انتهى مؤتمر باريس الدولي بشأن ليبيا، وكانت أهم توصياته التهديد بعقوبات على الأفراد الذين "سيحاولون عرقلة أو تقويض نتائج الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل.. سواء كانوا داخل ليبيا أو خارجها"، وفق بيان المؤتمر.
فجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لا تُخفي سعيها لإفشال المسار السياسي في البلاد.
هذا الزخم، الذي رأيناه عبر حضور عشرات الرؤساء في المؤتمر، يعتبر دعما استثنائيا لليبيا وشعبها من أجل استعادة السيادة الوطنية ووحدة الأراضي والانسحاب النهائي للقوات الأجنبية، وهذا أمر يشترط فيه أن تجري الانتخابات بسلاسة، وأيضا قبول نتائج الانتخابات من قبل الفاعلين الرئيسيين، حيث يجب في رأيي على الوسطاء الدوليين أن يوضحوا للمشاركين أن تطور البلاد بطريقة شفافة بعد الانتخابات، سيصب في صالح كل الأطراف، وستعود الفائدة على ليبيا والدول الأوروبية وكل دول الجوار، ذلك أن الاستقرار السياسي يعني ارتفاع فرص استثمارات الشركات الأجنبية في ليبيا، والذي يدفع لتعزيز الاقتصاد، كما أن استقرار ليبيا وقوتها يعني قدرتها على مكافحة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، وبكل تأكيد سيدفع ذلك إلى إيجاد حلول لمشكلة المهاجرين واللاجئين، وهو ما يهم أوروبا.
قبل أسابيع عدة، أعلن خالد المشري رفضه أي خطوة من شأنها الدفع بالعملية السياسية قدمًا، وصدر بيان عنه حمل تهديدًا صريحًا لرئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح، إذا ما مضت الهيئة المستقلة في طريقها نحو تمهيد الطريق لإجراء العملية الانتخابية، ومهما يكن من أمر، فإن التهديد المبطن لرئيس المفوضية العليا للانتخابات، جزء من الضغط الذي يمارسه تنظيم الإخوان على رئيس الهيئة المستقلة، خاصة أن مواقفه وتصريحاته كانت تكشف نيات الإخوان الحقيقية والراغبة في تعطيل الانتخابات.
مؤتمر باريس شكّل رادعا معنويا هائلا لإخوان ليبيا، ذلك أن تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية لم يترك طريقا إلا وسلكه من أجل عرقلة المسار السياسي والحل السلمي في ليبيا، وإفشال الاستحقاق الانتخابي، حيث تسعى عناصره لعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية المباشرة، ما يعكس مخاوفهم من الفشل الذريع في الانتخابات من جراء تضاؤل شعبيتهم وتآكل رصيدهم عند الناخبين، كما أن الليبيين واجهوا في السنوات الماضية مخطط تنظيم الإخوان لزرع عناصرهم في مختلف مؤسسات الدولة، بسبب الوعي الشعبي بمخططاتهم، ما جعل التنظيم يراهن على ملف آخر، وهو التمسّك ببقاء المرتزقة والمسلحين الأجانب في البلاد.
وأيضا، فإن جماعة الإخوان الإرهابية في ليبيا حاليا تعمل بكل قوة على زرع الفتنة بين الجيش الليبي وحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، وتشويه الجيش الليبي في الخارج، كوسيلة جديدة لتحقيق حلمها بتعطيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، حتى يتسنّى لها إعادة ترتيب أوراقها لكسب أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، والانقضاض على منصب الرئيس، وهو ما نراه في تسخير الجماعة أذرعها الإعلامية لتشويه القوات المسلحة ونعتها بألفاظ مجحفة لتعطيل إعادة بناء المؤسسة العسكرية، وكل ذلك يأتي في ظل خطة طويلة الأمد تتضمن أيضا تشويه صورة الشخصيات الوطنية، كما أن تمسك التنظيم ببقاء المرتزقة والمليشيات المسلحة يُظهر بشكل لا لَبْس فيه تحدي التنظيم للقرارات الدولية.
في واشنطن، تابعت الصحافة مؤتمر باريس لحظة بلحظة، حيث قالت "واشنطن بوست" "إنه من المتوقع أن يسفر مؤتمر باريس عن دعم دولي لإجراء الانتخابات، على الرغم من المشكلات الإجرائية والخلافات السياسية التي تعتري إجراء أول انتخابات وطنية منذ سبع سنوات في ليبيا، وإن واشنطن تأمل مثل الدول الأوروبية أن يسفر الاقتراع الرئاسي والبرلماني المخطط له عن توحيد ليبيا تحت سلطة واحدة والبدء في تضميد جراحها"، لكن الأهم فيما قالته الصحيفة أن إدارة "بايدن" "تقيم المخاطر المرتبطة بتأجيل الانتخابات بأنها تفوق مخاطر إجرائها في ظل الظروف الحالية"، وأن ليبيا "تمتعت بفترة من الهدوء النسبي مع مضي الاستعدادات للانتخابات قدما".
أخيرا، فإن مسودة نتائج المؤتمر ذكرت أن القوى العالمية ستضغط في اتجاه فرض عقوبات على أي شخص يعطل العملية الانتخابية والانتقال السياسي في ليبيا، وأكدت المسودة أن "الأفراد أو الكيانات، سواء داخل ليبيا أو خارجها، الذين قد يحاولون عرقلة العملية الانتخابية والانتقال السياسي أو تقويضهما أو التلاعب بهما أو تزييفهما قد يواجهون عقوبات"، وكأن المؤتمر يدرك مسبقا تلك المخططات الإخوانية، والتهديد بالعودة إلى الحرب في حال الخسارة، وهو الأمر الذي ورد على لسان قادة تنظيم الإخوان في ليبيا، التي عادت اليوم إلى المجتمع الدولي المطالب بحمايتها من الوقوع في براثن إرهاب الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة