الاعتراف بفلسطين.. شرعية على الورق أم دولة على الأرض؟

تتسارع الاعترافات بفلسطين، لكن الطريق إلى الدولة المستقلة ما زال محفوفا بالعقبات والتهديدات.
فبينما تستعد عدة دول أوروبية للاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، تصف إسرائيل وحلفاؤها هذه الخطوة بأنها "مسرحية سياسية".
في المقابل، يرى مؤيدو الحقوق الفلسطينية أن الاعتراف الرسمي ليس سوى الخطوة الأولى.
وأصبحت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، أولى الدول الغربية الكبرى التي تعترف بدولة فلسطينية، تلتها البرتغال في وقت لاحق من يوم الأحد.
خطوة جاءت عشية بدء مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث تعتزم دول غربية أخرى، مثل فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا، أن تحذو حذوها هناك - على الرغم من تحذيرات إسرائيل.
واليوم الإثنين، ستعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة قمة خاصة بشأن الحرب في قطاع غزة.
ويمثل هذا استمرارا لمشروع دبلوماسي تقوده فرنسا والمملكة العربية السعودية للدفع نحو إحياء حل الدولتين - الذي يتعايش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب - باعتباره الحل الوحيد للصراع المستمر منذ عقود.
وفي اجتماع اليوم، أعلنت عدة دول أنها ستنضم إلى نحو 150 دولة عضوا في الأمم المتحدة تعترف بالفعل بدولة فلسطينية.
وجاءت معظم التصريحات الأوروبية الأخيرة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية نتيجة للحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والتي أودت بحياة أكثر من 65 ألف شخص، على الرغم من أن باحثين دوليين قدّروا عدد القتلى بأنه أعلى بكثير.
والأسبوع الماضي، نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تقريرا خلص إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
رفضت إسرائيل وحليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، هذا التقرير وتقارير أخرى توصلت إلى النتيجة نفسها، ونددت بأي خطط للاعتراف بفلسطين كدولة، معتبرة أن ذلك سيكون "مكافأة لحماس" - في إشارة إلى هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل بقيادة الحركة والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 1200 شخص.
وتأمل فرنسا والمملكة العربية السعودية في استغلال اجتماع قادة العالم هذا العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والحرب المروعة المتزايدة في قطاع غزة، لإضفاء طابع مُلح جديد على السعي نحو حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتشمل هذه الجهود خارطة طريق جديدة تفضي إلى قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف على الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967، وتحركات من قبل العديد من الدول الغربية للانضمام إلى الأغلبية العالمية في الاعتراف بهذه الدولة قبل إقامتها.
"مسرحية سياسية" أم خطوة أولى؟
حتى مؤيدو الفلسطينيين يقولون إن الاعتراف بفلسطين كدولة قد لا يكون كافيا إذا لم يقترن بالعمل.
"تتبنى الدول الغربية مبادرات رمزية، بينما يُترك الفلسطينيون بلا عدالة ولا دولة، فقط فجوة متزايدة بين الواقع المعاش والأداء الدولي"، هذا ما جادلت به إيناس عبد الرازق، مديرة المناصرة في معهد فلسطين للدبلوماسية العامة، ومقره رام الله، بالضفة الغربية المحتلة، في نصٍّ نُشر في أغسطس/آب لمركز الأبحاث الفلسطيني "الشبكة".
ويوم الأربعاء الماضي، كتب أوين جونز، كاتب عمود في صحيفة الغارديان، أن "كل إجراء اتُخذ ضد إسرائيل كان تمثيليا، بهدف كبح جماح دعوات التحرك من الجمهور".
وهناك أيضا قلق بشأن رد فعل إسرائيل على دفعة جديدة من الاعترافات، كما كتب ريتشارد غوان، مدير الأمم المتحدة في مركز الأبحاث "مجموعة الأزمات الدولية"، هذا الأسبوع في مجلة "جست سيكيوريتي" الأمريكية.
وقال غوان: "لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ... سجل طويل من تحدي بقية أعضاء الأمم المتحدة". أحد السيناريوهات التي تقلق الدبلوماسيين هو أن نتنياهو - الذي أعلن الأسبوع الماضي أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية" - قد يرد على عملية الاعتراف بالإعلان رسميا عن خطط لضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية في خطابه.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي: "يجب على إسرائيل أن تفهم أن حل الدولة الواحدة، مع إخضاع الشعب الفلسطيني دون حقوقه، أمر لا يُطاق على الإطلاق. فبدون حل الدولتين، لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط".
وتعثرت محادثات السلام التي انطلقت في أوائل التسعينيات مرارا وتكرارا وسط أعمال العنف وتوسع المستوطنات الإسرائيلية الهادفة إلى منع قيام دولة فلسطينية. ولم تُعقد أي مفاوضات جوهرية منذ عودة نتنياهو إلى السلطة عام 2009.
وضمت إسرائيل القدس الشرقية، واعتبرتها جزءا من عاصمتها، ولطالما شجعت على نمو المستوطنات اليهودية في الأحياء الفلسطينية وحولها.
وتضم الضفة الغربية المحتلة أكثر من 500 ألف مستوطن يحمل الجنسية الإسرائيلية، وحوالي 3 ملايين فلسطيني يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، بينما تمارس السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا في جيوب متناثرة.
هل يحقق الاعتراف السلام؟
جادل الكاتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في أغسطس/آب قائلا: "الاعتراف بديل خاطئ للمقاطعات والإجراءات العقابية التي ينبغي اتخاذها ضد دولة تكرّس الإبادة الجماعية".
وأضاف: "الاعتراف مجرد كلام فارغ... هذا لن يوقف الإبادة الجماعية، والتي لن تتوقف دون خطوات عملية من المجتمع الدولي".
وبحسب تحليل نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، يواجه الاعتراف عقبات تتعلق بمعايير الدولة نفسها، إذ تنطبق على فلسطين بعض شروط اتفاقية مونتفيديو مثل وجود شعب دائم وقدرة على إدارة علاقات خارجية، لكنها تفتقر إلى حدود متفق عليها وسلطة موحدة. فالأراضي الفلسطينية مشتتة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والقيادة منقسمة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس منذ أكثر من 18 عاما.
ويضيف التحليل أن هذا الانقسام جعل كثيرا من الفلسطينيين فاقدين للثقة بقدرة قيادتهم على توحيد الصف أو تنظيم انتخابات، خاصة وأن آخر اقتراع جرى في 2006. ومع تقدم الرئيس محمود عباس في العمر ووجود قيادات بارزة، تبدو مسألة من سيقود الدولة الفلسطينية – إن قامت – أكثر إلحاحا من الاعتراف بها.
ومع ذلك، يرى خبراء القانون أن الاعتراف يمنح الفلسطينيين موقعا أقوى في المفاوضات، إذ يختلف التفاوض بين دولتين عن التفاوض بين دولة وكيان غير معترف به.
كما يمكن أن يؤدي الاعتراف إلى مراجعة الدول المانحة لالتزاماتها القانونية وعلاقاتها الثنائية مع كل من فلسطين وإسرائيل
دلالة رمزية لكنها مؤثرة
رغم طابعه الرمزي، يصف محللون الاعتراف بأنه "تأكيد مهم" على حق الفلسطينيين في تقرير المصير والعيش بعيدا عن الاحتلال.
لكنهم يشددون على أن الرمزية وحدها لا تكفي، إذ لا بد أن ترافقها إجراءات عملية مثل فرض رسوم جمركية أعلى على بعض المنتجات الإسرائيلية أو معاقبة المستوطنين والمسؤولين المحرضين على العنف، وهي خطوات يجري بحثها حاليًا داخل الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد محللون أن الاعتراف لم يعد مجرد نهاية مطاف كما كان يُتصور سابقا، بل بات جزءا من مسار متكامل يتقاطع مع تغيرات جوهرية في الرأي العام والسياسات الغربية منذ عام 2023.