من المؤسف جداً كون اجتماع الفصائل الفلسطينية الأخير خيّبَ الآمال على جميع المستويات، وكشف لنا حجم معاناة الشعب الفلسطيني مع قياداته.
ما إن أُعلن عن معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية حتى بدأت هجماتٌ إعلامية مسعورة على دولة الإمارات العربية المتحدة، بعضُها متوقعٌ ومفهوم وهو المتعلق بتنظيم الإخوان وداعميه في قطر وتركيا، حيث العداء الدفين لكل ما يتعلق بدولة الإمارات التي أسقطت مُخططاتهم الخبيثة، ومشاريعهم للوصول للحكم.
لا غرابة إذا في موقف التنظيم ومُموليه، لكن الموقف المستغرب حقاً هو موقف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، الذي لا تنمُ أقوالُه ولا أفعاله على أنه قرأ بتمعُن مضامين البيان الثلاثي الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي، أو أنه تصامَمً عمّا ورد فيه تأكيد الأطراف الثلاثة على حثِّ الخطى من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما يبدو أن الرئيس عباس قد تغافل عما ورد في البيان من التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والذي كان سيقضي على القضية الفلسطينية برمتها ويجعل الحق أثراً بعد عين.
لم يفلح المرجفون في قلب حقيقة واضحة للعيان، خلاصتها أن توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين لمعاهدتي سلام مع إسرائيل، يعد إبطالاً للحجة التي انتهجت إسرائيل منذ أيام بن غوريون، والتي تتلخصُ في كون العرب أعداء، ويجب على إسرائيل أن تكون في حالة تأهب دائم لحربهم، كما يجب عليها أن تسعى لعلاقات طيبة مع محيطها غير العربي، مثل تركيا وإيران وإثيوبيا.
هذا النهج السياسي يواجه تحدياً بارزا اليوم باتخاذ دولة الإمارات وبعدها البحرين خطوات شجاعة لتغيير المعادلة، وإبطال العقيدة الدفاعية وما نتج عنها من سياسات معادية للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة.
من الواضح أنه مع الزمن ومع تطور وزيادة قنوات الاتصال بين المعسكرين العربي والإسرائيلي ستنتفي فكرة العداء للعرب عند الإسرائيليين، وسينفتح الإسرائيليون أكثر على فكرة السلام مع الفلسطينيين، بدليل أنّ المُتابع للإعلام الإسرائيلي، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية سيكتشف أنه بدأ يتحفنا بالكثير من المواد على وسائل التواصل الاجتماعي تُبرز الجانب الإيجابي من المجتمع الإسرائيلي، حيث التعايش بين العرب واليهود.
وفي مقابل الرسائل الإيجابية من طرف الإمارات والبحرين، ومع ورود مقابلة أخرى من إسرائيل، فإنه يجب أن يكون هناك تجاوباً وتعاوناً من الجانب الفلسطيني الذي أقصى نفسه، حتى هذه اللحظة، من طرفيْ المعادلة، سواء من الطرف العربي أو من الأمريكي.
من المؤسف جداً كون اجتماع الفصائل الفلسطينية الأخير خيّبَ الآمال على جميع المستويات، وكشف لنا حجم معاناة الشعب الفلسطيني مع قياداته، كما كشف الوجه الحقيقي لقادة الفصائل وانفصالهم عن الواقع، وعدم جديتهم في السعي لحل الصراع وارتهانهم للآخر، على الفصائل الفلسطينية عموما والسلطة الفلسطينية خصوصا أن تتيقن أن السلام مع إسرائيل لا يعني مطلقاً التخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني الشرعية، كما عليها أن تعلم أنها ليست أقرب للقدس وجدانياً وروحياً من أبناء الإمارات والبحرين وغيرهما.
عليهم أن يتذكروا أن جميع الدول العربية ضحت من أجل القضية الفلسطينية، بل ربما أكثر من بعض الفلسطينيين أنفسهم، كما عليهم أن يفهموا أن الدول تملك قرارات سيادية من المعيب عليهم التدخل فيها.
أعرفُ أنّ هذه النصائح مُجرد نفخ في رمادٍ، فمواقف قادة هذه الفصائل أسيرةٌ لتوجهات دول معادية لمحور الخير العربي عموما، وللإمارات خصوصا، مثل قطر وتركيا وإيران.
إسماعيل هنية، مثالاً لا حصراً، شد الرحال إلى أنقرة، غداة إعلان معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، ليجلس مع الرئيس التركي أردوغان ليشتكي له دولة الإمارات العربية.
المفارقة هنا أن هنيّة كحّل عينيْه برؤية العلم الإسرائيلي الذي يرفرف في قلب العاصمة التركية بالقرب من الرئيس أردوغان، كما شد الرحال ليقابل حسن نصر الله، ذراع إيران ويدها التي تبطش بها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
أمّا أغرب المواقف السطحية فقد سمعته من القيادي الحمساوي محمود الزهار الذي يقول إن فيروس كورونا عقوبةٌ إلهية للدول التي تساند إسرائيل، وعلى رأسها أمريكا ودول الخليج، خُيِّل إليّ أنها مجردُ نكتة، لولا احتفاءُ إعلام الإخوان بهذا التبرير الغبي، الذي يغفل كون جائحة كورونا قد فتكت بإيران وقطر، أكبر حليفين لحركة حماس.
بعيداً عن العنتريات والخطاب الغوغائي، لا خيار للسلطة الفلسطينية غير التراجع عن موقفها والاعتذار عما بدر منها اتجاه الإمارات وحتى السعودية.
وكما قال ياسر عرفات رحمه الله، عندما قرر أن يعتذر للملك فهد رحمه الله عن موقف دعمهم للرئيس العراقي صدام حسين في احتلاله للكويت "أناشد الملك فهد أن لا يترك الشعب الفلسطيني يقاتل لوحده " وأضاف أنه يعول على حلم الملك فهد في هذا الموقف ليرضى عنهم .
حريٌ اليوم بالرئيس عباس أن يتوجه برسائل ودٍ واعتراف بالخطأ إلى الشيخ محمد بن زايد وإلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، يستعطفهما، ويطلبهما الصفح عما بدر منه ومن السلطة والفصائل اتجاه الإمارات والسعودية، فالاعتراف بالأخطاء وتصحيحُها من شيم القادة، ثم إنه ليس من الواقعية ولا الحنكة السياسية أن تقطعَ السلطةُ حبلَ الود مع سيد البيت الأبيض دونالد ترامب، الذي تزدادُ حظوظه بولاية ثانية، ما يعني أنه سيُسر الملف لمدة خمس سنوات قادمة.
لا معنى أيضاً لاستمرار السلطة في هدر الموقف العربي، باستمرار الشعارات الجوفاء التي ملّها الجميع، خصوصا أن قرار الإمارات والبحرين الساعي للسلام مع إسرائيل قد تنتهجه دول عربية أخرى في القريب العاجل.
لامعنى أن يصبح قادةُ الفصائل في وضع أمراء الحرب، يستمتعون بأموالهم الطائلة المسروقة؛ بينما يعاني الشعب الفلسطيني الأمرّين دون أن يلتفت إليه أحد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة