ذكرى وفاة محمد عفيفي مطر.. شاعر الأرض والطين
قصائد محمد عفيفي مطر تضج بالألم والفزع والكوابيس والرؤى المقتولة والأماني المغدورة ووجوه الأحبة الموتى والمدن التي يسكنها الأشباح.
تمر، الجمعة، الذكرى الـ9 لوفاة الشاعر المصري محمد عفيفي مطر، الذي يعد واحدا من أبرز شعراء الحداثة في مصر، كما أنه كان نموذجًا للمثقف الذي تتسق كتاباته وقناعته مع مواقفه، فضلًا عن تجربته اللافتة المتمثلة في إصدار مجلة "سنابل" التي كان يصدرها في مدينة كفر الشيخ في دلتا مصر بعيدا عن العاصمة.
وتميز مطر بالتزام مدرسة شعرية قائمة بذاتها تنتصر للأسطورة والفلسفة، وتحتشد بالمهارات اللغوية والمغامرات البلاغية والرصانة، وكان لمفردات الطين والأرض حضور طاغٍ في مجمل إنتاجه.
ولد الشاعر محمد عفيفي مطر في قرية رملة الأنجب بمحافظة المنوفية في عام 1935، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، وعمل مدرسًا، وكان واحدًا من بين عدد من المثقفين المعارضين للرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات الذين عاشوا في العراق إلى نهاية سبعينيات القرن الماضي.
واستندت قصيدة عفيفي مطر إلى قاموس بلاغي شديد الثراء، جعله واحدًا من رواد التجريب والتجديد في الشعر العربي، خلال مرحلة الستينيات، وقاد ثورة في الشعر المصري في نفس توقيت الثورة التي قادها أدونيس في الشام، ولا يغيب الحس السياسي غير الصارخ ولا المباشر في نصوصه، التي تستلهم التاريخ، كما كانت قصائده تتوجه إلى النخبة قبل العامة رغم تعبيرها عن آلامهم وأحلامهم المجهضة بلغة شعرية حداثية.
وتضج قصيدة عفيفي مطر بالألم والفزع والكوابيس والرؤى المقتولة والأماني المغدورة ووجوه الأحبة الموتى والمدن التي يسكنها الأشباح، كما أنها قصيدة مركبة تستند إلى الأسطورة التي يعيد إنتاجها بلغة حداثية فلسفية، وفقًا لشهادة الشاعر الفلسطيني المتوكل طه عنه.
ومن أشهر المجموعات الشعرية التي تركها الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر: "احتفاليات المومياء المتوحشة"، و"فاصلة إيقاعات النمل"، و"رباعية الفرح"، و"أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت"، و"يتحدث الطمي"، و"النهر يلبس الأقنعة" و"شهادة البكاء في زمن الضحك"، و"كتاب الأرض والدم"، و"رسوم على قشرة الليل" و"الجوع والقمر" و "من دفتر الصمت" و "من مجمرة البدايات" كما كتب للأطفال "مسامرات للأطفال كي لا يناموا"، فضلاً عن كتاب عن محمود سامي البارودي "الشاعر الفارس"، وكتاب عن "قصيدة الحرب في الشعر العربي".
وظل عفيفي مطر معارضًا لنظام السادات احتجاجًا على اتفاقية كامب ديفيد، ليسافر بعدها إلى العراق. وبعد عودته، اشتغل بفلاحة الأرض الزراعية، إلى جانب انغماسه في كتابة نصوصه وقصائده، تلك القصائد التي ضمّنها مواقفه السياسية المعارضة التي أودت به إلى السجن، وبالأخص بعد معارضته موقف النظام المصري من الحرب على العراق، واعتقل هو وآخرون في عام 1991، ومن تجربة السجن خرج ديوانه "احتفاليات المومياء المتوحشة".
ولم تكن ثورية مطر خطابية ولا سياسية، وإنما ثورية من أجل الدفاع عما هو حقيقي، وأصيل، كما نأى بنفسه عن الانضواء تحت راية حزب سياسي أو حركة لها مطالب وأيديولوجية يمكن أن تعرقل إبداعه، ولذلك ظل مطر مبدعًا أصيلًا، ومثقفًا صاحب مبدأ وموقف سياسي حر، لا يتحكم فيه سوى قناعاته الخاصة فقط.
وحصل مطر، الذي توفي في 28 يونيو/حزيران عام 2010، على الكثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية، ومنها جائزة العويس الإماراتية، وجائزة الدولة التشجيعية والتقديرية، وجائزة كفافيس اليونانية، وجائزة من جامعة أركنسو الأمريكية، وجائزة المؤسسة العالمية للشعر في روتردام الهولندية، فضلًا عن كتاباته النثرية وترجماته وكتاباته للأطفال.