عباس وتأجيل الانتخابات.. "هروب" من الخسارة على جسد الوحدة
حين ساوره انطباع بأن فوزه محسوم، حدد مواعيد واضحة للانتخابات، لكن وبمرور الوقت، اتضح أن الأمر ليس بتلك السهولة في ظل متغيرات وخلافات تدحض مقاربته الشخصية للمسألة.
نية واضحة يبديها الرئيس الفلسطيني محمود عباس باتجاه تأجيل استحقاق ينتظره الفلسطينيون منذ 2006، في خطوة تتحدى جميع الظروف التي باتت مهيأة سياسيا ولوجستيا لإجراء الاقتراع، وتنذر بشق الصف الفلسطيني.
رفض يتمسك به عباس، مستخدما قرار إسرائيل عدم السماح بإجراء التصويت في القدس شماعة سياسية لتبرير موقف تتفق ضده الفصائل الفلسطينية، حيث تسود قناعة جازمة بأن التعلل بالموقف الإسرائيلي لا يعدو أن يكون سوى مناورة للتملص من الالتزام بموعد حدده بنفسه.
وكان من المفترض أن تُجرى الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل خلال العام الجاري: تشريعية في 22 مايو/ أيار المقبل، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، والمجلس الوطني في 31 أغسطس/ آب.
لماذا؟
سؤال يعد الأصعب في ظل التطورات المتلاحقة في رام الله، وسط فرضيات متعددة يسوقها محللون في محاولة لفهم تمسك عباس اللافت بتأجيل أجندة انتخابية حددها بنفسه.
أولى الفرضيات تكمن في أن عباس وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه بمواجهة القرار الإسرائيلي، فهو لن يرغب أبدا أن يتهم على أبواب الانتخابات بالتهاون في الدفاع عن القدس، لإدراكه ما سيكلفه ذلك في صناديق الاقتراع.
أما هدفه الرئيسي فيرى مراقبون أن تمسكه بالتأجيل يرنو لمحاولة قطع الطريق أمام القوى الفتحاوية المعارضة لسياساته، خصوصا التيار الإصلاحي الذي تؤهله قواعده الانتخابية لاكتساح المجلس التشريعي بعدد من المقاعد، ما يعني أن الأخير قد يتحول إلى رقم مهم، وهو ما لا يخدم طموح عباس.
طموح يخشى عباس أيضا أن يتبخر في ظل دخول حركة فتح بثلاث قوائم، وهو الذي كان يعتقد أنه ذاهب إلى الانتخابات مسلحا بجميع ضمانات الفوز، لكنه فوجئ بأن المنافسة تجاوزت غريمه التقليدي حركة حماس لتنتقل إلى عقر بيته.
أزمات داخلية قاسية فرضها تشكيل قائمة تضم ناصر القدوة ومروان البرغوثي، وأخرى لمحمد دحلان إلى جانب قوائم حركية أخرى تابعة لفتح، أشعلت الضوء الأحمر وفاقمت المخاوف من أن تطيح الانتخابات بعباس وقائمته.
أزمات جديدة ورفض
ويعقد الفلسطينيون آمالا كبيرة على الانتخابات المقبلة لتغيير الأوضاع السائدة وتحسين ظروفهم المعيشية واستعادة الوحدة، والأهم ترميم حالة الترهل في المرجعيات الفلسطينية.
وفي ظل احتمال إرجاء الاقتراع، فإن أزمات المشهد الفلسطيني لن تستمر فحسب، وإنما ستتعزز بشكل مخيف، خصوصا أن سيناريو التأجيل يلاقي رفضا داخليا شرسا، وسط اتهامات مباشرة لعباس بأنه ترك مسألة تفعيل أو تثبيت حق المقدسيين في الانتخاب مفتوحة ولم يتخذ أي قرارات واضحة بشأنها.
رفض أعربت عنه فصائل وقوائم حزبية ومستقلة متقدمة للانتخابات، حيث قال قائد التيار الإصلاحي بحركة "فتح" محمد دحلان إن "تأجيل الانتخابات التشريعية هو قرار غير قانوني صادر عن رئيس فاقد للشرعية منذ عقد من الزمان، وهو قرار خطير يعرض حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني لخطر المجهول".
وأضاف في بيان "إن دوافع هذا القرار مكشوفة ومعروفة، ولا علاقة لها بالقدس، وعلى العالم كله أن يدرك أن هذا القرار يتناقض مع القانون ويتحدى إرادة الجموع الهائلة من الفلسطينيين الذين حدثوا بياناتهم استعدادا وتوقا لممارسة حقهم الوطني المقدس في اختيار قيادتهم للمرحلة المقبلة من الكفاح الوطني".
من جانبها، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان: "تجدّد الجبهة موقفها برفض تأجيل الانتخابات الذي عبَّرت عنه داخل اجتماع القيادة الفلسطينيّة، والتمسّك بالاتفاقيات الوطنيّة لإجراء الانتخابات بحلقاتها الثلاث والتي فتحت آمالاً لدى شعبنا في إنهاء الانقسام وبإمكانيّة التغيير الديمقراطي، وإعادة بناء المؤسّسات الوطنيّة وفقًا للإرادة الوطنيّة".
أما حركة الجهاد الإسلامي، فاعتبرت أن "قرار تأجيل الانتخابات اتخذ منذ أيام واجتماع اليوم شكلي وهو لزوم الإخراج".
وقالت حركة "حماس": "تلقينا ببالغ الأسف قرار حركة فتح والسلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها السيد محمود عباس تعطيل الانتخابات الفلسطينية".
وأضافت في بيان تلقته "العين الإخبارية": "تتحمل حركة فتح ورئاسة السلطة المسؤولية الكاملة عن هذا القرار وتداعياته، وهو يمثل انقلاباً على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية، ولا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعين".
وبالتزامن مع اجتماع الفصائل مساء الخميس، خرج مئات الفلسطينيين في مسيرة بمدينة رام الله بالضفة الغربية احتجاجا على نية تأجيل الانتخابات.
وقاد المسيرة التي جابت الشوارع الرئيسية في مدينة رام الله، مجموعة من المرشحين على قوائم تم تسجيلها لخوض الانتخابات التشريعية.