"الخط العسكري" في مرفأ بيروت.. ممنوع الاقتراب
الانفجار الذي وقع الشهر الماضي في مرفأ بيروت، سلّط الضوء على الفساد المستشري في الميناء الحيوي، وعمليات حزب الله المشبوهة
ما بين نزيف اقتصادي يعقمه هبوط الليرة، وشلل سياسي تبعثره أوراق السياسة، يتجدد جُرح بيروت كلما نفضت الغبار عن مغارة "علي بابا" في رئتها البحرية التي تتغذى على فساد مافياوي يقوده "حزب الله".
مرفأ بيروت الذي يدخله كل ما هو ممنوع لكنه مرغوب، هو من جهة، صورة مصغرة عن مؤسسات الدولة في لبنان، ومن جهة أخرى عنوان لاستشراء الفساد ونفوذ قوى سياسية بقوة السلاح.
الخط العسكري
في هذا المكان الذي كان حيويا واستراتيجيا إلى حدود الرابع من أغسطس/آب الماضي، تتحدث مصادر عن توليفة من التهرب الضريبي والتهريب والرشاوى، و"خط عسكري" ممنوع الاقتراب منه.
خطٌ يمكّن حزب الله من تمرير ما يريد دون رقيب أو حسيب، وعقد صفقات تستفيد منها قوى تشاركه الغنيمة الاقتصادية والسياسية لموارد البلاد.
الباحث محمد شمس الدين من مركز "الدولية للمعلومات"، نشر عدة دراسات حول التهرب الضريبي والفساد في لبنان، يقول إن مرفأ بيروت "من أكثر المرافق فسادا".
ويشير شمس الدين إلى غياب الرقابة الفعلية من الحكومة على المرفأ الحيوي، "سواء فيما يتعلق بجباية الأموال أو إنفاقها".
والمرفأ الذي تأسس عام 1894، كانت تديره شركة فرنسية، قبل أن تتسلمه شركة خاصة عام 1960، انتهى امتيازها في بداية التسعينيات، لتتسلم الإدارة لجنة رسمية ما زالت تشرف عليه حتى يومنا هذا.
لكن شمس الدين يُصر على أن تلك اللجنة تعمل وكأنها شركة "خاصة"، وأن نظام المحاصصة القائم في البلد ينطبق على مرفأ بيروت الذي دمره انفجار أغسطس وحوله إلى أثر بعد عين.
ممنوع الاقتراب
في مرفأ بيروت كما في المطار، وكما المنافذ الحدودية، لدى حزب الله خط عسكري تمر من خلاله بضائعه دون رقابة أو تفتيش، وهو ما يؤكده رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر، في حديثه مع فرانس برس.
ووفق صادر، "لا أحد يقترب من هذا الخط"، وذلك باتفاق ضمني مع السلطات في البلاد.
إحداثيات تعود لعام 2019، حين فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المسؤول البارز في حزب الله وفيق صفا، لاستغلاله الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب.
وبحسب بيان صادر حينها عن السفارة الأمريكية في لبنان، فإن حزب الله استفاد من صفا لتسهيل مرور المواد، بما في ذلك الأسلحة والمخدرات عبر مرفأ بيروت.
وهو ما عززته إفادات خرجت بعد الانفجار المزلزل الذي تعرض له المرفأ، الشهر الماضي، وأسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، مشيرة إلى تخزين حزب الله السلاح ومواد أخرى غير قانونية في المكان.
هذا إلى جانب ما جاء في تقرير أعده جهاز أمني قبل أشهر، ويتضمن خمسة موظفين على الأقل "يُمنع استبدالهم" في قسم معاينة البضائع بالجمارك.
ويورد التقرير الذي اطلعت فرانس برس على نسخة منه، تبعية هؤلاء الموظفين لمسؤولين محسوبين بدورهم على قوى سياسية أبرزها التيار الوطني الحر، وحزب الله، وحركة أمل.
وتم توقيف عدد من المسؤولين عن الميناء المهم، في إطار التحقيق الجاري بشأن الانفجار الذي عزته السلطات لحريق اندلع في مستودع خُزنت فيه 2750 طنا من نيترات الأمونيوم منذ سنوات، دون رقابة أو أية إجراءات وقائية.
وإلى اليوم الذي وقعت فيه كارثة آب، كان لبنان يعتمد في أغلب عملياته التجارية على المرفأ الذي تمر من خلاله أكثر من 70٪ من البضائع المستوردة.
ووفق شمس الدين، تبلغ الإيرادات السنوية للمرفأ نحو 220 مليون دولار يعود منها 60 مليون فقط إلى خزينة الدولة، أما الباقي فيفترض أنه رواتب وأجور وتطوير، وهو ما لا يعرفه اللبنانيون.
مليار ومليارا دولار، هو حجم التهرب الجمركي سنويا، وغالبيته من مرفأ بيروت، في بلد بلغ العجز في موازنته خلال العامين الماضيين بين 5 و6 مليارات دولار.
سكانر معطل
لكن هناك ما هو أخطر مما سبق، وهو الممنوعات من السلاح والمخدرات التي تهرّب في سيارات مستعملة، والمفارقة أن جهاز الكشف بالأشعة السينية، الوحيد في مرفأ بيروت "معطل..
مصدر في الجمارك كشف أن هذا الجهاز معطل منذ أبريل/نيسان 2019، بسبب عطل فني لم تقدم إدارة الميناء على تغييره بسبب خلاف حكومي، لافتا إلى أنه قديم وكلفة تصلحيه تتجاوز قيمة سعره.
وتعطيل جهاز الكشف يعني أن عمليات التفتيش في المرفأ تجري بشكل يدوي، الأمر الذي يسهل المخالفات.
aXA6IDMuMTUuMjI4LjE3MSA= جزيرة ام اند امز