وسط ركام الدمار ورماد الحصار، تظهر مبادرات لا تعرف الكلل، وتصل قوافل لا تبهت.
في قلب المأساة، تبرز الإمارات، ليس كشاهد على المأساة، بل كشريك في تضميد الجراح، حاملًا للأمل على أجنحة الرحمة.
منذ اليوم الأول للأزمة، كانت الإمارات قريبة من غزة، ليس جغرافيًا فقط بل عاطفيًا أيضًا.
طوال أشهر المعاناة الإنسانية الطويلة، أرسلت أبوظبي رسالة يومية مفادها أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الدعم الحقيقي ليس موسميًا، بل هو التزام مستمر.
جسر جوي غير متقطع ... طيور الرحمة في سماء غزة
عاد صوت محركات الطائرات الإماراتية ليملأ سماء غزة مرة أخرى، بعد انقطاع دام أشهرًا، استؤنفت عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية من خلال مبادرة "طيور الخير"، كجزء من الحملة الإماراتية الكبيرة "الفارس الشجاع 3."
في 27 يوليو، قامت الطائرات الإماراتية للشحن بتنفيذ مهمة إنسانية جديدة، حيث ألقت أطناناً من الطعام والإمدادات الطبية مباشرة فوق المناطق الأكثر تضرراً، وذلك بتنسيق دقيق مع الجانب الأردني لضمان التسليم الآمن.
لم يكن هذا المشهد غريباً عن سكان غزة، الذين يرون الآن في كل مظلة تسقط من السماء شعاعاً من الأمل ورسالة للحياة.وفقاً للأرقام الرسمية، بلغ عدد عمليات الإسقاط الجوي حتى الآن 54 عملية، حيث قامت 193 طائرة بإسقاط أكثر من 3700 طن من أنواع المساعدات المختلفة.
يُعتبر هذه الجسر الجوي واحدة من أكبر عمليات الإسقاط الإنساني في المنطقة خلال العقود الأخيرة.
قوافل الخير: مسار متواصل إلى الغزيين
لم تقدم الإمارات الدعم الجوي فحسب، بل أرسلت أيضاً قوافل برية محملة بكل ما يحتاجه الناس للبقاء، حتى الكرامة.
في 28 يوليو، دخلت 38 شاحنة عبر معبر رفح كجزء من موجة جديدة من الإمدادات تهدف إلى دعم بنية القطاع المائي وتوفير الطعام والدواء.
من بين أهم الشحنات في هذه القوافل كانت المعدات لتمديد خط أنابيب مياه جديد بطول 7 كيلومترات يربط رفح وخان يونس، مما يضمن مياه نظيفة لحوالي 600,000 شخص يومياً.
ويمثل هذا المشروع أكثر من مجرد مساعدات طارئة؛ إنه استثمار في حياة الناس وكرامتهم.لم تكن هذه المبادرة معزولة؛ بل جاءت بعد قافلة سابقة من 25 شاحنة، ليصبح العدد الإجمالي للشاحنات 63 في أقل من 48 ساعة.
تظهر هذه الحركة السريعة والمنظمة تخطيطاً دقيقاً واستجابة سريعة.
الماء هو الحياة... والإمارات تسقي غزة
في بلد تتقاطع فيه المعاناة مع العطش، يصبح توفير الماء النظيف عملاً بطولياً.
لذلك اتخذت الإمارات مشروعاً استراتيجياً لبناء خط أنابيب مياه رئيسي بقطر 315 مم وطول 6.7 كم، بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
الهيئات الخيرية والمنظمات الإماراتية، مثل جمعية الشارقة الخيرية ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان وجمعية دار البر، تشارك في المشروع، في تعاون يعكس روح التكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
في الوقت نفسه، يتم صيانة وتشغيل ثمانية آبار مياه، ويتم توفير الوقود للمولدات اللازمة لضخ المياه، ويتم تدريب الفرق المحلية على الصيانة التشغيلية المستدامة.
رسائل من القلب: شكراً من غزة
في غزة، عندما تنزل المظلات من السماء، لا تكون محملة بالمساعدات فحسب، بل أيضاً بالدعوات. قال أحد السكان المحليين أثناء توزيع زجاجات الماء على جيرانه: "شكراً، الإمارات... أنتم أنقذتم أطفالنا".
وأضاف آخر: "لم نجد أبداً أحداً يقف إلى جانبنا مثل الإمارات. هذا ليس مجرد مساعدة، بل عمل تاريخي يعبر عن الولاء."
في مقاطع الفيديو المتداولة من مناطق الإسقاط والقوافل، يُرى الأطفال يركضون نحو المساعدات، ضاحكين رغم جراحهم، كما لو كانوا يقولون للعالم: "ما زلنا نحلم لأن هناك من يؤمن بنا."
بالأرقام: الدعم لا يعرف الحدود
منذ إطلاق حملة "الفارس الشجاع 3" في نوفمبر 2023، قدمت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 65,000 طن من المساعدات المتنوعة، بما في ذلك الغذاء والدواء والماء والإمدادات الطبية والخيام.
وتجاوزت قيمة المساعدات المقدمة خلال تلك الفترة 1.2 مليار دولار.
تشير التقارير الدولية إلى أن الإمارات كانت الدولة الرائدة في العالم في حجم المساعدات المقدمة إلى غزة بين أكتوبر 2023 ونهاية 2024، حيث قدمت أكثر من 42% من إجمالي المساعدات العالمية، متفوقة على المؤسسات الدولية والدول المانحة التقليدية.ليس حملة... بل التزام إنساني
أولئك الذين يظنون أن ما تقدمه الإمارات هو رد فعل عابر أو محاولة لبناء صورة ناعمة مخطئون. الحقيقة هي أنها سياسة راسخة، تنبع من رؤية قيادتها الحكيمة، التي وضعت الناس في المركز وجعلت العطاء وسيلة لبناء الجسور.
وجود الإمارات في غزة ليس مجرد شاحنات أو طائرات؛ إنه يجسد ما يعنيه أن تكون دولة في خدمة الإنسانية، لرؤية الآخرين كتعبير عن الذات، وليس كغرباء.
في النهاية في وقت كانت فيه التأييدات نادرة وتزايدت فيه المعاناة، لم تتردد الإمارات في أن تكون حاضرة بقوة، ليس بشعارات، ولكن بأفعال ملموسة. من السماء إلى الأرض، من القول إلى الفعل، تبقى الإمارات ركيزة ثابتة في معادلة كرامة العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة
