مبدأ «الملوِّث يدفع».. حجر العدالة المناخية الغائب عن التزامات الدول الكبرى
قدمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مبدأ «الملوِّث يدفع» لأول مرة عام 1972، قبل أن تتبناه الأمم المتحدة رسميا خلال مؤتمر ستوكهولم في العام نفسه، ليصبح لاحقا إحدى الركائز الأساسية للقانون البيئي الدولي.
ومنذ ذلك الحين، تعزز حضور هذا المبدأ في المحافل الدولية، لا سيما خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، التي شكلت محطة مفصلية في مسار الحوكمة البيئية العالمية، وأسفرت عن إقرار الاتفاقيات البيئية الرئيسية الثلاث: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCCC)، واتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD).
وخلال مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ، تصاعدت المطالب من المنظمات البيئية والناشطين بضرورة تفعيل مبدأ «الملوِّث يدفع»، محملين الدول الصناعية الكبرى المسؤولية التاريخية عن انبعاثات الغازات الدفيئة التي أسهمت في تسارع وتيرة تغيّر المناخ وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتركزت هذه المطالب على دعم الدول النامية والأقل نموا، بوصفها الأكثر تضررا من آثار التغيرات المناخية، رغم مساهمتها المحدودة في التسبب بها، خاصة أن تأثيرات المناخ تختلف من دولة إلى أخرى تبعًا للموقع الجغرافي والخصائص الطبيعية.
وفي حين تمتلك الدول المتقدمة، بحكم قدراتها الاقتصادية ومسؤوليتها التاريخية، الإمكانات اللازمة لتحمّل تكاليف التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي داخل أراضيها، تجد الدول النامية والأقل نموا نفسها عاجزة حتى عن توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لشعوبها، فضلًا عن مواجهة تداعيات مناخية متسارعة.
وبسبب هذا التفاوت الواضح في القدرات، برز مفهوم «العدالة المناخية»، الذي يمكن تشبيهه بالعدالة الاجتماعية القائمة على المساواة العادلة في توزيع الموارد والفرص.
فالعدالة المناخية تقوم على مبدأ توزيع عادل للفوائد الناتجة عن الأنشطة الاقتصادية التي أسهمت في تغيّر المناخ، وكذلك توزيع الأعباء والتكاليف المترتبة عليه، إذ لا يعقل أن تجني بعض الدول ثمار أنشطة ملوِّثة بينما تتحمل دول أخرى وحدها كلفة الأضرار. ويُعد تمويل المناخ أحد الأعمدة الأساسية لتحقيق هذه العدالة.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة حنان كسكاس، مسؤولة الحملات السياسية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لـ«العين الإخبارية»: «يمثل التمويل المناخي حجر الزاوية لتحقيق العدالة المناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتؤكد غرينبيس ضرورة أن تقدم دول الشمال العالمي، المتسببة بأزمة المناخ، دعمًا ماليًا مباشرًا وغير مديوني لدول الجنوب العالمي، يركز على التكيف مع آثار المناخ والتعامل مع الخسائر والأضرار الناتجة عن الكوارث المناخية».
وتضيف كسكاس: «يجب أن تكون آليات التمويل شفافة وعادلة، مع تحميل كبار الملوِّثين مسؤولياتهم عبر أدوات واضحة لتطبيق مبدأ الملوِّث يدفع. أي تأخير أو تراجع عن هذه الالتزامات سيعمّق فجوة العدالة المناخية ويزيد من هشاشة المجتمعات في المنطقة، من المغرب إلى العراق».
ويُسهم توفير التمويل الكافي للدول المتضررة من التغيرات المناخية في الحد من ظاهرة النزوح المناخي وما يصاحبها من نزاعات على الموارد، وهي عوامل تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. كما أن تداعيات النزوح المناخي لا تقتصر على دول الجنوب، إذ قد تمتد لاحقًا إلى دول الشمال، التي يفضّل كثير من النازحين اللجوء إليها بحثًا عن الاستقرار.
ورغم ذلك، انتهت مفاوضات مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) دون التوصل إلى حلول مالية واضحة، في ظل تصاعد الخلافات حول تمويل التكيف وصناديق التمويل المناخي الأخرى، ما خلّف حالة من الإحباط وخيبة الأمل لدى العديد من الأطراف المعنية.
وتختتم كسكاس حديثها لـ«العين الإخبارية» بالقول: «لا بد من تحويل التمويل المناخي إلى دعم مباشر وقابل للتنفيذ، مع إعطاء أولوية واضحة للتكيف ومعالجة الخسائر والأضرار، وضمان أعلى درجات الشفافية في تخصيص الأموال. الالتزام بهذه المبادئ هو السبيل الوحيد لسد الفجوة بين وعود الدول المتقدمة واحتياجات المجتمعات الأكثر هشاشة».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز