اتفاق باريس للمناخ.. ما الذي تحقق؟
أعادت القمة العالمية للمناخ التي يستضيفها الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي 22 و23 أبريل/نيسان، تسليط الضوء على اتفاق باريس للمناخ.
ناقوس خطر وآمال جديدة
تستهدف القمة، التي يشارك فيها 40 من قادة العالم، حشد الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، استعداداً للدورة الـ26 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP26، الذي سينعقد خلال الفترة ما بين 1 و12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في مدينة جلاسكو باسكتلندا، والذي يجمع العديد من الدول لتسريع الجهود الرامية لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
اتفاق باريس.. محاولة للفهم
يعد تغير المناخ من أهم وأخطر القضايا التي تواجه كوكب الأرض، نظراً للنتائج المترتبة على هذا التغير نتيجة ارتفاع درجة الحرارة المتوقع، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.
ويأتي تغير المناخ، بسبب الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتي ارتفعت كمياتها في الغلاف الجوي عن المعدلات الطبيعية نتيجة أنشطة بشرية، وخاصة بعد الثورة الصناعية، وإزالة الغابات، والزراعة الواسعة النطاق، وهو ما يتطلب التزام دولي بخفض تلك الأنشطة المسببة للاحتباس الحراري.
وبدأت الجهود الدولية منذ وقت مبكر لمحاولة التصدي لتك القضية، إلى أن تبلورت بصورة أوضح وبشكل دولي عبر اتفاق باريس.
ويعد اتفاق باريس، أول اتفاقية دولية خاصة بمكافحة تغيرات المناخ على مستوى العالم، والتي تهدف لتفادي ارتفاع درجة الحرارة بصورة خطرة.
ووقعت 194 دولة على اتفاقية باريس للمناخ التي تم إقرارها في باريس في اختتام قمة المناخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2015.
ويستهدف اتفاق باريس إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتين مئويتين وتكثيف الجهود لتقليلها إلى 1.5 درجة مئوية.
وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.
وتؤكد دول عديدة، خصوصا الواقعة على جزر والمهددة بارتفاع مستوى البحر، على أنها ستصبح في خطر في حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1,5 درجة مئوية.
ويتمثل أحد أهم إجراءات الاتفاق في وضع آلية مراجعة كل 5 سنوات للتعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية، وستجرى أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية "إحراز تقدم".
كما جاء في الاتفاق أيضاً بند ينص على تقليص شدة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وذلك بالحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.
ويتطلب من الدول المتقدمة تقديم مساهمات أكبر في سبيل خفض الانبعاثات، بينما يتعين على الدول النامية "مواصلة تحسين جهودها" في التصدي للاحتباس الحراري "في ضوء أوضاعها الوطنية".
ويلزم الاتفاق الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً بدءاً من عام 2020 للدول النامية والفقيرة وذلك لمساعدتها على تمويل اختيار الطاقات البديلة والطاقة المتجددة.
كما طالبت الدول النامية في نص الاتفاق باعتبار مبلغ 100 مليار دولار سنوياً ليس سوى "حد أدنى".
وسيتم اقتراح هدف جديد في 2025، وترفض الدول المتقدمة أن تدفع وحدها المساعدة، وتطالب دولاً مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية أن تساهم.
ضربة موجعة
ولم تمر أشهر قليلة على دخول اتفاق باريس حيز التنفيذ رسمياً في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حتى تلقى الاتفاق ضربة موجعة بإعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 1 يونيو/حزيران 2017، انسحاب الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، من اتفاق باريس.
وانسحبت إدارة ترامب من الاتفاقية، وتراجعت عن السياسات التي وُضِعت لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحاولت منع أي نقاش حول تغير المناخ في التجمعات الدولية مثل قمة السبع الصناعية الكبرى أو قمة مجموعة العشرين، الأمر الذي كان له أثره أيضاً على الجهود العالمية في هذا الصدد.
ومع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة أعاد بلاده لاتفاق باريس للمناخ.
وعيّن بايدن في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، جون كيري في منصب المبعوث الرئاسي لشؤون المناخ، وهو منصب استحدثه الرئيس جو بايدن، لتنسيق جهود الولايات المتحدة وحلفائها في مكافحة التغير المناخي، ما يعكس الأهمية التي يوليها بايدن لهذا الملف.
ويستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي الخميس والجمعة، قمة عالمية حول المناخ عبر الإنترنت تؤكد عودة الولايات المتحدة إلى الخطوط الأمامية لمكافحة الاحتباس الحراري.
ناقوس خطر
تلك القمة استبقها تقرير أممي صدر في فبراير/شباط الماضي، دق ناقوس الخطر بشأن تغير المناخ، بعد أن أظهر أن المستويات الحالية للطموح المناخي بعيدة كل البعد عن وضع العالم على مسار يلبي أهداف اتفاق باريس.
ودعا التقرير إلى مضاعفة الجهود وتقديم خطط عمل وطنية أقوى بشأن المناخ خلال عام 2021.
ويظهر التقرير الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (UNFCCC) أنه في حين أن معظم الدول الممثلة (في التقرير) رفعت سقف طموحها الفردي لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري، إلا أن التأثير المشترك يضعها على طريق خفض الانبعاثات بنسبة 1% فقط مع حلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2010.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، إن هذا التقرير هو تحذير لكوكبنا. ويظهر أن الحكومات ليست قريبة من مستوى الطموح المطلوب للحد من تغيّر المناخ إلى 1.5 درجة مئوية وتحقيق أهداف اتفاق باريس.
وأضاف أن عام 2021 هو عام حاسم لمواجهة حالة الطوارئ المناخية العالمية، مشيرا إلى أنه "للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 عن مستويات 2010".
ودعا الأمين العام الأطراف الرئيسية المسببة للانبعاثات إلى التعجيل بأهداف أكثر طموحاً وخفض الانبعاثات بحلول عام 2030 في مساهمتها المحددة وطنيا قبل موعد مؤتمر الأطراف 26 في جلاسكو.
جاء تقرير اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي بناء على طلب من أطراف اتفاق باريس لقياس التقدم في خطط العمل المناخي الوطنية، قبل موعد مؤتمر الأطراف 26.
ويغطي التقرير الطلبات المقدمة حتى تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، ويظهر أن 75 طرفا قد قدّموا مساهمات محددة وطنيا- إما جديدة أو محدّثة- وهو ما يمثل ما يقرب من 30% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
وأظهر التقرير أن على الدول مضاعفة جهودها وتقديم خطط عمل وطنية أقوى بشأن المناخ خلال عام 2021 إذا ما أرادت تحقيق أهداف اتفاق باريس في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين- أو 1.5 درجة مئوية وهو الأمر المثالي- مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية مع حلول نهاية القرن.
تجارب رائدة
وأشار التقرير إلى أن طرفين فقط من الجهات الـ18 المسببة لأكبر انبعاثات، وهما المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، قدما تحديثاً على المساهمات المحددة وطنياً في عام 2020، ويحتوي التحديث على زيادة كبيرة في أهداف خفض غازات الدفيئة.
أما الأطراف الأخرى فإما أنها قدّمت مساهماتها وفيها رفع قليل جداً في سقف الطموحات، أو أنها لم تقدّمها على الإطلاق.
من جانبه، قال رئيس مؤتمر الأطراف 26، ألوك شارما: "يجب أن يكون هذا التقرير بمثابة نداء عاجل للعمل، وأنا أطلب من جميع البلدان، ولاسيّما البلدان الرئيسية المسببة للانبعاثات، تقديم أهداف طموحة لخفض الانبعاثات لعام 2030".
وأضاف شارما: "يجب أن ندرك أن نافذة العمل لحماية الكوكب تضيق بسرعة".
التجربة الإماراتية
على الصعيد العربي والإقليمي، سلمت الإمارات في ديسمبر/كانون الأول الماضي التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً لها إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وأعلنت الإمارات عبر التقرير رفع سقف مساهماتها الوطنية في زيادة معدلات خفض الانبعاثات في جميع القطاعات الاقتصادية وصولاً إلى تحقيق انخفاض بنسبة 23.5% في عام 2030، وهو ما يعادل خفضاً مطلقاً للانبعاثات بنحو 70 مليون طن.
ومن شأن تلك الخطوة الإماراتية تحفيز الجهود العالمية في هذا الصدد، عبر الإعلان عن رفع سقف مساهماتها الوطنية للعمل من أجل المناخ.
ورغم أن التقرير الأممي الصادر فبراير/شباط الماضي، يكشف أن العالم ما زال بعيد عن تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، ويدق ناقوس الخطر بشأن تغير المناخ، إلا أن هناك عدة أمور تبعث الأمل من جديد بدفع الاتفاق قدماً، يأتي على رأسها عودة الولايات المتحدة لقيادة المعركة العالمية لمكافحة التغيرات المناخية، ووجود تجارب رائدة لمكافحة تغير المناخ، مثل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات.
وتسعى دولة الإمارات لتقديم نموذج عالمي فعال للتعامل مع التغير المناخي ومواجهة التحديات التي يفرضها على دول العالم كافة، لحماية مستقبل البشرية من التحدي الأهم الذي يواجهها حاليا، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
aXA6IDMuMTQ3LjI4LjExMSA= جزيرة ام اند امز