لن تتوقف مواجهات الكونغرس عند تعيين رئيسه، ستيفين مكارثي، أو التلويح بأنه سيكون رئيسا انتقاليا بناء على توافقات داخل الحزب الجمهوري، واشتراط عزله حال أي صدام محتمل، وهو المتوقع.
فالخريطة التشريعية، التي يطرحها الحزب الجمهوري في الكونغرس الجديد، لن تتوقف عند انتخاب "مكارثي"، بل ستمتد إلى سلسلة تشريعات عاجلة يجب تمريرها في الأشهر الأولى للكونغرس الجديد، فإلاشكالية الكبرى تتمثل في ما هو قادم، لأسباب:
أولها: معاناة الحزب الجمهوري من صراع حقيقي منذ انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وفي ظل مشاهد راهنة تشير إلى انقسام الحزب بين عدة تيارات بين اليمين ويمين الوسط واليمين المتشدد، وتزامن ذلك مع دخول الرئيس السابق ترامب على خط التواصل، ومحاولته إعادة ترتيب الحزب وفق مقاربة مختلفة عن الموجود، لكنه فشل لاتهامه بفرض أسلوب "غير منضبط أضر بالشكل العام أمام الجمهور الأمريكي"، والذي ما زال يتوقع مزيدا من الصدامات قبل انتخابات الرئاسة المقبلة بين الحزبين.
وتؤمن شريحة كبيرة من مؤيدي الحزب الجمهوري بأن فترة "ترامب" ولّت، يقابلها تيار آخر يرى أن "ترامب" ما زال قويا، وأنه سيدخل انتخابات 2024 وسينجح في تكرار الوصول إلى "البيت الأبيض".
اللافت أن تيار اليمين المتشدد، الذي يمثله الرئيس ترامب، يراهن على مدٍّ شعبوي موجود ومؤثر في القاعدة الانتخابية الكبيرة، وداخل معاقل الحزب الجمهوري المعروفة، والتي تتابع ما يجري، استعدادا لإجراء الانتخابات التمهيدية لمعركة انتخابات الرئاسة بعد عدة أشهر.
ثانيها: أن القضية ليست في الكونغرس فقط، بل مرتبطة بالأساس بما هو قادم من تطورات تطول مؤسسة الرئاسة وبعض مراكز صنع القرار، كالخارجية والمخابرات، في ظل ترميم علاقات الحزبين تحقيقا للصالح الأمريكي العام، خاصة أن الرابح الأكبر مما يجري سيكون الحزب الديمقراطي والرئيس جو بايدن، والذي يعمل على استثمار المشهد داخل الكونغرس لتأكيد فشل الجمهوريين في إدارة السياسات الوطنية، وبصرف النظر عن تقدم سنّه، وهو أمر محل تجاذب سياسي حقيقي داخل الحزب الديمقراطي، وأنه يجب أن يغادر موقعه مكتفيا بأنه أعاد هيبة المنصب للمواطن الأمريكي بعد حالة الفوضوية والشعبوية، التي ضربت مرتكزات الديمقراطية والليبرالية الأمريكية نتاج ما جرى في وقائع اقتحام الكونغرس.
أما الحزب الجمهوري فما زال يتحرك في دوائر متقاطعة، والتصورات الأولية تشير إلى أنه سينجح -سواء ابتعد ترامب أم لا- بتدخل مجموعة الصقور، أو المعروفين في الحزب الجمهوري بأنهم "حكماء الحزب" لكبح جماح ما يجري، والرسالة أن الحزب الجمهوري قادر على اجتياز كل المعوقات والإشكاليات المطروحة، مع توقع استمرار حالة التجاذب الحزبي، وهو أمر معتاد في الحياة السياسية الأمريكية وتفاعلاتها الممتدة والمتسعة، والتي تعمل فيها قوى متعددة ومؤسسات عدة تؤثر في صنع القرار الأمريكي، والتي لا يقل دورها عن الكونغرس.
ثالثها: أن الحديث عن حدوث ارتباك أو حالة عدم استقرار داخل الكونغرس، أو نقل المواجهات الراهنة إلى مجلس الشيوخ، غير وارد بالمرة، فالولايات المتحدة، سواء على مستوى الرئاسة أو الكونغرس، والحديث عن أي سيناريوهات تتعلق بما يجري في الحزبين، الديمقراطي أو الجمهوري، سيرتبط بالحدث الأكبر، والأهم، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية، كأولوية للجانبين بصرف النظر عن الإعلان الأولي للرئيس السابق ترامب بالترشح، وإعلان الرئيس جو بايدن أيضا، فالرسالة أن الانتخابات التي ستجري مطلع العام المقبل سترتبط بمعطيات محددة، منها المزاج العام للمواطن الأمريكي وأجندة أولوياته الداخلية، وأغلبها تصنف في سياق اقتصادي ومالي، وليس في سياق سياسي.
صحيح أن لعبة التوازنات الكبرى بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ما تزال قائمة وممتدة، لكن من المتوقع أن تشهد بعض الديناميات الراهنة تغييرًا، في ظل ما تشهده الأمة الأمريكية من تحديات متعلقة بعلاقات واشنطن بالدول الخصوم وفقا للاستراتيجية الأمريكية المعلنة في أغسطس من العام الماضي، حيث عُرفت الصين، وبالاسم، بـ"الخصم"، الذي يجب التعامل معه بجدية، وضبط مقاييس القوة والمواجهة معها، إضافة لتصويب مسارات علاقات واشنطن مع دول الناتو، وكوريا الشمالية وروسيا، وبناء شراكات إقليمية ودولية متماسكة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ومخاوف نقصان الطاقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة