لكن ثمة مؤشرات تفيد بأن المبادرة الفرنسية لا تمتلك فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة.
كانت فرنسا إحدى الدول الكبرى التي لعبت دوراً مهما في معالجة قضايا الشرق الأوسط وعلى نحو خاص، منها القضية الفلسطينية. فقد كانت لها مواقف من المحطات التالية في مسار الصراع: قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، وتقديم باريس الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، والذي شمل السلاح النووي والمساعدة في بناء مفاعل ديمونا.
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول قد نعت إسرائيل بالمعتدية، إثر حرب الخامس من يونيو 1967، وقام بفرض حظر عام على إرسال الأسلحة الفرنسية إلى المتحاربين. وعمل على إيجاد حلول مناسبة للقضية الفلسطينية. ولتطبيق قرار 242 الشهير بصيغته الفرنسية التي تقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة. فقامت فرنسا بطرح مشروع لحل المشكلة، كان من أهم ما جاء فيه:
1. تنفيذ عاجل من قبل إسرائيل للانسحاب من جميع الأراضي المحتلة في حرب يونيو 1967، وإعلان عربي بإنهاء الحرب والاعتراف بإسرائيل.
2. تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 على عدة مراحل.
3. تبني مبادئ عامة بالنسبة للمشكلات الأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي كمصير اللاجئين العرب في حرب 1948، ووضع الفلسطينيين والقدس.
وتقدمت فرنسا بمبادرة مشتركة مع مصر إلى مجلس الأمن في الثاني من شهر يوليو 1982، تدعو إلى تلبية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واعتبار منظمة التحرير طرفاً في المفاوضات، بالإضافة إلى الدعوة إلى الاعتراف المتبادل والمتزامن بين الطرفين المعنيين، إسرائيل ومنظمة التحرير.
وستستضيف العاصمة الفرنسية باريس في الحادي والعشرين من الشهر الجاري أعمال مؤتمر دولي للسلام دُعيت لحضوره 70 دولة، من قبل فرنسا التي كانت قد بدأت تحركات لعقد مؤتمر دولي للسلام، منذ أبريل 2014 عند توقف الولايات المتحدة الأميركية عن رعاية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وطرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في نهاية يناير 2016، قبل استقالته من منصبه مبادرة للسلام تركز على أن حل الدولتين هو الخيار العملي الوحيد لإنهاء النزاع، وأن أي جهة لم تعرض حلاً أفضل يكون مقبولاً لإسرائيل والفلسطينيين، ويستجيب لمطامحهما ويربط بين العدل والمتطلبات الأمنية. ومع ذلك يشير الفرنسيون في الوثيقة إلى أن هذا الحل يواجه خطر أن يغدو مستحيلاً جراء استمرار البناء في المستوطنات، بما فيها مناطق حساسة، وجراء تحول الحوار إلى عدائي بشكل متزايد.
وجاء في نص المقترح الفرنسي المقدم لمؤتمر باريس الذي عقد في يوليو الماضي التالي: "يدعو المجتمعون الأطراف المعنية إلى إظهار سريع، عبر الوسائل السياسية والعملية، التزامهم الجدي بحل الدولتين، من خلال وقف النشاطات الاستيطانية، ووقف العنف والتحريض عليه. وخلق المناخ الذي يسمح لمفاوضات ذات مصداقية أن تحصل، بحيث يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وحل جميع قضايا الوضع النهائي على أساس قرارات مجلس الأمن 242 و338، و1397، و1515، و1850، مبادئ مؤتمر مدريد، ومبادرة السلام العربية، وخطة خارطة الطريق".
لكن ثمة مؤشرات تفيد بأن المبادرة الفرنسية لا تمتلك فرصة أفضل للنجاح من المبادرات والجهود السابقة، بل إن حظها أقل من سابقاتها، بحكم أن فرنسا وأوروبا لا تمتلكان القدرة الكافية للضغط على إسرائيل حتى لو توفرت لديها الإرادة لفعل ذلك، ولأن الولايات المتحدة الأميركية غير متحمسة للمبادرة الفرنسية، وكل همها هو تفريغها من مضمونها والاحتفاظ بزمام المبادرة في يدها، كما أن المبادرة انطلقت من سقف منخفض هو أقل بكثير من الشرعية الدولية.
ومما لا شك فيه وجود أهمية كبيرة لمواقف المجتمع الدولي، وعلى نحو خاص مواقف ومبادرات القوى الكبرى الرامية إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، لكن السبب الرئيسي لفشل تلك المبادرات -وربما منها المبادرة الفرنسية- يتمثل في أنها تتجاهل جذور ومصادر الصراع، فضلاً عن أن دور تلك الدول كان دوراً رئيسيا في تشكل وتعقيد القضية الفلسطينية في كافة مراحل الصراع في الشرق الأوسط.
* نقلا عن الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة