "اليهودية المتطرفة تواجه حرباً سرية وخفية مع العلمانيين، ولكن حكم نتنياهو الطويل وسيطرة اليمين المتطرف على مفاصل الحكم في إسرائيل، أعطى الكثير من الحرية للحريديم والحاسديم والكوهانيم وغيرها من الجماعات اليهودية المنغلقة، لتمارس مفاهيم اليهودية الشفوية على أتباعها بدون رادع، لأن سلطة الحاخامية فوق سلطة القضاء والشرطة".
وعن الصعوبات التي واجهته في كتابته، قال أبوشومر: "الصعوبات كانت في الحصول على المعلومات، لأن الضوء سلط على منطقة شديدة التعقيد والتخفي، فدخول منطقة مثل بيت شيمش في القدس، أو حي بني براك في تل أبيب، والكثير من مستوطنات الحريديم؛ شبه مستحيل، والاعتماد كان على مصادر عبرية لمراسلين يستطيعون دخول هذه المناطق، ونُشرت تقاريرهم في الصحف العبرية المعروفة، والتي سرعان ما تختفي بعد ذلك لسحبها من السلطات الدينية".
ومن أهم ما وجده في وضع المرأة اليهودية المقموعة داخل مجتمعها، أوضح "أبوشومر": "المرأة لا تعتبر سوى (مكنة) إنجاب فقط حسب تعاليم الحريديم، وليس لها أية حقوق سواء في الميراث أو الطلاق، أو اختيار الزوج في كثير من الأحيان".
وأضاف: "حتى حقوقها في اختيار لباسها، وطعامها، وسيرها في الشوارع، وطريقة تعبّدها، يفرضها عليها الحاخام، حتى وصل الحال باختراع (المرأة الكرتونية) أي المرأة التي تمشي داخل كرتونة، لكي لا تظهر من معالمها ما يثير الرغبة لدى الآخرين، خاصة الشباب".
وهذا الأمر تسبب في تشكيل جبهات معارضة لسيطرة المتدينين داخل المجتمع اليهودي نفسه، لأن كل حاخام وفق فهمه للتلمود يختلف مع الآخر، فالمتطرفون لا يثقون بالحاخامات الإصلاحيين، بينما يحاربون بشدة العلمانيين، حسب الكاتب.
وأضاف "أبوشومر": "الكتاب يبحث عن واقع المرأة اليهودية داخل الجيش الإسرائيلي، فيكشف عن واقع المجندات والمجندين المتدينين، والفصل بين الجنسين، وحرمة الاستماع إلى الغناء واعتباره فاحشة، وتحريم الاختلاط واعتبار المرأة نجسا، وأن القرار الذي يطبق في الجيش للحاخام وليس للقائد العسكري، الأمر الذي يؤدي إلى استمالة المتدينين من خلال الرضوخ للحاخامات".
ونوه "أبوشومر" بأن هذه الأزمة الموجودة في الجيش الإسرائيلي زادت تعقيداً في عهد نتنياهو اليميني المتطرف، فقد أفسد كل شيء مقابل أن يبقى في الحكم ويتهرب من القضاء المدني، إنه يحتمي بالغلو الديني والحاخامات الذين يتبعون أهواءهم.
الصحفي سامي العجرمي كان مراسلاً للقناة الثانية الإسرائيلية في عهد سابق، شهد أثناء تغطيته كثيرا من الأحداث واقع المرأة اليهودية.
وقال "العجرمي" لـ"العين الإخبارية": "الحرب التي تدور بالخفاء بين الاشكناز والسفاردي، أي اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، وشارع مائة شعاريم في القدس، وحي بني براك في تل أبيب، يشهدون الكثير من الأحداث على التشدد الديني".
وأضاف: "ربما كتاب (قصص نساء يهوديات معنّفات) سلط الضوء على حقوق المرأة اليهودية المهدورة في المجتمع الإسرائيلي، ولكن هذا المجتمع يغرق بالتناقضات والتحالفات والمصالح وحتى المزاجيات".
وتابع: "سيبقى مجتمعاً غير مكتشفٍ إلى حين، لأن عيونهم التي تراقب اليوم هي التي تحرك أجهزة الدولة وحتى وحدات الجيش والشرطة، فهم يروجون إسرائيل الديمقراطية للعالم والتعايش السلمي فيها بخدع كبيرة، بينما يعيشون التمييز الديني والعرقي والجنسي بكل تفاصيله".
وُلد الكاتب الفلسطيني توفيق أبوشومر عام 1947 قبل هجرة الفلسطينيين من ديارهم بسنة واحدة، ودرس مراحله التعليمية الأساسية والثانوية في مدارس غزة.
والتحق بجامعة القاهرة وحصل على ليسانس آداب تخصص اللغة العربية، وهو عضو طاقم الثقافة والفنون التابع لبيت الشرق في القدس، ومستشار هيئة التوجيه الوطني الثقافي والإعلامي، ومسؤول دائرة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام قبل تقاعده، وكاتب دائم في الصحف الفلسطينية ومتخصص وباحث بالشؤون الإسرائيلية.
وصدر له 12 كتابا في الأدب والبحث والدراسات المجتمعية، وهو عضو الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، ونقابة الصحفيين الفلسطينيين والعرب والدوليين.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز