نسمات برائحة «الكبريت» في بغداد.. التلوث يسمم هواء عاصمة العراق
مع انتشار حرق النفط الثقيل غير المُعالج
يستيقظ 9 ملايين شخص في بغداد، ثاني أكبر عاصمة عربية من حيث عدد السكان، يوميا تقريبا على رائحة كبريت، سببها النفط الثقيل غير المُعالج الذي تحرقه عشرات مصانع الطابوق والأسفلت المنتشرة في ضواحي المدينة.
والطابوق هو أحد أنواع الطوب أو الحجارة المستخدمة في البناء.
وأعلنت السلطات العراقية نهاية ديسمبر/كانون الأول إغلاق 111 معملا لإنتاج الطابوق في منطقة النهروان، جنوب شرق بغداد، منذ أكتوبر/تشرين الأول "بسبب الانبعاثات غير الملتزمة بشروط البيئة" بالإضافة إلى "57 معملا للأسفلت المؤكسد"، بحسب AFP.
وأصدرت السلطات العراقية أيضا توجيها لمعامل الطابوق "لاستخدام الغاز بدلا من النفط الأسود" في غضون 18 شهرا.
ويؤدي حرق النفط الثقيل غير المعالج الذي توفره الحكومة العراقية بأسعار مدعومة، إلى انبعاث غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين، وبات انتشار رائحة كبريت أقوى منذ أسابيع مع "تغيّر اتجاهات الرياح وازدياد معدلات الرطوبة" في الشتاء وفق وزارة البيئة العراقية.
وفي بغداد أيضا تنفث محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية مملوكة للدولة دخانا كثيفا، بالإضافة إلى مولدات منتشرة في كل زوايا المدينة لتعويض انقطاع الكهرباء، ومصاف للنفط وحرق للنفايات.
ويقول أبو أمجد الزبيدي المقيم منذ أكثر من 40 عاما على بعد أمتار من محطة الدورة "المواد السامة تلتصق على سياراتنا وعلى أسطح منازلنا حتى، لم نعد نصعد إليها".
يتابع الزبيدي وهو بقال "ناشدنا أكثر من مرة رئاسة الوزراء ومجلس الوزراء والبرلمان، وجاء برلمانيون إلى هنا، لكن من دون نتيجة".
يشير الزبيدي وخلفه أربع مداخن ضخمة يمكن رؤيتها من مسافة مئات الأمتار إلى أن غالبية جيرانه مصابون بـ"الربو والحساسية المزمنة".
وكلما عاينه طبيب، يطلب منه التوقف عن التدخين لإصابته بالتهاب في القصبات الهوائية، إلا أن الرجل الخمسيني يؤكد أنه لا يدخن ويعود السبب في مرضه إلى إقامته قرب محطة كهربائية.
تلوث متفاقم
العراق هو سادس أكثر دولة تعاني من تلوث الهواء في 2023، بحسب تصنيف شركة "آي كيو إير" IQAir التي تراقب جودة الهواء في جميع أنحاء العالم.
في العام نفسه، تجاوز تركز الجسيمات الدقيقة (PM2.5) القادرة على دخول مجرى الدم عبر الرئتين وهي خليط سام من الكبريتات والكربون الأسود والنترات والأمونيوم، توصيات منظمة الصحة العالمية سبع إلى عشر مرات في العراق.
ويتسبب التعرّض لهذه الجزيئات بـ"عدة مشاكل صحية ويؤدي إلى تفاقمها، بما في ذلك الربو والسرطان والسكتة الدماغية وأمراض الرئة" على ما تفيد "آي كيو إير".
وبحسب بيانات تسجّلها أجهزة استشعار تابعة للسفارة الأمريكية في بغداد، غالبا ما تصبح جودة الهواء في العاصمة العراقية ولعدّة ساعات، "غير صحية"، ما يعني أن "الجميع قد يبدأ بالشعور بتأثير على صحته، وقد يكون هذا التأثير أكثر خطورة على الفئات الضعيفة".
خطوات حكومية
كلّف رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في أكتوبر/تشرين الأول لجنة خاصة بتحديد أسباب انبعاث "رائحة الكبريت المنتشرة في بغداد والمحافظات المجاورة وبيان أسبابها ومعالجتها".
وفي رد على أسئلة فرانس برس، وجّه المتحدث باسم وزارة البيئة أمير علي حسون أصابع الاتهام إلى "الأنشطة الصناعية الكثيرة أغلبها في محيط العاصمة" تحديدا في النهروان "حيث سُجل أكبر عدد مصانع تطلق انبعاثات".
تُضاف إلى هذه المصانع، مصافي التكرير مثل مصفاة الدورة، والمولدات الكهربائية التي يُضطر سكان العراق الذين يزيد عددهم عن 45 مليون نسمة إلى استخدامها للحصول على الكهرباء في ظل بنية تحتية متهالكة.
وزاد عدد المولدات الكهربائية في 2023 عن 48 ألفا وفق السلطات في العراق، حيث يعيش نحو 70% من السكان في المدن.
وحظرت الحكومة العراقية حرق النفايات وتعهدت "بإضافة الوحدات اللازمة لتحسين الوقود المنتج في مصفى الدورة ومعالجة الغازات المنبعثة" منه.
ويكافح العراق الغني بالموارد النفطية التي تؤمن 90% من دخله، من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة.
الناشط البيئي حسام صبحي قال لوكالة فرانس برس إن "الاستغناء عن النفط شيء صعب جدا في بلد مثل العراق" لكن مع ذلك "نستطيع على الأقل استخدام نفط جودته أفضل من النفط الثقيل الذي يتم استخدامه حاليا (...) والذي يسبب رائحة الكبريت".
دعا صبحي إلى "استحداث قوانين" تواكب التغيرات المناخية السريعة، بالإضافة إلى اعتماد حلول مستدامة مثل إنشاء أحزمة خضراء والتشجير وتعزيز النقل العام.
ويوضح "بغداد أصبحت بحاجة ملحّة إلى حزام أخضر يمتدّ على آلاف الكيلومترات (...) يعمل كَرِئة" للمدينة.
وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن يكون تلوث الهواء تسبب بنحو 4.2 مليون وفاة مبكّرة في العالم في 2019، حوالى 89% منها في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وعلى بعد أمتار من محطة الدورة، يقول سائق سيارة الأجرة حسين (32 عاما) إن الحياة قرب المنشأة "تزداد سوءا مع مرور السنين".
ويشير إلى أن والده الذي يعاني سعالا مزمنا "بسبب السموم التي ترميها علينا المحطة" دخل قبل فترة قصيرة المستشفى لمدة 20 يوما جرّاء تدهور صحته التنفسية.
ويضيف "الكهرباء ضرورية لكن الصحة أهم".
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4xNTUg جزيرة ام اند امز