حدث ما كان متوقعا من داخل إسرائيل وخارجها، إذ اقتحم وزير الأمن القومي، "إيتمار بن غفير"، باحات المسجد الأقصى، في أول أسبوع للحكومة الجديدة، ما وضع "نتنياهو" في موقف محرج.
وستشكل خطوة "بن غفير" مخاطر على فرص إحياء عملية السلام، وستهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي، في ظل ما يمر به النظام العالمي من تحولات ديناميكية، إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما يعكس مخاوف المجتمع الدولي من توجهات حكومة "نتنياهو"، التي وصفت بأنها "الأكثر يمينية" في تاريخ إسرائيل.
لذلك، لاقت الخطوة استنكارا واسعا على المستويين العربي والدولي، بما فيها الولايات المتحدة -الحليفة الأهم لإسرائيل- ولا أستغرب ذلك أبدا، لو علمنا أن اندلاع شرارة "الانتفاضة الفلسطينية الثانية" حدث بعد اقتحام "آرييل شارون" باحات المسجد الأقصى يوم 28 سبتمبر من عام 2000، ما تسبب في تفاقم التوتر حينذاك، وهو ما حذر منه زعيم المعارضة الإسرائيلية الحالي "يائير لابيد"، في تصريحات نشرت على موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي، حين قال: "أخشى أن يقربنا إيتمار بن غفير من اندلاع انتفاضة ثالثة".
وقد تحركت الدبلوماسية الإماراتية الفاعلة فورا، ولم تكتفِ بالإدانة، بل دعت إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، لبحث تطورات ما يجري في المسجد الأقصى، وحشد الدعم الدولي للحفاظ على مسارات السلام، فدولة الإمارات تعرف جيدا تحويل التحديات إلى فرص، ويؤكد التصعيد الأخير ضرورة مضاعفة بذل الجهود لإنهاء الخلافات والنزاعات في الأراضي الفلسطينية، عبر حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ما يعكس الموقف الإماراتي الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
هنا يأتي ذكر الاتفاقيات الإبراهيمية، التي باتت تشكل ضغطا على حكومة نتنياهو، لأنها لن تغامر بخسارة ما تحقق من نجاحات عبر هذه الاتفاقيات، بسبب تصرفات غير مسؤولة من أحد السياسيين الإسرائيليين، ولا بد أن نشير إلى فلسفة دولة الإمارات، التي تقوم على بناء علاقات تحقق الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة، عبر التعاون والتضامن مع الشركاء في العالم كله، وتقليل مسافات الخلاف ولغة الحروب، والتركيز على التحديات المشتركة نحو الوصول إلى السلام في المنطقة.
ولهذا نجد دولة الإمارات تضع إسرائيل أمام المجهر الدولي في مجلس الأمن، عندما يتعلق الأمر بثوابتها الراسخة بشأن القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، تمد جسور التعاون معها على المستوى الاقتصادي من أجل المصلحة الوطنية، وأيضا من أجل أن ترسخ سياسة التعاون والحوار الدائم بدلا من سياسات المواجهة العسكرية أو المقاطعة التي لم تفد أحدا من دول المنطقة.
من الضروري هنا تأكيد استمرار وصاية الأردن على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، لما له من أثر إيجابي على الاستقرار الإقليمي، فالوصاية الهاشمية تاريخية، واستمرت إلى فترات الانتداب البريطاني على فلسطين، وصولا إلى حقبة الحكم الأردني، حتى مراحل ما بعد عام 1967، كما أن المادة 9 من اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل تشير إلى احترام دور الأردن فيما يتعلق بالقدس والمقدسات الدينية.
نذكر أيضا بأننا نحتاج إلى مواجهة خطاب التطرف في المنطقة، خاصة في الداخل الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك عبر تعزيز قيم التسامح والتعايش، فصعود اليمين الإسرائيلي إلى السلطة سينتج مواقف متشددة، ستجد فيها أصوات فلسطينية فرصة لعودة خطاب العنف، ما سيعرقل مساعي السلام ويشعل فتيل التوتر في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة