لا يوجد تفسير سياسي أو دبلوماسي يمكنه تحليل ما حدث بشكل عملي سوى أنه يأتي في حالة من عدم التوازن الدبلوماسي.
هل كانت قطر بحاجة إلى هذا الموقف الذي ظهر في الجامعة العربية بخروج أميرها من قاعة الاجتماعات بهذه الطريقة؟ وما هو الأمر الذي تعترض عليه قطر في هذه القمة؟ المسألة الأخرى هي أن قطر ليست بحاجة إلى لفت الانتباه لمعاناتها من أزمة تتأثر بها مع جيرانها في الخليج، فالعالم كله بلا استثناء يعرف القضية.
إن الموقف القطري مثير للأسئلة السياسية الأهم في العلاقات العربية وكيفية التعامل معها، ثم أضف إلى ذلك المساحة الجيوسياسية أو الجغرافية أو الديمغرافية التي تمتلكها قطر ولها تأثير مباشر من خلالها على أكثر من 20 دولة عربية تجتمع في قمة تونس.
إن هذه التصرفات السياسية وتسجيل المواقف الدبلوماسية بطريقة خاطئة والتفسيرات العاجزة عن تبرير الموقف بدقة، كلها توحي بأن تأثيرات الأزمة الخليجية على قطر أصبحت مكلفة وباهظة الثمن، وأنها لم تعد قادرة على الظهور بشكل دبلوماسي متزن وواثق.
لا يوجد تفسير سياسي أو دبلوماسي يمكنه تحليل ما حدث بشكل عملي سوى أنه يأتي في حالة من عدم التوازن الدبلوماسي، وخاصة في دولة خليجية صغيرة لم تحصل على استقلالها إلا حديثا. فلم يمضِ سوي خمسة عقود على وجود دولة قطر وهي بذلك تتساوى مع معظم الدول الخليجية التي تمتلك نفس الثروات، ولكنها التزمت بالنهج الدبلوماسي ومفاهيم العلاقات الدولية.
بدأت قطر في العقدين الأخيرين تتحدث عن نفسها بشكل لافت للنظر، وكأنها سوف تقدم للعالم الأيديولوجيا الثالثة للبشرية بعد الرأسمالية والشيوعية. والتاريخ لا ينسى أحدا، فقبل سنوات عهدنا هذه التصرفات الدبلوماسية بهذه الطريقة من رؤساء لم يعد لهم وجود بل كانت نهايتهم على يد شعوبهم بطريقة تثير الاشمئزاز.
الدول في العالم كله لا تستمد قوتها من تصرفاتها الخارجة عن الأعراف السياسية والقانونية والمثيرة للجدل؛ لأن التاريخ يشهد بأن الدول التي تسير على هذا النهج لا تدوم لوقت طويل. الدول بطبيعتها تتكون من قيم ومعايير تلعب فيها عوامل كثيرة دورا بارزا، فالعمق التاريخي للدول مهم والمكانة الجغرافية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية والتأثير الدولي أيضا مهم. وتعد أكثر الدول ذكاء تلك التي تتصرف وفق معطياتها وإمكاناتها الطبيعية بحيث لا تقفز إلى مواقع غير مناسبة لها.
لقد لفت نظري تصريح غريب لأحد المسؤولين في قطر يعلق فيه على خروج أمير قطر من القمة العربية، حيث قال ذلك المسؤول: إن قطر "تختار الوقوف إلى جانب الشعوب ولا تساوم على ثوابت الحقوق العربية"، وهنا لا بد من القول إن أبجديات السياسة تتساءل عن نوع الوقوف الذي صدر من هذه الدولة للشعوب العربية، وما نوع المساومة على ثوابت الحقوق العربية إذا كانت قطر هي من دعم الفوضى في كثير من الدول العربية وعلى أرضها تم أول إخلال بالثوابت العربية؟
إن هذه التصرفات السياسية وتسجيل المواقف الدبلوماسية بطريقة خاطئة والتفسيرات العاجزة عن تبرير الموقف بدقة كلها توحي بأن تأثيرات الأزمة الخليجية على قطر أصبحت مكلفة وباهظة الثمن، وأنها لم تعد قادرة على الظهور بشكل دبلوماسي متزن وواثق. لقد أصبح من الواضح في الجانب السياسي أن على قطر أن تتجاوز مفاهيمها المستجدة وأن تبني طموحاتها ومواقفها السياسية والاستراتيجية بما يخدم مصالحها ويعزز ارتباطها بجيرانها؛ لأنها في العرف الدولي لا يمكنها العيش طويلا خارج المنظومة الخليجية وإلا أصبحت مسرحا للتقاطعات والأزمات السياسية الإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة