ترامب يحذر الحوامل من الباراسيتامول.. ما حقيقة المخاطر؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثير جدلاً واسعًا بتصريحه أن مسكن الألم "تايلينول" أو باراسيتامول قد يرتبط بزيادة خطر التوحد عند الأطفال عند تناوله من قبل الحوامل.
وألمح ترامب إلى وجود علاقة بين تناول الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين، المعروف تجاريا باسم" تايلنول" في الولايات المتحدة، وزيادة معدلات الإصابة بهذا الاضطراب العصبي.

لكن خبراء الصحة حول العالم سارعوا إلى دحض هذه الادعاءات، واصفين إياها بأنها "خطيرة"، "مضللة"، و"لا أساس علمي لها".
تصريحات ترامب حول خطورة الباراسيتامول على الحوامل
ترامب، قال خلال كلمة ألقاها في تأبين تشارلي كيرك إنه سيعقد قريبًا أحد "أهم المؤتمرات الصحفية" في حياته ليكشف "الإجابة على التوحد"، مضيفًا: "لن نسمح بحدوث ذلك بعد الآن."
تصريحاته تأتي في وقت يشهد فيه المجتمع العلمي نقاشًا حول نتائج دراسات أشارت إلى وجود ارتباط بين استخدام الباراسيتامول أثناء الحمل وزيادة احتمالات إصابة الأطفال لاحقًا بالتوحّد أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ، لكن هذه الدراسات لم تُثبت علاقة سببية، بل خلصت إلى وجود ارتباط قد تفسره عوامل أخرى مثل الجينات أو ظروف الحمل الصحية.
موقف المؤسسات الصحية العالمية من تصريح ترامب حول الباراسيتامول والتوحد:
وأكدت الدكتورة مونيك بوثا، أستاذة علم النفس التنموي والاجتماعي بجامعة دارم، أنه "لا توجد أدلة قوية أو دراسات مقنعة تشير إلى علاقة سببية بين الباراسيتامول والتوحد"، مشددة على أن مثل هذه المزاعم تعيد إنتاج "نمط تاريخي من لوم الأمهات" وتحميلهن مسؤولية اضطرابات لا علاقة لهن بها.
وأوضحت الدكتورة هانا كيرك، المحاضِرة في علم النفس التنموي بجامعة موناش، أن بعض الدراسات وجدت ارتباطًا بينما لم تجد أخرى أي علاقة، مضيفة: "الأهم أن الارتباط لا يعني السببية". واستشهدت بدراسة واسعة حللت بيانات 2.48 مليون ولادة، خلصت إلى أنه عند مقارنة الأشقاء، لتقليل أثر العوامل الجينية والبيئية، اختفى أي ارتباط بين الباراسيتامول والتوحّد.
كما رفضت الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء تصريحات ترامب، مؤكدة أنه لا توجد أدلة قاطعة تثبت وجود علاقة مباشرة بين تناول الأسيتامينوفين أثناء الحمل والتوحد، وقال الدكتور ستيفن فليشمان رئيس الكلية إن هذه المزاعم "تبسط بشكل مفرط الأسباب المعقدة للتحديات العصبية لدى الأطفال".
كما قالت شركة كينفو، المنتجة لدواء تايلينول، إن العلم أوضح تماما أن الأسيتامينوفين لا يسبب التوحد، وأعربت الشركة عن قلقها من تأثير هذه المزاعم على ثقة النساء الحوامل بالعلاجات الآمنة المتاحة لهن.
البعد الطبي بين الفائدة والخطر
ويعد الباراسيتامول حتى اليوم خيارا آمنا نسبيا للحوامل، حيث توصي به هيئة الخدمات الصحية البريطانية كمسكن أول عند الحاجة، بشرط استخدامه بجرعات منخفضة ولأقصر مدة ممكنة. وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف الحوامل في بريطانيا و65% من الحوامل في الولايات المتحدة يستخدمن الدواء خلال فترة الحمل.
لكن في المقابل، حذّر باحثون من جامعتي هارفارد وماونت سيناي الشهر الماضي من التوسع في استخدامه، مطالبين بأن يتم صرفه فقط تحت إشراف طبي.
وأوضح الدكتور ديديه برادا، المشارك في الدراسة، أن "الاستخدام الواسع للدواء يعني أن حتى زيادة صغيرة في الخطر،إن ثبتت، قد تكون لها تبعات صحية عامة مهمة". لكنه شدّد أيضا على أن "إيقاف الدواء من دون استشارة طبية قد يكون أكثر خطورة، إذ إن الحمى غير المعالجة أثناء الحمل قد تضر بالجنين".
انتقادات لاذعة لخطاب ترامب
واعتبر عدد من الخبراء تصريحات ترامب غير مسؤولة، وقال البروفيسور ستيفن غريفين، أستاذ الأمراض المعدية بجامعة ليدز، إن القول بأن الباراسيتامول "يسبب" التوحّد "قاسٍ إلى حد لا يُصدق"، مشيرًا إلى أن التوحّد "اضطراب معقد، متعدد الجينات، وغالبًا غير متوقع".
أما البروفيسور ديميتريوس سياساكوس من جامعة كوليدج لندن، فحذّر من أن التركيز المبالغ فيه على الباراسيتامول "قد يثني العائلات عن استخدام واحد من أكثر الأدوية أمانا للحوامل عند الحاجة".
هل هناك دراسات تثبت العلاقة بين الباراسيتامول والتوحد؟
شهدت الأبحاث في السنوات الأخيرة نتائج متباينة، فمراجعة علمية أجرتها جامعة هارفارد على 46 دراسة، وجدت أن 27 منها أشارت إلى رابط محتمل بين التعرض للباراسيتامول أثناء الحمل واضطرابات النمو العصبي، ومع ذلك، خلصت دراسة واسعة أجريت في السويد عام 2024 على أكثر من 2.4 مليون طفل إلى عدم وجود أي صلة بين الدواء والتوحد.
فلا يوجد دليل علمي قاطع يثبت ذلك، فالتوحد يُعتبر حالة معقدة ناتجة عن مزيج من العوامل الجينية والبيئية، ولا يمكن اختزاله في دواء واحد.
أزمة التوحد وتزايد الطلب على التشخيص
تأتي هذه الضجة في وقت تعاني فيه أنظمة الصحة، خاصة في بريطانيا، من ضغط متزايد لتشخيص حالات التوحّد.
ووفق بيانات هيئة الصحة الوطنية ، كان هناك ما يقرب من 130 ألف طفل تحت سن 18 بانتظار التقييم في ديسمبر 2024. وقد وصفت مفوضة شؤون الأطفال الوضع بأنه "أزمة غير مرئية"، مؤكدة أن بقاء الأطفال على قوائم الانتظار لسنوات يحرمهم فعليا من طفولتهم.