يعد سقوط الأنظمة السياسية الحاكمة من أبرز التحولات التي تفرض تأثيرات واسعة النطاق على المستويين المحلي والدولي.
ويُعتبر هذا السيناريو متوقعا في أزمات ممتدة كالصراع السوري، حيث يطرح سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد تداعيات كبيرة، خاصة على الدول المجاورة لا سيما تلك التي تواجه تحديات أمنية، اقتصادية، واستراتيجية كبرى.
وفي هذا السياق، يتعامل القانون الدولي مع سقوط الأنظمة وفق مبادئ واضحة تضمن استمرارية الدول، وتحمي السلم والأمن الدوليين، إذ تؤكد المبادئ الدولية على أن سقوط النظام السياسي لا يلغي الدولة ككيان قانوني مستقل؛ فوفقا لمبدأ استمرارية الدولة، تبقى هذه الدولة قائمة بغض النظر عن تغيير الحكومات، ويُلزم النظام الجديد بتنفيذ الاتفاقيات والالتزامات الدولية السابقة، وهو ما قررته اتفاقية فيينا لعام 1978 بشأن خلافة الدول في المعاهدات.
كما يحظر القانون الدولي أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول، ما يعني أن إسقاط النظام السياسي أو دعم قوى معينة يجب أن يكون عملية داخلية بحتة، وأي تدخل خارجي يُعتبر مخالفا لمبدأ السيادة الوطنية المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وفق ما ورد في المادة 2(4) و2(7) من ميثاق الأمم المتحدة.
وفي حالات سقوط الأنظمة وحدوث الفوضى، يبرز دور القانون الدولي الإنساني الذي يحمّل السلطة الجديدة مسؤولية حماية المدنيين ومنع الانتهاكات، وإذا ما عجزت السلطات المحلية، يمكن للمجتمع الدولي التدخل وفق مبدأ المسؤولية عن الحماية (R2P)، بحسب اتفاقيات جنيف لعام 1949 ومبادئ الأمم المتحدة لعام 2005.
كما يعد الاعتراف بالنظام السياسي الجديد مسألة سياسية وقانونية في آن واحد، حيث يعتمد على قدرة النظام على فرض السيطرة الفعلية والالتزام بالمعايير الدولية وحقوق الإنسان، وفي حال أدى سقوط النظام إلى فراغ السلطة، فإن مجلس الأمن الدولي قد يتخذ إجراءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وبشأن التداعيات المحتملة لسقوط نظام بشار الأسد على دول الجوار، لا بد من الإشارة الشق المتعلق بالأردن الذي يعتبر أقرب دول الجوار إلى سوريا، والذي عانى على مدى سنوات من آثار اللجوء السوري أمنياً وسياسيا واقتصاديا، لكن الدولة الأردنية وبفضل جيشها الواعي وقدراتها وتماسك شعبها بقيت قادرة على احتواء آثار الأزمة السورية؛ إذ اعتمد الأردن تاريخياً موقفاً متوازناً تجاه الأزمة السورية، مع دعمه للحلول السياسية التي تحافظ على وحدة سوريا واستقرارها، وقد عمل منذ بداية الأزمة على تعزيز التعاون الأمني الإقليمي والدولي لضمان أمن الحدود، والتوازن المستمر من أجل الحفاظ على أمن البلاد.
وعلى أية حال ورغم المخاطر الأمنية والاقتصادية لسقوط نظام الأسد، فقد يشكل هذا التطور فرصة لإعادة تشكيل مستقبل سوريا، ويبقى القانون الدولي إطاراً حاكماً يضمن استمرار الدول، ويحدد مسؤولية السلطات الجديدة عن الالتزامات السابقة، مع حماية المدنيين وحقوق الإنسان، علماً أن سقوط نظام بشار الأسد لن يكون مجرد تحول محلي، بل سيعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية والدولية.. والأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة