صالح الأسطل.. فلسطيني يحيل شتاته إلى "وطن دافئ" بجمع الكتب
"العين الإخبارية" زارت صالح الأسطل في بيته لتسلط الضوء على تجربة نادرة في حب الكتاب وجمعه، وغربة تحولت إلى وطن ومستقر.
بدأت رحلته طلباً للعلم وعشقا لمصر التي أقنعته بالإقامة بها 57 سنة، جمع فيها خلال رحلته المتواصلة كتباً لا حصر لها في بيته بالقاهرة، فحيث يرمي المرء نظره فيه يجد كتاباً أو مجلة أو دورية، فتحول لأرشيفٍ ينعش الذاكرة.. إنه العم صالح الأسطل، الفلسطيني المغترب القادر على الحياة بجد ونشاط رغم كبر سنه.
"العين الإخبارية" زارت الأسطل في بيته لتسلط الضوء على تجربة نادرة في حب الكتاب وجمعه، وغربة تحولت إلى وطن ومستقر.
العلم بداية وجمع الكتب هواية
يقول العم صالح: "وصلت إلى القاهرة قبل 57 سنة طالباً للعلم، وأثناء دراستي احتلت إسرائيل قطاع غزة مكان الولادة وموطن الأهل، فعملت مع الجيل الأول في حركة فتح، وواصلت معهم كمحاسب متخصص بالشؤون المالية، حتى مضى العمر في سكته إلى شيخوخة أقضيها الآن بالمطالعة والمتابعة".
ويضيف: "كل ما حصدته في غربتي التي أصبحت وطني الدافئ كتباً وجرائد وموسوعات تاريخية ودينية وأبحاث ومراجع نادرة في زماننا هذا، وأعتبر حصادي إنجازا كبيرا قل من يحصل عليه، لأن الكتاب ذاكرة تضج بالأحداث والتوقعات، ورحلتي لم تنته بعد فكل ما أعيشه سطر من زمن مضى، وجملة قادمة".
مصر تعني البقاء على فلسطين التاريخ والحلم
ويتابع عم صالح، 78 سنة: "شكلت مصر وجدانياتي وقضيت جل عمري في القاهرة وحواريها، ولا أدعي أنني لم أكن قادراً على العودة إلى غزة بعد حصولي على شهادتي العلمية، ولكن حب مصر الذي اجتاحني منذ دخولي أراضيها ألزمني بالبقاء فيها، ولست نادماً، فمصر بالنسبة لي وطن وحياة وقصة كفاح، وما وجدته فيها الكثير وأجمله الكتب والمطالعة، فمثلت مصر بتاريخها وعراقتها أصل حكايتي مع الحياة، وأقر بعد 57 سنة عشتها بقرب النيل أن مصر شكلت الدرع الحامية لفلسطين، ولولا مصر لما بقي اسم فلسطين حاضراً في الجغرافيا والسياسة، ولتحول الفلسطينيون إلى أقليات مبعثرة، في العالم، لذا مصر تشكل على الدوام الحافظة التاريخية للقضية الفلسطينية".
الكتب هواية المطالعة وأنس الامتلاك
ورغم أن مساحة شقة العم صالح لا تتعدى 70 متراً استأجرها منذ دخل مصر وما زال فيها حتى يومنا، فإنها مع مرور الزمن تحولت إلى مخزن للكتب والدوريات والمجلات وتصلح أن تكون دار أرشيف لمحطات تاريخية متعاقبة.
ويقول العم صالح لـ"العين الإخبارية": "جمع الكتب كانت هوايتي منذ 55 سنة، وبحكم عملي في مكتب حركة فتح مبكراً، كنت آخذ الفائض من الجرائد والمجلات والكتب والدوريات إلى شقتي الصغيرة، ومع كل جديد أقرأ وأكتب ملاحظاتي عليه، فبدت لي تلال صغيرة من الكتب، وحرت بين تخزينها أو تصريفها، ومنذ تلك الأيام أوفر لكل كتاب مبيته في قربي، حتى لفتُّ انتباه طلبة العلم والدراسات العليا فأصبحت شقتي الصغيرة مآل كل من عرفني، ومن شقتي تخرج العشرات من حملة درجة الماجستير والدكتوراه، وهذا أكسبني تعلقاً مفرطاً بالكتاب".
شخصيات تاريخية تحفر ظلالها رغم رحيلها
ويؤكد العم صالح أن أكثر شخصية فلسطينية عملت بإخلاص من أجل القضية كان الراحل أحمد الشقيري، ومن بعده الرئيس ياسر عرفات، وخليل الوزير وصلاح خلف، وخالد الحسن، فيقول: "هذه الشخصيات شكلت قوة كبيرة للحفاظ على الهوية الوطنية، فتعلمت منها بشكل مباشر معنى أن يفني الإنسان عمره من أجل تحرير وطنه، والأحداث المتعاقبة والظروف المتغيرة أبقت هؤلاء وإخوانهم بحالة استنفار دائم".
ويضيف: "تابعت عن كثب الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل، وغيره من أبناء جيله، فكنت مرجعاً فكرياً لبعض قيادات حركة فتح، ومستشاراً لبعضهم، وهذا بفضل الكتاب الذي يجاورني اليوم ولهذه اللحظة ويقيم فوق الأرفف وفي الممرات وتحت الكراسي والسرير.. المطبخ أيضاً يستضيف عدداً من الكتب، فشيئان في حياتي حكما عليَّ بحبهما بعد الله وفلسطين، هما مصر والكتاب".
الغاية غير القريبة تبقي الأمل المنشود
يطوي العم صالح حكايته مع الكتب والمطالعة بقوله: "تعلمت من خلوتي مع الكتب أشياء كثيرة، منها أن أقهر غربتي بوطن أسكنه عقلي، فلم أغترب يوماً عن فلسطين بفكري وانشغالاتي، ومصر عوضتني عن كثير وتعلقت بها إلا أنها أصبحت وجداناً أمارسه بكل احترافية، وأملي في الحياة بعد كل هذا العمر أن تقرأ الأجيال تاريخ أسلافها، وتنقب عن أعدائها لتكشف أسرارهم، وتقف على حيلهم، وأن تتغير الوقائع في فلسطين وخاصة في قطاع غزة، لتكون عودتي رغبة العاشق لبلوغ مرامه، وأمتنا العربية قادرة على توحيد صفوفها، وبعث الأمل من جديد في أجيالها، فأمتنا حية بما يكفي لتصنع الغد بإرادة مبدعة".