دعوة الصين لمؤتمر سلام حول فلسطين.. خبراء يستشرفون الفرص والتحديات

بينما تجاوزت الحرب في غزة 100 يوم ولا يزال الأفق مسدوداً أمام جهود التهدئة، دعا وزير الخارجية الصيني إلى مؤتمر سلام دولي بشأن فلسطين.
الدعوة التي أطلقها وزير خارجية الصين وانغ يي إن -التي كانت عقب لقائه نظيره المصري- لم تأت قاصرة على مناقشة الوضع الحالي في قطاع غزة أو وقف الحرب، وإنما تمتد لما هو أبعد من ذلك، وهو ما ظهر من خلال التأكيد على أن المؤتمر يجب أن يكون واسع النطاق، وأكثر موثوقية وفعالية، ويضع جدولاً زمنياً ملموساً لتنفيذ حل الدولتين.
ورغم أهمية كل دعوة تطلق بشأن حلحلة القضية الفلسطينية، ورغم قوة الصين المتصاعدة في المنطقة، فإن كثيراً من المراقبين والمحللين شككوا في جدوى وتأثير هذا المؤتمر، والبعض اعتبره دعوة تأتي في إطار محاولات من بكين لإثبات وجودها، وأيضاً إحراج الولايات المتحدة.
إيجاد دور
"محاولة صينية لإيجاد دور" هذا كان تعليق الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس على ما صرح به وزير الخارجية الصيني، مبدياً عدم تفاؤله بانعقاد هذا المؤتمر، أو أن تكون هناك استجابة واسعة له.
وأوضح الرقب، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن موقفه يعود لسببين، أولهما أن الولايات المتحدة لن تتجاوب مع الدعوة الصينية، خصوصاً أن الأحداث تشير إلى أن واشنطن حتى الآن غير قادرة على إقناع حكومة بنيامين نتيناهو بوقف الحرب في غزة، فكيف ستشارك في مؤتمر يدعو ليس للتهدئة فقط في القطاع، وإنما وضع جدول زمني لإقامة دولتين.
وعن السبب الثاني، يقول أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، إنه يعود إلى عدم قناعة الحكومة الإسرائيلية كذلك بحل الدولتين، والتي لا تؤمن كذلك بفكرة التفاوض مع الفلسطينيين من الأساس، حسب قوله، معرباً عن اعتقاده بأن هذا المؤتمر قد لا يرى النور من الأساس، لن يكون ذا جدوى إن عقد.
وأبدت الصين مراراً مواقف داعمة لفكرة حل الدولتين، باعتباره الأساس لأي ترتيبات مستقبلية تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وسبق أن أصدرت بكين بيانات عديدة تدعو لوقف إطلاق النار، وهي مواقف لا تروق كثيراً للجانب الإسرائيلي.
مصالح الصين
بدوره، يقول فواز كاسب العنزي، مدير تحرير صحيفة سهم الإلكترونية السعودية، إن دعوة الصين لهذا المؤتمر تأتي في إطار رغبتها في لعب دور أكبر لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، في ظل وجودها بالمنطقة من باب التنمية والاقتصاد، ولهذا يهمها الاستقرار والهدوء، في المقابل تواصل الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل في كل ما تقوم به من عمليات.
ولفت العنزي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الأوضاع في غزة كانت سبباً في التوترات الجارية في البحر الأحمر، وما كان لذلك من تداعيات على الاقتصاد، ولهذا تسعى بكين لحماية مصالحها، خاصة في ضوء رغبة الصين في إنجاح مشروع الحزام والطريق.
وعن موقف الولايات المتحدة من المشاركة في هذا المؤتمر، يرى الكاتب الصحفي السعودي أن واشنطن ستشارك، ولكن بشكل صوري وستستمر في عملياتها العسكرية بالمنطقة وفي دعمها لإسرائيل، معتبراً أن مشاركتها ستكون لمجرد إظهار أن لديها وجها حسنا يريد السلام والاستقرار، حسب تعبيره.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تحدثت قبل أيام عن تضرر في العلاقات بين الصين وإسرائيل، إذ إن الأخيرة منزعجة من مواقف بكين التي تنتقد العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة، بل إن تل أبيب تعتبرها مواقف داعمة لحركة حماس، حسب زعمها.
الكرة في ملعب واشنطن
على الجانب الآخر، يرى عماد الأزرق مدير مركز التحرير للدراسات السياسية، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الصين بتلك الدعوة تهدف إلى إلقاء الكرة في ملعب الولايات المتحدة، حسب تعبيره، معتبراً أن عدم تعاطي "واشنطن" المحتمل مع المؤتمر يجعلها تظهر أمام العالم بأنها الطرف الذي يعيق محاولات احتواء الأزمات في الشرق الأوسط.
الأزرق أوضح أيضا أن الجانب الصيني يستثمر مناخ الضغط العام على إسرائيل، لا سيما بعد الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، ومن ثم تشكل الدعوة الصينية نوعاً من الإحراج، سواء للإدارة الأمريكية أو للجانب الإسرائيلي، فإما أن يستجيبا للمؤتمر أو يرفضانه، والرفض تأكيد على أنهما يعرقلان السلام.
ويرى المحلل السياسي المصري أن المؤتمر سيعقد بكل تأكيد مستفيداً من اتساع أعداد الدول المؤثرة الداعية إلى ضرورة التوصل إلى حل دائم وشامل في الأراضي الفلسطينية، لكنه يرى في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة قد تعمل على عرقلته، لا سيما أن المؤتمر يعني أولاً وقف الحرب في غزة، ثم التباحث بشأن حل الدولتين، وواشنطن لا ترغب كذلك في أن تنجح الدبلوماسية الصينية في ملف كهذا.
وقد كان العام المنصرم شاهداً على دبلوماسية صينية متنامية في منطقة الشرق الأوسط، يمكن القول إنها أربكت الحسابات الأمريكية، لا سيما مع رعايتها لاتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وأيضاً انخراطها بشكل قوي في أزمة غزة، وهي الملفات التي كانت تبدو دائماً حكراً على واشنطن، فضلاً عن تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني بقوة في أفريقيا والشرق الأوسط.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg5IA== جزيرة ام اند امز