8 كلمات حسمت مصير أوروبا.. كشف المذكرة السرية لإنزال النورماندي
في خطوة استثنائية، فتحت وكالة الاتصالات الحكومية البريطانية أبواب متحفها شديد السرية أمام الصحافة، للسماح برؤية واحدة من أهم الوثائق في تاريخ الحرب العالمية الثانية.
الوثيقة بالغة السرية لم تكن سوى برقية قصيرة من ثماني كلمات فقط، لكنها كانت، لحسب صحيفة التايمز، كفيلة بتغيير مجرى التاريخ.
تقول الرسالة التي التُقطت بعد فك شيفرتها من آلة "إنيغما" الألمانية: "جسر بينوفيل فوق قناة كاين في أيدي البريطانيين"؟.
كانت تلك الكلمات القليلة كفيلة بإعلان نجاح عملية الإنزال في النورماندي يوم السادس من يونيو/ حزيران عام 1944. فقد كانت البرقية تعني أن جسر "بيغاسوس"، أحد أهم النقاط الاستراتيجية في شمال فرنسا، أصبح تحت السيطرة البريطانية، مما قطع طريق التعزيزات النازية إلى الشواطئ التي نزلت عليها قوات الحلفاء.

بذلك، أكّد هذا الإرسال - القادم من قلب الاتصالات الألمانية نفسها - أن الغزو الأكثر جرأة في الحرب كان يسير وفق الخطة.
متحف خلف الأسلاك الشائكة
الوثيقة التاريخية تُعرض اليوم في متحف داخل مقر وكالة الاتصالات الحكومية البريطانية بمدينة تشلتنهام، وهو واحد من أكثر المواقع الأمنية حراسة في المملكة المتحدة، حيث يتطلب الدخول إلى المتحف المرور عبر أسوار من الأسلاك الشائكة، وأربع نقاط تفتيش مشددة، وخلف جدران تعج بعلماء التشفير والرياضيات.
ولسنوات، لم يُسمح إلا لأشخاص محددين للغاية - ممن يحملون تصاريح أمنية عليا - برؤية هذه المذكرة. ويقول مسؤولو الوكالة إن من يُسمح لهم اليوم بالوصول إلى المتحف، هم نفس الفئة التي كانت ستحظى في عام 1944 بقراءة الرسالة الأصلية.
الصحفي الزائر تحدّث عن لافتات منتشرة في الممرات تُحذر الموظفين من التحدث عن أي معلومات سرية في أماكن عامة داخل المبنى، خشية أن يلتقطها زوار المتحف بالصدفة.
من السرية القصوى إلى متحف مفتوح

للمرة الأولى، ستُعرض المذكرة للجمهور ضمن معرض جديد تنظمه المكتبة البريطانية بعنوان «الخرائط السرية». وقد استعارت المكتبة البرقية إلى جانب مجموعة من مقتنيات وكالة الاتصالات الحكومية، منها آلة "إنيغما" الأصلية وقطعة من كابل تلغرافي قديم.
ويقول توم هاربر، القيّم على المعرض، إن هذه الوثيقة - رغم أنها ليست خريطة - تمثل صلة فريدة بين التاريخ والجغرافيا والاستخبارات.
ويوضح: "كانت عملية الإنزال في النورماندي بالغة السرية، لدرجة أن البريطانيين اضطروا في يومها لاعتراض الاتصالات الألمانية ليعرفوا بأنفسهم إن كانوا قد نجحوا. المفارقة أن الألمان، دون قصد، زودوا الحلفاء بالمعلومات الميدانية التي استخدموها لتحديث خرائطهم العسكرية.”
خرائط تكشف أكثر مما تُخفي
المعرض الجديد لا يقتصر على وثيقة يوم الإنزال، بل يضم مجموعة من الوثائق والخرائط النادرة التي تكشف ملامح عالمٍ خفيّ من الجغرافيا السياسية والاستخبارات.
من بين المعروضات خريطة لدفاعات الساحل الجنوبي لإنجلترا تعود لعهد الملك هنري الثامن، حين كان يخشى غزوًا فرنسيًا، وأخرى لمدينة بلفاست كُتبت بالكامل بالأبجدية الروسية، أعدها جهاز الاستخبارات السوفياتي في سبعينيات القرن الماضي وتضمنت تفاصيل لم تكن متاحة حتى لسكان المدينة.

كما تُعرض خرائط الهروب التي كان يستخدمها أسرى الحرب البريطانيون، والمطبوعة على أقمشة من الحرير لتسهيل طيّها وإخفائها، والتي استعملت لاحقًا من قِبل الليدي ماونتباتن لصنع طقم ملابس داخلية فاخرة - في مفارقة تجمع بين الأناقة والتاريخ العسكري.
مؤرخ غامض في قلب الجهاز
يقول مؤرخ وكالة الاتصالات الحكومية، المعروف فقط باسم "ديف" لأسباب أمنية، إن هذه المذكرة تعدّ "جوهرة المتحف"، إذ تجسد اللحظة التي التقت فيها براعة التشفير بالتاريخ الحربي الحاسم. ورغم أهمية حديثه، لم يُسمح للصحفي بتسجيل المقابلة أو ذكر اسمه الكامل حفاظًا على السرية.