البابا فرنسيس وأئمة المغرب.. لقاء تحت مظلة "الأخوة الإنسانية"
اللقاء يكتسب أهمية خاصة ويعد تطبيقا عمليا لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التي تم توقيعها في الإمارات فبراير الماضي.
لقاء مرتقب بين قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وأئمة المغرب خلال زيارته معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين بالرباط ضمن برنامج زيارة تاريخية للبلاد يومي السبت والأحد.
ويكتسب هذا اللقاء أهمية خاصة لأكثر من سبب، أولها أنه يعد تطبيقا عمليا لوثيقة "الأخوة الإنسانية"، التي تم توقيعها في الإمارات فبراير/شباط الماضي، والتي تستند إلى مبادئ التسامح وقيم التعايش ومواجهة التطرف والإرهاب والعنف وخطاب الكراهية والعداء والتعصب.
أيضا يكتسب هذا اللقاء أهميته، كونه يتم في المغرب الذي يملك تجربة رائدة في تعزيز ونشر قيم التسامح والتعايش، كما أنه يتم في رحاب مؤسسة مهمة، يعهد إليها بإعداد أئمة المستقبل في المغرب وعدد من دول العالم إعدادا يؤهلهم للقيام بمهمة تبليغ أحكام الشريعة الإسلامية، وبيان مقاصدها وإبراز سماحتها ووسطيتها واعتدالها.
معهد الأئمة.. سفراء السلام
ويشمل برنامج زيارة قداسة البابا للمغرب زيارة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين، لحضور اجتماع مع الطلبة بالمعهد يترأسه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومدير المعهد وأمين مجلس "المشورة".
ويلقي وزير الأوقاف خطابا بالمناسبة، كما سيدلي طالب أوروبي وطالب أفريقي بشهادتهما، وبعدها تقدم أناشيد دينية حسب التقاليد العبرية والإسلامية والمسيحية.
وتحظى زيارة قداسة البابا فرنسيس لهذا المعهد بأهمية خاصة قياسا لأهمية الدور الذي يقوم به في إعداد وتكوين الأئمة ليس في المغرب فحسب، بل وفي العديد من دول العالم.
ومن هنا فإن اللقاء المرتقب يعد تطبيقا عمليا لأئمة المستقبل من طلاب المعهد (العديد من الجنسيات) على أهمية الحوار بين أتباع الأديان وإشاعة قيم التسامح والتعايش ونبذ التطرف من أجل تحقيق خير الإنسانية، وهو ما يعني تحويل هؤلاء الأئمة إلى سفراء سلام إلى شتى دول العالم، وحائط صد متقدم في مواجهة أفكار التطرف والغلو والتشدد.
وتشدد مناهج المعهد على الانتصار لقيم الوسطية والتسامح والاعتدال والاعتراف بالآخر ونبذ الكراهية والعنف والتطرف.
وتناط بالمعهد أيضا مهمة تكوين وتأهيل واستكمال تكوين القيمين الدينيين الأجانب، حيث يوفر نوعين من التكوين، هما تكوين أساسي مدته سنة للطلبة المغاربة، وسنتان لطلبة أفريقيا، وثلاث سنوات للطلبة الفرنسيين، إلى جانب تكوين قصير المدى ومدته 3 أشهر على الأقل، يستفيد منه الأئمة المزاولون للإمامة والخطابة في بلدانهم، والذين يقصدون المعهد لاستكمال الخبرة وتعميق الفهم والمكتسبات.
تطبيق عملي
أيضا يعد اللقاء المرتقب بين البابا فرنسيس وأساتذة معهد الأئمة وطلابه تطبيقا عمليا لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، على أرض دولة الإمارات يوم 4 فبراير/شباط الماضي.
ومنذ توقيع الوثيقة تعمل الإمارات بالتعاون مع الرمزين الدينيين الكبيرين على نشر الوثيقة وتطبيق مبادئها على أوسع نطاق.
ويتماس اللقاء بشكل مباشر في إطار ما أعلنه الأزهر الشريف ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، والكنيسة الكاثوليكية ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب، بشأن "تبني ثقافة الحوار دربا، والتعاون المشترك سبيلا، والتعارف المتبادل نهجا وطريقا".
كما يدخل في إطار نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام وقيمه والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك بين الناس فى كل مكان.
ويؤكد اللقاء بين البابا والأئمة ما تضمنته الوثيقة بأن "الأديان لم تكن أبدا بريدا للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء".
وبالتالي فإن تلك اللقاءات وما تضمنته سواء في الإمارات أو في المغرب تساهم في بناء جسور محبة وتسامح بين الشرق والغرب، بين أتباع الأديان في كل مكان تحت مظلة الأخوة الإنسانية، تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تضييق الخناق على الإرهاب.
ووثيقة الأخوة الإنسانية تؤسس دستورا جديدا للتعايش السلمي يجمع الشرق بالغرب، يتضمن عدداً من الثوابت والقيم، منها قيم السلام وثقافة التسامح وحماية دور العبادة وحرية الاعتقاد ونشر الأخلاق ومفهوم المواطنة.
وتضمنت الوثيقة التي وقعت داخل أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وشهدت تفاعلاً دولياً وإقليمياً، الضمانات الكفيلة بمحاصرة الإرهاب وفكرته، وتضييق الخناق على كل مسبباته وأسباب وجوده في العالم.
وأكدت الوثيقة حماية دور العبادة من معابد وكنائس ومساجد، لأنها واجب تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية.
وشددت على أن "كل محاولة للتعرض لدور العبادة واستهدافها بالاعتداء أو التفجير أو الهدم، هو خروج صريح عن تعاليم الأديان وانتهاك واضح للقوانين الدولية".
وطالبت الوثيقة "الجميع بوقف استخدام الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب الأعمى، والكف عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش".
وركزت الوثيقة على إبراز التعاليم الصحيحة للأديان في أكثر من بند، وربطها بالحفاظ على الحياة والسلام والتسامح.
وتبرئ الوثيقة الأديان من الإرهاب، مشددة على "أن الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال أو الجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجاً للدين، حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته".
وقدمت الوثيقة عدداً من الحقائق والمبادئ المهمة، تدعم أهدافها في تحقيق التسامح ونشر السلام والخير في العالم أجمع، وتؤكدها ومن أبرزها:
- الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس من شأنها أن تسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءاً كبيراً من البشر.
واختتمت بإبراز الهدف الأسمى من تطبيقها، في محاولة لتحفيز الجميع على تبنيها والعمل بها وصولاً للنتيجة المتوخاة، وهي "الوصول إلى سلام عالمي ينعم به الجميع في هذه الحياة".
برنامج الزيارة
وتلتئم، السبت، أول زيارة لقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى المغرب، وذلك بعد نحو شهرين على زيارته التاريخية للإمارات، في خطوة تؤكد جدية مسعى بابا الكنيسة الكاثوليكية للتقارب مع العالم الإسلامي من جهة، وجدية ما لقيه من ترحيب واهتمام في أبوظبي من جهة أخرى.
ورغم أن نسبة الكاثوليك في المغرب ليست كبيرة مقارنة بالشرق الأوسط فإن الرباط تعد محطة رئيسية في طريق التواصل بين الإسلام والمسيحية، الذي قاد البابا فرنسيس إلى مصر سنة 2017، ثم إلى الإمارات في شهر فبراير/شباط الماضي، في أول زيارة إلى الخليج العربي.
وتعد الزيارة هي الثانية من نوعها، بعد الأولى التي كانت في عام 1985، وقام بها البابا يوحنا بولس الثاني (1920-2005)، والتقى حينها الملك الراحل الحسن الثاني (1929-1999م).
وتحت شعار "خادم الأمل"، تهدف زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية، التي تستمر ليومين، إلى تطوير الحوار بين الأديان وتعزيز التفاهم المتبادل بين مؤمني الديانتين وترسيخ قيم السلام والتسامح.
يصل قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، السبت، إلى العاصمة المغربية الرباط، ويستقبله الملك محمد السادس ملك المغرب، حيث يترافقان معا سيرا على الأقدام حتى صالة الشرف في المطار، حيث يقدم له الملك الحليب والتمر، وفق التقاليد المغربية في الاستقبال.
وعقب ذلك يتوجه الملك محمد السادس وقداسة البابا فرنسيس، كل في موكب خاص، نحو القصر الملكي، حيث تُجرى للبابا فرنسيس مراسم استقبال رسمي في القصر الملكي، بعزف النشيد الوطني للبلدين، وتحية العلم وحرس الشرف ثم استعراض الوفود، ثم يتوجهان إلى المكتب الملكي لتقديم العائلة الملكية وتبادل الهدايا ومن ثم يعقدان اجتماعا مغلقا.
ويستقبل الملك محمد قداسة البابا بساحة البرج حسن، حيث يلتقيان أعضاء السلك الدبلوماسي والشعب المغربي والمجتمع المدني للتحية، ويلقي كل من الملك محمد السادس وقداسة البابا خطابين.
ينتقل بعدها الملك محمد وقداسة البابا إلى ضريح محمد الخامس للترحم على روح الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، حيث يضع قداسة البابا الزهور على الضريحين ثم يسجل رسالته في الدفتر الذهبي.
وفي أعقاب ذلك، يزور الملك وقداسة البابا معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات والمرشدين، لحضور اجتماع مع الطلبة يترأسه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومدير المعهد وأمين مجلس "المشورة".
ويلقي وزير الأوقاف خطابا بالمناسبة، كما سيدلي طالب أوروبي وطالب أفريقي بشهادتهما، وبعدها تقدم أناشيد دينية حسب التقاليد العبرية والإسلامية والمسيحية.
وفي المساء، ينتقل قداسة البابا إلى مقر مؤسسة كاريتاس في أبرشية الرباط، حيث يتم استقباله من طرف أسقف طنجة، وسيقوم بلقاء بعض المهاجرين والأشخاص الذين وضعوا أنفسهم في خدمتهم. ويستمع قداسة البابا إلى شهادة أحد المهاجرين ثم يلقي قداسته خطابا، بعدها يتم تقديم حفل موسيقي من قبل بعض الشباب المهاجرين.
ويتوجه قداسة البابا إلى القصر الملكي لحضور حفل العشاء، حيث يستقبل الملك محمد السادس برفقة وفد الفاتيكان.
وفي اليوم التالي يزور قداسة البابا مركز الخدمات الاجتماعية في التمارة، الذي تديره راهبات المحبة التابع للقديس منصور دي بول، ثم يجتمع قداسة البابا، في كاتدرائية القديس بطرس، في الرباط، بالكهنة والمكرسين والمكرسات وممثلي المسيحيين من الطوائف الدينية الأخرى.
ويلقي قداسته بعدها خطابا ثم يحيّي بطريقة رمزية الراهبة والكاهن الأكبر سناً في الأبرشية، يلي ذلك تلاوة صلاة التبشير الملائكي، التي تُنقل حسب العادة، كل يوم أحد عبر وسائل الإعلام إلى العالم بأسره.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4xNjYg جزيرة ام اند امز