البابا شنودة الثالث.. محطات في حياة "الراعي والمُعلم" (بروفايل)
يشكل البابا شنودة، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والذي رحل في مثل هذا اليوم (17 مارس/آذار) قبل 10 سنوت، رمزا مصريا وعربيا خالدا.
وتحتفل الكنيسة المصرية، الخميس، بذكرى رحيل البابا شنودة الثالث، حيث يترأس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قداسا في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، وسط العاصمة المصرية، بهذه المناسبة.
وقد ولد البابا الراحل في 23 أغسطس/ آب 1923، في إحدى قرى أسيوط، جنوب مصر، وكان اسمه العلماني نظير جيد، وماتت أمه دون أن يرضع منها، فعاش اليتم مبكرا.
ودرس البطريرك الراحل في مرحلة ما قبل الابتدائي في أسيوط، ودرس الصفين الثاني والثالث الابتدائي في الإسكندرية، ثم عاد إلى أسيوط في السنة الرابعة، وذهب إلى بنها مع أخيه الأكبر، ومنها إلى القاهرة، ثم التحق بمدرسة الإيمان الثانوية في شبرا.
مرحلة الدراسة والخدمة
ودرس البابا شنودة التاريخ في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) كلية الآداب قسم التاريخ، وقد اشتهر بتأليف الشعر والبراعة في الإلقاء والخطابة. وفي السنة الرابعة التحق بالكلية الإكليريكية، كما التحق بكلية الضباط الاحتياط.
وروى البابا الراحل في فيلم وثائقي عن حياته عنوانه "همسات حب" تفاصيل تلك المرحلة، قائلًا "هكذا كنت أدرس بالكليات الثلاث في سنة واحدة"، وذلك بحسب صحيفة "الوطن" المحلية.
والتحق البابا شنودة بالكلية الحربية كمتطوع عام 1947، لكنه لم يُستدع للقتال رغم اندلاع حرب عام 1948 آنذاك، وقال البابا شنودة عن العام الذي قضاه بالكلية الحربية إنه كان له "أثر بالغ في حياته بتعلم الانضباط".
خدم البابا شنودة في التربية الكنسية، واجتماعات الخدام، واجتماعات الشباب في العديد من الكنائس والجمعيات، ومنها كنيسة السيدة العذراء بمهمشة عام 1939، وجمعية النهضة الروحية بشبرا في أوائل الأربعينيات، كما خدم في بيت مدارس الأحد القبطي.
البابا شنودة والرهبنة
في 18 يوليو/ تموز 1954 ذهب نظير جيد إلى دير السريان وترهبن باسم الراهب أنطونيوس السرياني، وكانت له قلاية منفردة في حصن الدير يطلق عليها (قلاية الكرنك)، وفي عام 1956 اشتاق إلى حياة الوحدة واختار لنفسه مغارة في الجبل تبعد 3,5 كم عن الدير.
وتم ترسيم الراهب أنطونيوس قسًا في 31 أغسطس/ آب عام 1958 حتى عام 1960، حيث ذهب إلى مغارة في منطقة البحر الفارغ، والتي تبعد نحو 12 كم عن الدير.
واختير البابا شنودة سكرتيرًا لقداسة البابا كيرلس السادس، وفي 30 سبتمبر/ أيلول 1962 سيم أسقفًا للتعليم. وفي فترة الأسقفية وأيضا في فترة البطريركية ارتبط بحب الرهبنة، ولم يتخل عن حياة الدير وسكونه.
في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1971 احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتجليس البابا شنودة الثالث ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رقم 117. ومنذ تجليسه حتى مماته، كان البابا شنودة الثالث راعيًا ومُعلمًا، فخرج في 104 رحلات في جميع أنحاء العالم، ليدشن الكنائس ويتفقد الرعية.
وقد اهتم البابا الراحل بالبحث والاطلاع، والتعليم والتأليف، وأسس مركز البابا شنودة الثقافي للتعليم وتكنولوجيا المعلومات، وألقى مئات العظات التعليمية في الكلية الإكليريكية وفي الندوات واللقاءات التي كان يُدعى إليها، حتى توفي في 17 مارس/ آذار 2012.
البابا شنودة وعلماء الأزهر
ارتبط البابا شنودة بعلاقة قوية مع العديد من علماء مشايخ مصر، ولعل أبرزهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، قد بدأت علاقتهما بعد إرسال البابا شنودة وفدا من رجال الكنيسة لزيارة الشيخ الشعراوي أثناء إجراء عملية جراحية في لندن، ثم زاره بنفسه، كما وضع البابا شنودة صورة الشيخ الشعراوي في مكتبه الخاص لكي يصلي من أجل أن يتم الله شفاءه.
وعندما عاد الشيخ الشعراوي إلى مصر سالما، رأى أن من الواجب أن يزور البابا في الكاتدرائية لشكره على زيارته، فحظي باستقبال حافل، وكان عشرات الأساقفة والكهنة في انتظاره، وتجمع عدد كبير من الأقباط أمام الباب الخارجي لتحيته أثناء دخوله.
ورغم أن هذا اللقاء التاريخي كان مقررا له أن يستمر نصف ساعة فقط، لكنه استمر أكثر من 3 ساعات دون ملل، إذ قال الشيخ الشعراوي وقتها: "من منح الله لي في محنتي أنه جعلني أجلس مع قداسة البابا شنودة".
وقد نعى فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، البابا شنودة عند رحيله، بكلمات مؤثرة مستذكرا تاريخه الوطني والقومي، بالقول: "فقدت مصر أحد رجالها المعدودين، في ظروف دقيقة تحتاج فيها لحكمة الحكماء وخبرتهم وصفاء أذهانهم، ولم يكن لفقيد مصر مواقفه الوطنية وشخصيته الخيرية وسعيه الدؤوب على المستوى الوطني فحسب، بل على الصعيد القومي، حيث عاشت قضية القدس ومشكلة فلسطين في ضميره، ولم تغب أو تهُن أبدا، فقد بذل قصارى جهده من أجل الدفاع عنهما".
aXA6IDE4LjExNi45MC41NyA= جزيرة ام اند امز