تَحمّلَ شعب قطاع غزة ولا يزال تضحيات لم يتحملها شعب آخر في تاريخ البشرية كلها، منذ عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومؤخرا، عبّر موسى أبومرزوق أحد قادة حماس عن ندمهم على تدمير قطاع غزة وأنهم "لو علموا بهذه النتيجة لما قاموا بالعملية"، فشعب غزة تتراوح عيشته اليوم ما بين التجويع -في أحسن الحالات- وبين القتل المباشر من عمليات قصف القوات الإسرائيلية حتى تعدى عددهم ربع مليون شهيد، عدا إحصائيات المصابين والمشردين.
ورغم كل التضحيات والتعاطف الدولي من السياسيين والرأي العام بشأن تنكيل هذا الشعب الأعزل الذي لا ذنب له سوى أن من يتحكم في حياته قادة يعيشون خارج القطاع ويطالبون الشعب الغزاوي أن يصمد أمام سياسات الحكومة الإسرائيلية التي تؤدي إلى موته.
ولا توجد جريمة ارتكبها إنسان غزة في حق أحد سوى أن "حركة حماس" التي تدعي الإسلام والتي تمثل شعب قطاع غزة منذ 2005 مارست إحدى مغامرات أيديولوجية تنظيم الإخوان الإرهابية.
إلا أن كل ذلك التعاطف لم يغير شيئا لهم، على العكس، فإن الأمور تسير نحو المزيد من التعنت "الحمساوي" وبين عناد لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي ينشر الحروب في المنطقة دون شعور بأي مسؤولية تجاه التداعيات التي يمكن أن تخلفها سياسته على المنطقة والعالم.
لذا، إذا تُرك أمر إيقاف هذه الحرب "غير العادلة" بيد قادة حركة حماس الإخوانية وحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، فإن هذا معناه تضاعف معاناة شعب غزة لأنها تبدو مستمرة، وسيظل تعاطف العالم يدور في دائرة ضيقة تُعيد إنتاج مخرجات عقلية (حماس ونتنياهو) التي لا جديد فيها لا من ناحية نوعية المخرجات أو من الناحية الاستراتيجية التي تساعد على الحفاظ على حياة شعب أكد أكثر من مرة عن حبه للعيش الكريم حاله كحال بقية شعوب العالم.
فلو ترك قرار إيقاف الحرب عليهم فإننا سنشهد تكرار المزيد من سياسة القتل والتجويع لشعب غزة الذي يطالب المجتمع الدولي لإنقاذه من حماس وحكومة نتنياهو. فالاثنين (حماس وبنيامين) يتمسكون بسياسة "المعادلة الصفرية" فكل واحد منهما يريد القضاء على الآخر، لكن دون المواجهة المباشرة بينهما وإنما من خلال قتل شعب غزة وكأن بينهم اتفاقا في مبادئ الأساسية وفي أفكار معينة كلها تصب في نتيجة واحدة وهي التنكيل بشعب غزة وإنهاؤه بالكامل من الوجود بالقتل أو التهجير.
وعلى رأس هذه المبادئ أو الأفكار أن الاثنين ينطلقان من الفكر السياسي المنحاز إلى اليمين المتطرف التدميري، الفرق بينهما فقط أن الأول نتنياهو يُحظى بشرعية سياسية داخل بلاده وفق النظام المتبع في إسرائيل الانتخابات، كما يحظى باعتراف دولي كونه رئيس الحكومة الإسرائيلية، في حين الثاني وهو "حماس" التي لا تمتلك شرعية وطنية وإنما اختطف القطاع من الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي لا تمتلك اعترافا دوليا كممثل لشعب غزة.
وبالتالي فالرهان عليهما لإنهاء الحرب هو نوع من "السراب"، خاصة وأن الاثنين "حماس" ونتنياهو ينتظرهما هذه المرة مصير مشترك في حالة توقفت هذه الحرب وهو "نهاية مستقبلهم السياسي" وبالتالي فاستمرار الحرب هو الحل.
وثاني تلك المبادئ أو الأفكار بين "حماس" ونتنياهو، الاستراتيجية المشتركة في "البقاء السياسي"، ففي حين قادة "حماس" لديهم تاريخ عريق في التهرب من الحلول السياسية وفي افتعال الأزمات السياسية في العالم العربي لتحقيق هدفها السياسي ناتج من الإرث السياسي لتنظيم الإخوان دون النظر إلى التبعات الناتجة عنها حتى لو أدت إلى تدمير وطن وقتل شعب بأكمله.
ولهم تجارب في مصر عام 2014 لولا وقفة الجيش المصري والدعم العربي للشعب المصري. وهو ما تفعله "حماس" حالياً من خلال عرقلة المفاوضات مع تحميل الدول العربية نتيجة ما يحصل لشعب غزة مع أنها هي التي صنعت هذا الحدث التدمير بمغامراتها السياسية. في مقابل ذلك فإن التوسعة الجغرافية للحروب الإقليمية واستمرار سياسة التقتيل لشعب غزة هي استراتيجية نتنياهو لاستمراره في الحكومة أطول فترة ممكنة.
كما يبدو عملياً، أن حركة "حماس" ومعها من ينسبون أنفسهم إلى "جبهة المقاومة" من تنظيمات وأفراد المنتشرين في العالم العربي بأكمله ومن المتعاطفين مع الخطاب السياسي الإخواني، ومعهم بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة لا يهمهم مستقبل شعب غزة، ولا استقرار المنطقة بقدر همهم البقاء في السلطة أو في الحضور الإعلامي من خلال المقاومة في وسائل التواصل الاجتماعي بإلقاء اللوم على الآخرين أو مطالبتهم بالصمود إما بخطاب حماسي وشعارات سياسية عفا عليها الزمن أو بـ"تغريدة" يكتبها رجل مفتي دين تبعد بلاده عن قطاع غزة آلاف الأميال فقط من أجل أن يقول هذا المفتي "نحن هنا". المصيبة التي يدفع ثمنها شعب غزة سيطرت الأيديولوجيا الفكرية المتطرفة على أشخاص يتحكمون بمصير الشعب سواء كانوا رجال دين أو سياسة.
المأمول من العالم في إيقاف حالة دوران الوضع الإنساني في قطاع غزة الذي يتناوب بين خيارين التجويع والقتل هو: قفز دول العالم المسؤولة على سياسة بنيامين نتنياهو وعلى شعارات ما يسمى بجبهة المقاومة بأكملها من استراتيجية شرق أوسطية جديدة يتفق عليها الفاعلون في النظام الدولي وإجبار الطرفين على الالتزام بها كما فعلت دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانية من خلال فرض عليهما مجموعة من القواعد لتحسين سلوكهما لحماية العالم من مغامرات تعبت الإنسانية منها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة