"تطور" هيئة "تحرير الشام".. مساحيق لا تخفي وجه "الإرهاب"
تسعى جبهة "تحرير الشام"، بسوريا، عبر عدة خطوات لتطوير خطابها، إلى أن تتحول من حركة "إرهابية"، إلى مكون سياسي، عبر إرسال إشارات إلى واشنطن لمغازلتها من أجل رفع تصنيفها من قائمة الإرهاب.
ونشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دراسة بعنوان: "عصر الجهادية السياسية.. نموذج هيئة تحرير الشام" للباحث أرون زيلين، المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، تناولت بإسهاب التطور الحاصل في الهيئة، ومدى إمكانية رفعها من القوائم الأمريكية للجماعات الإرهابية.
وكتب زيلين في مقدمة دراسته أن بحثه يسعى إلى تحليل الوضع الحالي لهيئة تحرير الشام في سوريا، التي باتت تتصرف وكأنها حكومة تدير شئون مواطنين، وليس جماعة إرهابية منبوذة تتمسك بأفكار متطرفة.
وينظر بحث زيلين فيما إذا كان ينبغي إزالتها من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، كما يقترح البعض.
وكتب زيلين أن الدراسة أيضا تنظر في الظهور المتعدد لزعيم الهيئة أبي محمد الجولاني ورسائل خطاباته، فيما يعتقد أن التحول الذي شهدته هيئة تحرير الشام أكثر منه على مستوى الخطاب.
كما تحلل الدراسة تطور الحركة من جماعة إرهابية تقليدية إلى كيان أقرب إلى الهياكل الاستبدادية المنتشرة في المنطقة.
فك ارتباط ظاهري
في البداية يقول زيلين إن هيئة تحرير الشام التي ظهرت في سوريا قبل ١٠ أعوام تقريباً، قامت، بنسختيها السابقتين ”فتح الشام وجبهة النصرة“، بفك الارتباط مع تنظيمي القاعدة وداعش؛ وبالتالي ”لم تعد جزءا من الجهاد العالمي“.
ويوضح أن التحوّل في الجماعة ظهر في تحول تحركات الجولاني من السرية إلى العلنية ”والتعامل المباشر مع الأهالي، ثم مع المنطقة العربية؛ والآن مع الجمهور الغربي“، في إشارة إلى ظهور الجولاني في مقابلات مع صحفيين أجانب ورغبته الواضحة في الحصول على اعتراف دولي.
ويشرح زيلين أن الجولاني كان في ٢٠١٢، يخفي وجهه ويغير صوته، أما اليوم فها هو يتجول في إدلب بحرية وهو ما ”يمثل مرحلة جديدة من تطور الحركة الجهادية تجاه هدفها باستحداث حوكمة مستدامة، ومؤشرا على قبول أطراف دولية معينة لهذه الحالة.“
وهنا يشير زيلين إلى أن أمريكا عدلت عن استهداف الجولاني بدءاً من أغسطس ٢٠١٨” فلم يعد الجولاني قائد جماعة إرهابية أو فصيل متمرد؛ إنه رأس كيان ناشئ.
ويشير الكاتب أيضا إلى أن الهيئة تختلف في وضعيتها بالنسبة للإدارة الأمريكية عن حركة حماس الفلسطينية أو حزب الله اللبناني اللذين تدعمهما إيران، لكن تقترب من وضع حركة طالبان "المدعومة من باكستان وقطر".. فهيئة تحرير الشام لها داعم أساسي وهو حليف للولايات المتحدة وهو تركيا.
رسائل الجولاني للغرب
أوضح زيلين في دراسته أنه بالنسبة لهيئة تحرير الشام، فإن الجولاني صرح بأنه يريد شيئين من الولايات المتحدة والغرب: أولا: "لا حاجة إليكم لتصنيف الناس كإرهابيين وإعلان مكافآت لقتلهم.. بل إنه قد يكون لدينا هدف مشترك وهو وضع حد للأزمة الإنسانية ومعاناة الناي في المنطقة، وهو ما يضع حدا في الوقت نفسه لموجات الهجرة الجماعية نحو تركيا أو أوروبا".
علاوة على ذلك، فبحسب تقي الدين عمر، مسئول العلاقات العامة بالهيئة، فإن قرار واشنطن إزالة "الحزب الإسلامي التركستاني" الذي يقوده الأويغور - وهو حليف لهيئة تحرير الشام في إدلب- من قائمة الإرهاب هو بمثابة فرصة لإعادة النظر أيضًا في تصنيفها للهيئة.
لكن ثمة إشكالية تحدث عنها زيلين وهي أن سلوك الهيئة في الماضي لن يُمحى بتغيير الاسم أو حتى النهج.
جرم مشهود
فبحسب الدراسة، "لا تزال الهيئة متهمة بتسهيل مهمة داعش في المنطقة. ولا تزال انتهاكات الهيئة حقوق الأقليات تشكل معضلة أمام المُشرّع الأمريكي؛ ومن ذلك انتهاكات ضد الدروز والمسيحيين وحتى العلويين؛ بالإضافة إلى تنفيذ اغتيالات مثل اغتيال رائد الفارس (ناشط حقوقي سوري عمل ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد)“.
ومن سلوك الهيئة، دعمها هجمات إرهابية خارجية رغم خروجها من دائرة ”الجهاد العالمي.“ كما أن ”واحدة من أدوات الإعلام المساند التابعة للهيئة وهي (شموخ) لا تزال فيها مقاطع صوتية لأسامة بن لادن زعيم القاعدة والإرهابيين أبي يحيى الليبي وعبدالله عزام ما يعني أنه بينما قطعت الجماعة علاقتها مع القاعدة بنسختها الحالية إلا أنها لا تزال تتمسك بالإرث التاريخي لحركة "الجهاد الأوسع".
الخلافة.. هدف لا ينضب
في الفصل الثاني من دراسته عن "تطور الجماعة الجهادية"، كتب زيلين أن "الجماعات الجهادية تميل إلى الحديث عن الإذلال المفترض للأمة المسلمة، وسيادة وتفوق العدو على الأمة ومحاولاته محو الهوية الإسلامية للأمة، وكذلك ضرورة إحياء ماضي الأمة، وأن المجد والقوة من خلال الجهاد".
وأضاف أنه حتى لو قللت هيئة تحرير الشام من أهمية فكرة إقامة دولة إسلامية وخطاب إحياء مجد الأمة في رسائلها إلى الغرب، لكنه لا يزال من السهل العثور على هذه الموضوعات في الدعاية الموجهة داخليا للجماعة.
وفي أحد مقاطع الفيديو التي أصدرتها "أمجاد ميديا" التابعة للهيئة، في أغسطس/آب 2021 ، خاطب الجولاني مجموعة من خريجي دورة القوات الخاصة وذكر أنه عندما تغزو هيئة تحرير الشام دمشق وتهزمها، فإن الجماعة ستقيم "الحكم الإسلامي".
وقال زيلين في دراسته إن هيئة تحرير الشام يتم تصويرها على أنها مرحلة جديدة يقودها الجيل الخامس من هؤلاء العاملين على إحياء ما يسمى "دولة الخلافة".
ويخلص الكاتب إلى أن "إحياء الخلافة يظل من بين أهداف هيئة تحرير الشام، حتى وإن لم يكن حلمها أن تتولى الخلافة، على عكس تنظيم داعش الذى يعمل على إحياء الخلافة وتولى هذه السلطة فيما بعد".
واستعرض زيلين سبل ومساعي انتهجها الجولاني لإعادة تصوير نفسه خارجيا على أنه ليس زعيما إرهابيا او متشددا، فنقل زيلين عن السفير الأمريكي جيمس جيفرى قوله إن هيئة تحرير الشام تسعى لإعلام واشنطن من خلال وسطاء بما مفاده: "نريد أن نكون أصدقاءكم.. نحن لسنا إرهابيين. نحن نحارب الأسد فقط ... نحن لسنا تهديدا لكم".
وفى أحد التصريحات، قال جولاني إن "تطبيق الشريعة لا ينحصر فقط في تطبيق الحدود، وإن "الدولة الإسلامية" في نظره تقوم على مفاهيم إدارية أكثر منها عقوبات ارتكاب الجرائم".
وترى الدراسة أنه ومع ذلك، فإن حكومة الهيئة لا تتمتع برقابة شعبية، فلا يوجد منتقدين للسلطة أو للجولاني، ورغم أن هناك انتخابات للوزارات التكنوقراطية ومجلس الشورى، لكن يتم اختيار المرشحين المؤهلين مسبقًا، ولا يُسمح إلا لأشخاص معينين بالتصويت.
وبينما يدعي الجولاني أنه "لا يوجد تعذيب" في سجون هيئة تحرير الشام لكن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يؤكد على وجود أدلة على أن المجموعة "استهدفت المدنيين المعارضين وعذبتهم بشكل روتيني وأخضعتهم إلى سوء المعاملة في مرافق الاحتجاز ".
أما عن مواجهتها المسلحة مع عناصر التنظيمات الإرهابية الموجودة في تلك الأماكن، فيقول زيلين إن ذلك بهدف فرض إرادة الهيئة وبسط سيطرتها وسيادتها على أراضي إدلب، وليس من باب التبرؤ من تلك الأفكار المتطرفة التي تتبناها الجماعات الأخرى.
وتحدث زيلين أيضا عن انتهاكات ترتكبها قوات شرطة "الحسبة" التابعة للهيئة.
التصنيف الإرهابي قائم
في موضع آخر، استعرض زيلين مسائل قانونية تتعلق بتوصيف الجماعة أو الشخص الإرهابي، أي ما هي الشروط التي إن تحققت توضع جماعة على قوائم الإرهاب الأمريكية؟.
وكتب زيلين: ”منذ قطعت الهيئة علاقتها مع القاعدة، بقيت خمسة أجزاء من التعريف القانوني تنطبق على الهيئة.“ وبالتالي، كيف يمكن لأمريكا أن تتعامل مع هذه العناصر الخمسة المتبقية فترفع الهيئة من قوائم الإرهاب؟.
وتحدث زيلين عن خيار فرض عقوبات على الهيئة أو أفراد فيها بناء على سجل انتهاكات حقوق الإنسان التي لا تسقط بالتقادم. الأمر الذي سيتيح المجال أمام المجتمع الدولي للتعامل مع الهيئة دون التغاضي عن تاريخها أو تاريخ أفرادها.
ثمة سيناريو آخر وهو فرض شروط على الهيئة إن طبقتها خرجت من التصنيف؛ ومنها ”حلُّها وتحويلُ بنيتها التحتية إلى حكومة إنقاذ وفتح انتخابات مجلس الشورى الخاص بها أمام الجمهور ومنهم النساء".
لكن زيلين أقر بتعقد المسألة فيعرض لبعض جوانب جدل مع باحثين سوريين يرون أن ”أي نوع من استيعاب الهيئة هو سياسة ضعيفة تحكمها مثالية إنسانية أو واقعية جيواستراتيجية تتعدى على الأمل ببناء سلام دائم في سوريا موحدة.“
ويختم الباحث بالقول إن ”أفضل سياسة هي أن تظل الهيئة على قوائم الإرهاب إلى أن تُغيّر في ذاتها. مع هذا، فمن الجيد اختبار ما إذا كانت الهيئة مستعدة لفتح نظامها السياسي وقبول مساءلتها عن جرائمها السابقة".