جيوش في الأسر.. "تغير المناخ" جنرال العقيدة العسكرية العنيد
قراءة في كتاب البنتاغون وتغير المناخ والحرب: رسم صعود وسقوط الانبعاثات العسكرية الأمريكية
كان العلما، يراقبون تغير المناخ والحرب وكيف يمكن للطقس، وإزالة الغابات، وارتفاع سطح البحر أن تخلق ظروفا تحسم الحروب.
لكن في كتاب بعنوان "البنتاغون وتغير المناخ والحرب: رسم صعود وسقوط الانبعاثات العسكرية الأمريكية"، قلبت الكاتبة نيتا سي كروفورد هذه الفكرة.
وتحدثت كروفورد عن كيفية مساهمة الجيوش في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، إذ تطلبت ضرورات الحرب الحديثة، مع الإنتاج الهائل للأسلحة والمركبات الثقيلة والقوات المستمرة في الحركة والطائرات في الجو، استهلاكًا هائلاً للمنتجات البترولية.
وشرحت كروفورد في كتابها كيف أن الاقتصاد والجيش الأمريكيين معا قد خلقا دورة عميقة وطويلة الأجل من النمو الاقتصادي، واستخدام الوقود الأحفوري، والاعتماد، وقد شكلت هذه الدورة العقيدة العسكرية الأمريكية، وعلى مدى الخمسين عاما الماضية كانت حماية إمدادات النفط هدفا تشغيليا في الحرب التي شكلت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما في الشرق الأوسط، بعد عام 1945.
وقالت كروفورد إنه حتى مع اعتراف الجيش الأمريكي بتغير المناخ الذي يسببه الإنسان وتكيفه معه، فقد قاوم الإبلاغ عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الخاصة به. فخلال مفاوضات بروتوكول كيوتو لعام 1997، حشد مندوبو واشنطن أنفسهم للضغط لاستثناء القوات المسلحة من متطلبات الإبلاغ عن حجم إصدارات غازات الدفيئة، لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي.
وباتت وزارة الدفاع الأمريكية بقواتها العسكرية ووكالات وزارة الدفاع هم أكبر مستهلك منفرد للطاقة في الولايات المتحدة وأكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.
لكن، بحسب الكاتبة، فالأوان لم يفت لكسر الصلة بين الأمن القومي واستهلاك الوقود الأحفوري.
ففي السنوات الأخيرة، أصبح الجيش، الأكثر حساسية تجاه تعرض قواعده للحرارة الشديدة والفيضانات، في طريقه ليكون "أكثر خضرة" (صديقا للبيئة)، على الرغم من أن كروفورد تجادل بأنه لا يزال بإمكانه فعل المزيد.
وكتبت كروفورد أن الجيش الأمريكي اعترف لسنوات (على عكس العديد من السياسيين) بأن تغير المناخ أمر حقيقي، مما خلق ظروفا شديدة القسوة لدرجة أن بعض المسؤولين العسكريين باتوا يخشون حروبا مناخية في المستقبل.
وتعقبت كروفورد فى كتابها الاستهلاك المتزايد للجيش الأمريكي للطاقة ودعت إلى إعادة صياغة مفاهيم السياسة الخارجية والعقيدة العسكرية، معتبرة أن إعادة التفكير فقط من شأنها قطع الصلة بين الأمن القومي والوقود الأحفوري.
وتجادل الكاتبة كيف أن تغير المناخ هو "عامل مضاعف للتهديد" في الأمن القومي ، وأن الولايات المتحدة تواجه مخاطر أكبر من تغير المناخ أكثر من فقدان الوصول إلى النفط - أو من معظم النزاعات العسكرية.
والطريقة الأكثر فعالية لخفض الانبعاثات العسكرية ، كما تقترح كروفورد، هي إعادة التفكير في استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى، والتي من شأنها أن تمكن الولايات المتحدة من تقليل حجم وعمليات الجيش.
وتعد قضية انبعاثات الجيوش محل قلق متزايد في الأوساط العلمية والبيئية، لا سيما مع عدم كفاية التجاوب السياسي والاقتصادي العالمي معها حتى الآن.
انبعاثات الجيوش
وكان تقرير لمجلة نيتشر العلمية في فبراير/شباط الماضي ذكر أن المؤسسات العسكرية، على مستوى العالم، تنتج كمّيات هائلة من غازات الدفئية، إذ تتراوح التقديرات في هذه المساحة بين 1٪ و5٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية، وهو ما يساوي قطاعَي الطيران والشحن.
وحذر التقرير من أن الوضع إذا لم يتغير فستكون إجراءات التخفيف من حدة الانبعاثات ضربًا من ضروب الخيال.
ووفقا للتقرير، فإن الجيش الأمريكي، على سبيل المثال، يسجل النسبة الأعلى من الانبعاثات لكل فرد، بقيمة 42 طنًا متريًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2eq) لكل من أفراده.
ولكل مئة ميل بحريّ طيران ينبعث من مقاتلات «F-35» التابعة لسلاح الجو الأمريكي مقدار يساوي 2.3 طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل متوسط ما ينبعث من قيادة سيارة إنجليزية تعمل بالبنزين لمدة عام كامل.
وفي كل عام ينتج عن استخدام الجيش الأمريكي وحده لوقود المحركات النفاثة انبعاثات تعادل ستة ملايين سيارة ركاب أمريكية.
ووجدت دراسة بتكليف من البرلمان الأوروبي العام الماضي أن البصمة الكربونية لجيوش الاتحاد الأوروبي في عام 2019 كانت حوالي 24.8 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو نفس تأثير 14 مليون سيارة.
وقال تقرير نيتشر إنه مع انعدام التوافق الدولي أو حتى الإرادة لاتخاذ إجراءات عملية، فإن مراقبة الانبعاثات العسكرية، وخفضها، تقبع في موقعٍ متدنٍ من سلم الأولويات. فعدد محدود من القوات المسلحة، من بينها قوات المملكة المتحدة والولايات المتحدة هي التي قررتْ نشر وثائق استراتيجية بشأن الأعمال المتصلة بالمناخ.
أما الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فليس بينها سوى 10 جيوش هي التي انتبهت إلى الحاجة الماسة للتخفيف من حجم إنتاج غازات الدفيئة، وسبع دول منها فقط هي التي وضعت أهدافًا واضحة.
وفي الوقت نفسه، لا توجد منهجيات دقيقة لحساب انبعاثات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة العسكرية.
دعوة غامضة من الناتو
وقال تقرير لموقع إينرجي مونيتور إن دعوة سكرتير عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ خلال قمة الحلف في العاصمة الإسبانية مدريد في يونيو/حزيران من العام الماضي بشأن وضع "سياسة مناخية" للحلف لم تكن حتى واضحة.
وتحدث حينها ستولتنبرغ عن سياسة مناخية جديدة بدت في ظاهرها طموحة وهي خفض الانبعاثات العسكرية للتحالف بنسبة 45% بحلول عام 2030 والوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050.
وقال: "لدينا أيضا مسؤولية للحد من الانبعاثات". ولهذه الغاية، قمنا بتطوير المنهجية الأولى لقياس انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الناتو-المدنية والعسكرية، إنها تحدد ما يجب عده وكيفية حسابه، وستتاح لجميع الحلفاء لمساعدتهم على تقليل انبعاثاتهم العسكرية".
ولم يوضح ستولتنبرغ من الذي يتم تطبيق الهدف عليه. كان الزخم يتزايد لجميع الدول الأعضاء للاتفاق على خطة مناخية مشتركة مع أهداف خفض الانبعاثات، لكن ما تم الاتفاق عليه في قمة يونيو/حزيران لا يزال غير واضح.
يقول دوج وير، مدير الأبحاث والسياسات في مركز أبحاث Conflict and Environment Observatory: "كان بيان ستولتنبرغ غامضًا بشكل مخيب للآمال بشأن ما تعنيه بالفعل". الهدف المتفق عليه هو فقط للمنشآت التي يديرها الناتو بنفسه. وأشار وير إلى أن "جيوش أعضاء الحلف هي المصدر الرئيسي لانبعاثات الناتو، وليس الناتو كمؤسسة".
وفقا لمسؤول في الناتو، فإن الهدف سيطبق على مقرات الناتو في بروكسل، ومقارها العسكرية (مثل تلك الموجودة في بلجيكا وإيطاليا وهولندا) والمعدات العسكرية المملوكة للناتو مثل طائرات المراقبة وطائرات الأواكس التابعة لها. ومع ذلك، فإن كمية المعدات التي يمتلكها الناتو مباشرة محدودة.
aXA6IDMuMTQ1LjUwLjcxIA==
جزيرة ام اند امز